كثيرا ما تصادفنا ونحن نتجول في شوارع العاصمة أفواج من المتشردين الذين صاروا يمثلون جزء ا من ديكور شوارعنا، أناس ألزمتهم ظروفهم الاجتماعية ترك المنزل واستبداله بالشارع بعدما تخلت عنهم أسرهم أو هربوا منها، وهو الأمر الذي يترك من دون شك أثرا كبيرا في نفوسهم تعكسه تصرفاتهم العدوانية مع الناس للحصول على ما يريدون. غير أن هناك فئة من هؤلاء المتشردين تبعد كل البعد عن هذه التصرفات العدوانية أو الكلام الفاحش الذي يتلفظ به غالبيتهم عندما يتذمرون من تصرفات الناس ويتصرفون بطريقة محتشمة جدا. أثناء جولة استطلاعية قادتنا إلى أحد الشوارع الكبرى بالعاصمة، لفتت انتباهنا فئة صغيرة من المتشردين الذين تختلف تصرفاتهم كثيرا عن تلك التي توصف في كثير من الأحيان بالقسوة والكلام الفاحش، خاصة وأن هذه الفئة تختار الأماكن الإستراتيجية في قلب العاصمة وتعطي صورة غير لائقة عنها خاصة عند التصرف والتلفظ بما لا يليق سماعه، تجدهم في أهم المواقع كمكاتب البريد والمساجد والأسواق ومحطات المسافرين ويمثلون مختلف الأعمار ومختلف الفئات الاجتماعية، نجدهم يتجولون في الأسواق الشعبية والموازية التي اعتادوا التردد عليها. أريد ثيابا للاستحمام في شارع أحمد بوزرينة بالعاصمة، تتخذ فتاة في العشرين من العمر من أحد أزقته المخفية مكانا دائما للمبيت صيفا وشتاء بعدما قررت العيش في الشارع آتية من ولاية البليدة، حسب ما قاله لنا الباعة في السوق الموازي بساحة الشهداء الذين تعودوا على رؤيتها والحديث معها من أجل التخفيف عنها ومواساتها للترويح عنها بعدما عانت الكثير، على حد قول إسماعيل أحد الباعة الذي يملك طاولة لبيع ملابس النساء، ليواصل كلامه ''إنها تعيش في الشارع منذ ستة أشهر تقريبا بعدما خرجت من البيت بسبب المعاملة القاسية لزوجة أبيها التي كانت تتعسف في سلوكها معها، وعندما شعرت أنها غير مرغوب فيها في بيت أهلها وتفاقمت المشاكل عليها حملت نفسها وبدأت تجوب الشوارع لتجد مكانا آمنا وتستقر فيه، إلى أن وصلت إلى هذا المكان الذي تعتبره مسكنا لها وعوضت أهلها بالباعة الذين يبيعون في هذا السوق، فهي معروفة من قبل الجميع لهذا يقدم لها الجميع المساعدة كل حسب مقدوره''. بعد برهة من الزمن ونحن نتكلم إلى البائع إذا بالفتاة تقف إلى جانبنا لتباشر الكلام مع الشاب سائلة إياه هل يوجد سروال ''جينز'' بمقاسها لأن ثيابها اتسخت وتريد الاستحمام وتغيرها كونها تتحسس من أن ترى حالها بذلك الشكل لتغادر الطاولة وهي تحمل في يدها الطلب الذي قصدت من أجله البائع ثم - ونحن نلاحظ من بعيد - اتجهت إلى طاولة أخرى تسأل بائعا آخر أن يعطيها قميصا حتى تغير ما كانت تلبس، وبعد مغادرتها المكان تنقلنا إلى البائع فأجابنا انه يعطيها الثياب كلما احتاجت لها ويزيد عن ذلك أنها طفلة مسكينة ولاتزال شابة تريد الظهور بشكل نظيف تتفادى به نظرة الناس الجارحة، ليضيف أنها من بين الفتيات التعيسات الحظ في الدنيا كونها تعيش هذه الظروف القاسية وهي تملك بيتا وعائلة لا تسأل عنها ولا تبكي فراقها، مشيرا إلى أن ما ينقصها فعلا هو الملابس وبعض النقود لا أكثر. ..السلام عليكم أريد طعاما غادرنا المكان وتركنا المتشردة تفرح بثيابها الجديدة ليصادف طريقنا متشرد من نوع آخر يقف أمام مدخل مخبزة يحدق في الناس الذين يدخلون لشراء الخبز وبعض الحلويات، ليخاطبهم بكل أدب واحترام عند الخروج من المخبرة مرددا عبارة ''السلام عليكم أختي أريد أن آكل''، ويواصل في ترديد هذه العبارة بكل أدب لينصرف عن المكان بمجرد أن يحصل على شيء يأكله، وهو التصرف الغريب لدى أغلب المتشردين الذين يتصرفون في العادة بكل عدوانية مع المارة ويخاطبونهم في الكثير من الأحيان بأسلوب غير لبق يخلق الرعب في نفوس المواطنين. وأمثال هؤلاء كان أجدر أن تتكفل بهم مصالح وزارة التضامن وتأويهم ونحن نقترب من فصل الشتاء، كما يحدث في جل الدول التي تجعل المشردين على رأس اهتماماتها مع حلول كل شتاء خاصة مع ما تشهده البلاد من تقلبات في الطقس.