تعيش فئة المعاقين في الجزائر واقعا أقل ما يقال عنه إنه قاسٍ نتيجة حرمانهم وتهميشهم وتجاهل اندماجهم في الحياة الاجتماعية وبالتالي عدم استفادتهم من أدنى شروط العيش الكريم، وهو ما عبرت عنه فئة ذوي الإعاقات المتفاوتة في يومهم العالمي نهاية الأسبوع المنصرم أمام مقر جمعية الأمل للمعاقين حركيا الكائنة بباب الوادي في محاولة لجذب انتباه السلطات الوصية بغية التكفل بانشغالاتهم المندرجة لضمان كرامتهم. هي الخطوة التي أرادت من خلالها هذه الفئة التعبير عن مطالبها للسلطات والمتمثلة في المقام الأول في إعادة النظر في القانون المتعلق بالتكفل بهذه الشريحة المهشمة في المجتمع كونها لا تحظى بأدنى اهتمام، لذا رفعت احتجاجها في هذه المناسبة، كون كل الأضواء مسلطة عليها قصد التكفل وتقديم يد العون لإدماجهم اجتماعيا بتخصيص مركز للتعليم ومناصب شغل يسهموا بها كغيرهم في التنمية والبناء الاجتماعي والمحافظة على كرامتهم، ورفع انشغالاتهم مهما تباينت درجات إعاقاتهم والتي تصب في مجملها في المشاكل الاجتماعية والمعاناة اليومية التي يتلقاها المعاق في حياته، والتي تحول دون السماح له بالاندماج اجتماعيا، وبالتالي تنعكس أساسا على الوضعية والواقع الذي يتخبط فيه المعاقون وعائلاتهم على غرار تدني قيمة المنحة المقدمة لهم كل ستة أشهر كأقصر أجل والمقدرة قيمتها ب 4000 دج لكل شهر، في حال ما إذ كانت الإعاقة بنسبة 100 بالمائة، وتنخفض إلى 1000دج إذا ما كانت نسبة الإعاقة مقدرة ب 50 أو80 بالمائة، وفي حالة استفادة المعاق من منحة التقاعد عند وفاة الأب، وهي المساعدات المادية الوحيدة التي تمنحها الدولة فقط للمعاقين الذين تجاوز سنهم 18 سنة في حين يحرم منها من هم دون هذا السن، وهو الأمر الذي سجل استياء عائلات المعوقين الذين يتجرعون مرارة الوضع خاصة وأن أغلبهم يعانون الفقر المدقع، ويقطنون في بيوت فوضوية ولا يملكون حتى قوت يومهم. وفي هذا الصدد قالت رئيسة جمعية الأمل السيدة ''حيزية''. إن الرسالة التي تريد إيصالها تكمن في ضرورة إعادة تكييف الأنظمة التي من شأنها ضمان كرامة الشخص المعاق، وهو أهم ما في الأمر وكذا حماية المعاق من الناحية القانونية. معاقون 100 بالمائة ولا يتقاضون أية منحة ومن بين المشاكل اليومية التي تعاني منها هذه الفئة انعدام المسالك المخصصة لهم لاسيما بالمؤسسات والمصالح التي يتعاملون معها والتي تغلق الأبواب في وجههم كالمستشفيات والمدارس ومركز التعليم والبلديات، التي لا تقدم لهم ولو شرحا بسيطا عن سبب تعطل منحتهم وهذا حسب ما اشتكى منه المعاقون، وهو الأمر الذي يجعلهم يفضلون عدم الخروج من المنزل لتسوء أكثر حالتهم الصحية والنفسية على حد سواء، وبذلك تعد هذه المناسبة فرصة سانحة ليروي كل شخص من بينهم معاناته مع الإعاقة، إلا أنهم يشتركون كلهم في مشكلة تأخر منحتهم وعجزهم عن شراء الدواء الذي يثقل كاهلهم في كل مرة على غرار الطفلة ''قابلي لامية'' البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي تعاني من إعاقة حركية بنسبة 100 بالمئة ولا تستفيد من أية منحة مادية حتى بلوغها سن 18 سنة، زيادة على معاناتها من انتفاخ في الأقدام الأمر الذي تعين عليها شراء حذاء خاص، ولهذا ترفع السيد ''قابلي'' نداءها إلى كل الجهات وأصحاب القلوب الرحيمة لتقديم المساعدة إلى الطفلة لامية. ولا تقل معاناة ''طارق شامبوي'' البالغ 36 سنة من العمر المصاب بمرض التريزوميا21 عن باقي فئة المعاقين والذي لم يستفد هو الآخر لحد اليوم من منحة المعاق، والسبب أنه تحصل على منحة تقاعد والده المتوفى، وبذلك فإن المنحة المخصصة لهذه الفئة من المعوقين لا تقدر إلا ب1000 دج فقط، وزيادة على كل هذه المعاناة فإن ما يزيد من تأزم وضعهم مطالبتهم بالتزود بصكوك بريدية حتى يتم سحب منحهم عن طريق صكوك مراكز البريد من أجل البصم، وهو الأمر الذي زاد من تذمر هذه الفئة، كونها أمية لا تعرف القراءة، ناهيك عن مشقة التنقل إلى غاية المراكز البريدية من أجل سحب أموالها التي تصل دائما في غير آجالها المحددة. ويبقى المطمح الأسمى لهذه الفئة يكمن أساسا في إعادة النظر في تكيف القوانين والأنظمة المطبقة عليهم، وهي بطبيعة الحال المشاكل التي تجعل حياتهم وحياة عائلاتهم جد صعبة بالموازاة مع ما تقتضيه إعاقة المصابين الحركية والذهنية على حد السواء، انطلاقا من القانون الذي لا يضمن لهم الحماية الكافية وصولا إلى تلك العقبات كالبيرقراطية الاجتماعية التي تسلط عليهم. وقد أوضحت المتحدثة في دراسة ميدانية قامت بها عدة جمعيات، أن عدد المعوقين على المستوى الوطني قد وصل إلى حدود 4 ملاين معاق حركيا وذهنيا، على خلاف ما يتداول في بعض الأوساط التي ماتزال محتفظة ببعض الأرقام التي تعود إلى سنة ,2000 وكما صرحت به الرئيسة أن الرقم المحدد بحوالي مليون ونصف معاق في الجزائر منذ 8 سنوات غير مرشح للارتفاع، وهو ثابت غير قابل للتغير وهذا ما يعد محاولة لتقزيم المسؤولية أو الهروب منها من قبل الأجهزة والجهات التي وضعت للوصاية، والقيام بذلك في الأساس، ولهذا فإن هدف الجمعية اليوم يكمن في حماية المعوق من الناحية القانونية وإعادة كرامة المعوقين، وأضافت المتحدثة نحن كجمعية نعمل من أجل المطالبة بقوانين خاصة بهم، ولهذا فإن ذوي الإرادة القوية اليوم يقفون وقفة احتجاجية واحدة يطالبون من خلالها بإعادة الاعتبار إلى هذه الفئة والنظر إليها كفئة مهمة في المجتمع، وكذا حماية المعوق من السن 0 إلى غاية الكبر للتخلص من تلك التعقيدات التي تفرض عليهم في كل مرة، كتلك المتعلقة بالاستفادة من منحة المعاق إلى غاية البلوغ سن 18 سنة للحصول على 4000دج. تأزم الحياة والإعاقة الجسدية .. رمت به إلى أحضان التسول تقسو الحياة في العديد من المرات على من لا حول ولا قوة له لترمي بهم في أحضان ظروف اجتماعية معقدة تحمل الإنسان ما لا طاقة له، ومن بين هؤلاء معاق أجبرته سوء ظروفه الاجتماعية على التسول أمام أبواب المساجد وفي الشوارع والطرقات، عسى أن يجمع بعض الدراهم التي يقتات منها هو وعائلته. ''كمال صومام'' عينة حية لمن امتهن التسول لإعالة عائلته الفقيرة لأنه عاجز عن ممارسة أي عمل آخر خاصة وأحواله المادية لا تسمح له بذلك. لهذا اتجه إلى هذا الحل المتمثل في التسول كونه - وعلى حد قوله - الأوفر صحة في عائلته لإصابة إخوانه بمرض التأخر الذهني، إلى جانب إعاقة حركية ألزمتهم الفراش لسوء صحتهم، وهو ما دفع كمال إلى التسول أمام أبواب المساجد، بعدما أغلقت كل الأبواب في وجهه خاصة كونه لا يستفيد إلا من مبلغ 1000دج كمنحة على إعاقته، وعند استفساره عن الأمر وجد أن سبب الاستفادة من هذا المبلغ يعود إلى اسم صومام الذي يحمله. حسيبة برافطي الطفلة النابغة وسط كل هذه المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها فئة المعاقين إلا أن هناك من عوض الله عليه بالعلم، فالطفلة ''حسيبة برافطي'' صاحبة 14 ربيعا تعاني من إعاقة حركية مدة 8 سنوات ألزمتها الجلوس على كرسي متحرك، والسبب في ذلك كسر في العمود الفقري أصيبت به حسيبة بعدما كانت تقف على قدميها، حيث أجريت لها عملية جراحية لاسترجاع الحركة إلا أنها لم تكلل بالنجاح ليبقى المطلب الوحيد لحسيبة وعائلتها إعادة إجراء عملية أخرى تستعيد بها حركتها من قبل البروفيسور ''بن نابي'' الذي عجزت العائلة عن الاتصال به نظرا لظروفها المادية الجد صعبة والمزرية التي تتخبط فيها خاصة وأن تكلفة العملية الجراحية تقدر ب 50 مليون دج. تعيش عائلة برافطي في بيت من الخشب مكون من غرفة ومطبخ بحي الزواوي بسيدي موسى، يخرج كل أفراد العائلة من البيت عندما تغير حسيبة ملابسها، ورغم قساوة الحياة التي تعيش فيها حسيبة إلا أن ذلك لم يقف حاجزا أمام التفوق في دراستها، وكونها تدرس في السنة الثانية متوسط فإن حسيبة تتحصل على أعلى المعدلات بدرجة امتياز تقدر ب17 و19 من عشرين . أصيبت بإعاقة حركية نتيجة صدمة نفسية لا تختلف قصة ''سهام'' صاحبة 12 ربيعا عن بقية معاناة المعوقين غير أن أمر إعاقتها ارتبط بصدمة نفسية أصابت أمها وهي حامل بها بعدما ذبح عماها على مرأى أمها، وهو الأمر الذي جعل عائلتها تهم بالفرار من ولاية المدية واللجوء إلى منطقة جبلية في بولوغين والسكن هناك، وعلى الرغم من إجراء عمليتين جراحتين لسهام أولاها عندما كان عمرها 9 أشهر إلا أن النتائج لم تكن إيجابية ما جعلها مقعدة اليوم، ولأن سهام لم تبلغ بعد 18 سنة فإنها لا تستفيد من منحة المعاقين، ورغم الإعاقة التي تعاني منها ماتزال تطمح إلى مواصلة دراستها إن سمحت لها ظروفها العودة إلى مقاعد الدراسة كونها زاولت الدراسة مدة سنتين في الابتدائية. وأمام هذا الواقع الذي تعاني منه هذه الفئة إلا أنهم يطالبون بإعادة النظر في ملف المعوقين ليس من أجل دق الأبواب، وإنما من أجل رد الاعتبار لهم، فيما يقول السيد عبد الغاني إن المشكل الحقيقي الذي يعاني منه المعاق يكمن في عدم وجود سياسة واضحة. في حين يطالب أعضاء جمعية الرحمة ببني مسوس الحكومة بأن تساعد الجمعيات على الأقل بكل ما قد يهم هذه الفئة من توفير حفاظات، أدوية أو مبالغ مالية من أجل توفير ما يمكن أن يحتاجه المعاق الذي يقصد في كثير من الأحيان الجمعيات التي تعد السبيل الوحيد.