الإنسان جسد وروح، ويحتاج كلاهما إلى التغذية لكي يستمر، وغذاء الجسد معروف ويتمثل في مختلف الأطعمة التي يتناولها الإنسان، أما غذاء الروح فقلما يعتني به الناس لأنهم لا يلمسونه ولا يعبؤون بالمخاطر التي تنتج عن إهماله، فالروح محتاجة في غذائها إلى العبادة وإلى أداء الواجبات الدينية والارتباط بالخالق، ومن هذا المنطلق ركز احمد انس كرزون في موضوع سلسلته الثانية عن المنهج الإسلامي في تزكية النفس ''شفاء النفس وغذاء الروح'' الصادرة عن دار بن حزم. يؤكد كرزون في كتابه هذا أن المواظبة على حضور الطقوس الدينية والتواصل مع الآخرين يساعد على تحسين الصحة النفسية، مركزا في ذلك على أمراض النفس ومعوقات تزكيتها وكيفية علاج هذه الأمراض والتغلب على تلك المعوقات الذي لن يتأتى - حسبه - الا بالعلم النافع والعمل الصالح، التوبة المجاهدة وصحبة الصالحين ونحو ذلك. ويرجع المؤلف تأثير العبادة على الصحة النفسية لأمور منها الصلاة على أساس ان الصلاة تتوفر على حركات رياضية شاملة وتتميز بالسكينة النفسية. الصلاة مع الجماعة تسهل تواصل الفرد مع الآخرين واندماجه في بيئته وتجنبه الشعور بالوحدة والعزلة عن العالم فتمكن بذلك من تحسين الصحة النفسية، كما أن مجرد التردد على المساجد سكينة نفسية. وأن الالتزام بشرع الله يمنع صاحبه من إتيان الفواحش المهلكة، فيصفي بدنه وتزكو نفسه. وفي هذا الصدد يقول تعالى في كتابه العزيز: ''ألا بذكر الله تطمئن القلوب''، لأن ذكر الله تعالى بالصلاة أو غيرها يطمئن القلب ويريح النفس مما يعود بالنفع على صحة البدن واستقراره. كما أن أداء هذه العبادات يقول كرزون في حق خالق الأرض والسماوات يطمئن العابد لأنه يشعر بالأمان ما دام بين يدي علي قدير. إن التوازن بين غذاءي الروح والجسد مهم جدا، إذ لا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر، ونحن نلاحظ المشاكل النفسية التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم، بسبب الفراغ الديني الذي يعيشه هؤلاء. ومن بين الأمور التي عددها المؤلف في كتابه والتي تساعد على شفاء النفس وغذاء الروح الزكاة وهي فريضة لازمة غير أن اداءها يشترط -يقول كرزون- الابتعاد عن الرياء والتباهي والمن على الفقير وأن ينفق ما يحب وليس ما يكره، وكذا الصيام بوصفه وسيلة عظمى لتزكية النفس وتحريرها من سلطان الغرائز، مجاهدة النفس لتكف عن المعاصي وتسارع إلى الطاعات، والحج مع اخلاص النية. كما أشار صاحب الكتاب الى فضل النوافل وتلاوة القرآن الكريم والذكر والدعاء وقيام الليل وأهميتها بوصفها مسابقة في الطاعات وطريقة للتقرب أكثر من الله وكسب رحمته ورضوانه.