رئيس فيدرالية المؤسسات المتضامنة مع الصحراء الغربية بجزر الكناري: تعزيز الروابط التاريخية لدعم حرية الشعب الصحراوي    الإنتاج الصيدلاني الوطني يغطي 76 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    تصفيات مونديال 2026: الحكم الجزائري قاموح يدير مباراة بورندي-السيشل    الأغواط : جثمان السيدة الشريفة لالة الحرة التجاني يوارى الثرى بمقبرة العائلة بعين سيدي محمد البودالي بعين ماضي    بطولة العالم للملاكمة 2025 للسيدات: البطلة الأولمبية الجزائرية إيمان خليف تشرع في تربص تحضيري بأكاديمية أسباير بالدوحة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48446 شهيدا و 111852 جريحا    "المرأة بين طريقي الارتقاء.. رمضان والعلم" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    لجنة تنظيم البورصة: منح الاعتماد لأول شركة تمويل تساهمي في الجزائر    "نوازل الصوم الخاصة بالمرأة بين الطب والفقه" محور ندوة فقهية بالجزائر العاصمة    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار: نحو إنشاء أقطاب صناعية بالعديد من ولايات الوطن    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    الأمم المتحدة : الإطار القانوني والمؤسساتي الجزائري يضمن بشكل كامل الحقوق والحريات    ربط أزيد من 77 ألف مستثمرة فلاحية بالطاقة الكهربائية منذ 2020    أمطار رعدية مرتقبة على العديد من ولايات الوطن مساء اليوم الخميس    رمضان 2025: وضع بيوت ومخيمات الشباب تحت تصرف فعاليات المجتمع المدني    المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة في تربص جديد بمركز فوكة بتيبازة    افتتاح معرض جماعي للخط العربي بالعاصمة    عرض الوثائقي " آثار تخترق الزمن " حول جرائم التعذيب الفرنسي في المعتقلات خلال الثورة التحررية    استحداث مدارس عليا للأساتذة في مختلف المدن الجامعية    بنك الجزائر ينشر تعليمتين تتعلقان باعتماد البنوك الرقمية    قد تفلت منا صناعة التاريخ..؟!    حل الدولتين يعد الطريق الوحيد لتحقيق السلام في فلسطين    وزارة التربية تصدر بيانا يخص مشاركة الموظفين    إحباط إدخال كميات معتبرة من المؤثرات العقلية    قناة "فرانس 2″تبث توليفة إعلامية تخدم أجندة سياسية محددة    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    حرب ضد مؤثّري العار والفضائح    قناة "فرانس 2" تستعين بالخونة لمهاجمة الجزائر    ترامب يلقي أول خطاب أمام الكونغرس    فضيحة اعتقال طفلة في المغرب تؤجّج غضب الحقوقيين    تكفُّل بالمرضى وضمان للمناوبات    قمتان في وهران وقسنطينة ومهمة صعبة لبلوزداد بالبيّض    حين يلتقي الفن بروحانية الشهر الفضيل    استقرار في أسعار الخضر والفواكه    شهر الجود    محرز: جاهزون لمباراة بوتسوانا وهذه رسالتي للجزائريين    مشكلة جديدة لبلايلي مع الترجي والإدارة تتدخل    التعاون مع الصومال وموزمبيق في مجال الاتصالات    معرض الجزائر للسكك الحديدية في جوان القادم    "قسيمتك".. منصة لاقتناء قسيمة السيارات عن بُعد    إنهاء مهام المدير العام ل"بريد الجزائر"    تحييد 4 إرهابيين واسترجاع أسلحة وذخيرة    سفارة اليابان تتبرّع لجمعية أولياء الأطفال المعاقين    32 سؤالا ل7 وزراء بالمجلس الشعبي الوطني    الأغواط: حرم الخليفة العام للطريقة التجانية بعين ماضي في ذمة الله    توزيع مزيد من السكنات في جويلية    هذه تفاصيل خطّة العرب لإعمار غزّة    رمضان شهر العتق من النيران    الرابطة الثانية – هواة /الجولة 22/ : نجم بن عكنون ومستقبل الرويسات في مهمة صعبة خارج الديار    كرة اليد/القسم الممتاز/سيدات/ تسوية الرزنامة : فوز نادي فتيات بومرداس على نادي باش جراح    اجتماع تنسيقي لتطويرآليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    فرحتان للصائم    حنان ميزول أخبار اليوم : تستهويني المرأة المُكافِحة التي ترفع التحدي وتواجه الصعوبات    وحدة المضادات الحيوية ستشرع في الإنتاج جوان المقبل    لجنة خاصة للتكفّل الأمثل بالحجّاج في المطارات    صلاة التراويح تحمي من الأمراض    "آثار تخترق الزمن" يفتتح موسم رمضان    "بنات المحروسة" و"اللي فات مات" على منصة "شاهد"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصبر.. لعله يتوب من قريب
نشر في الحوار يوم 04 - 02 - 2009

تساءلت في نفسي وأنا بين الشك واليقين: هل يكون هو فعلاً؟ ولكي أخرج من حيرتي اقتربت منه بهدوء، وبصوت هامس قلت له: - أنت الأستاذ سيد؟
رفع يديه في الهواء مصافحًا وهو يقول: ''نعم، أنا هو، هذا الصوت ليس غريبًا عليَّ.. ولكن من أنت؟''.
كان لا يراني، قد كُفَّ بصره منذ صغره، نظرت إلى عينيه الزرقاوين قائلاً:
- أنت كما أنت، لم تغيرك السنون، ولكن لماذا أطلقت لحيتك؟! هل أطلقتها تدينًا والتزامًا، أم أنك تحاكي لحية (ماركس) و(بوشكين)، وأمثال هؤلاء الذين صدَّعت رأسي زمنًا بالحديث عن فلسفتهم المادية الجدلية؟!
كانت عيناه تدور في حدقتيه، قال:
- يبدو أنك تعرفني جيدًا، ولكن قل لي: من أنت؟
قلت: أنسيت بكل هذه السرعة أيام الجامعة، أنسيت تلك الكتب والمقالات التي كنت أُسَجِّلها لك؟
قال: بدأت أتعرف على نبرة صوتك، أنت عبد الوهاب؟
قلت مازحًا: لا، أنا لا أعرف الغناء.
افترَّ ثغره عن ضحكة جميلة، عهدتها عليه.
قال: لا تتعبني.
قلت ضاحكًا: سوف أُتعبُك مثلما أتعبتني، كنت ترميني بالجمود، وتقول: ''أنتم هكذا يا شباب الصحوة، أفكاركم جامدة، تقولون: تبًّا للشيوعية، وسُحقًا لماركس وأنجلز ولينين، وأنتم لا تعرفون عنهم شيئًا''. كنت أقول ونحن أسفل ساعة الجامعة: ''دقي يا ساعة، وقولي للناس: جُند محمد عادوا خلاص''، فكنت تقول: ''شعارات زائفة.. الحل سيكون في غير الفكرة الإسلامية..''. أتعبتني كثيرًا يا رجل، أما زال عقلك به لوثة من فكر شارد؟
قال: ''عرفتك.. أنت فلان''، وفي هذه المرة كان قد تعرف عليَّ فعلاً.
تنهدت قائلاً: أخيرًا.. وأقبل نحوي، احتضنني ليطفئ أشواق سنوات طوال قد أبعدتنا، فقد انتهينا من دراستنا بالجامعة، واستقبلتنا الحياةُ فاغرةً فاها، طحنتنا بمطالبها، ونسينا في حومتها كل شيء، نسينا الجامعة، وأبوابها، وقاعاتها، وساحاتها.. لقد تلاشت الذكريات في هموم الحياة القاتلة. ولكن ظلت الذاكرة تحتفظ بصورة هذا الشخص الذي يضج ويمل من مناقشته الجميع، قال عنه الكثير: ''إنه نسخة أخرى من طه حسين''. رآني أحد الأصدقاء معه أحاجه في فكرتي، فقال لي: لا تضيع وقتك مع هذا العلماني الحداثي!
ولكني كنت أشعر أن فيه خيرًا كثيرًا يختفي وراء تلك الأفكار الظلامية، يحتاج إلى من يزيل ما عليه من غبار. ولقد ظللت أنفض هذا الغبار طيلة أربع سنوات، كنت رغم تباين أفكارنا أخدمه وأراعي عاهته، بل وأؤثره دائمًا على نفسي، آخذ بيده لكي أوصله إلى بيته البعيد، أشتري له ما يحتاجه من كتب. جئته ليلة الامتحان النهائي، فرأيته حزينًا، فلما دخلت عليه فزع مني، وقال: أنت؟!
قلت: نعم، جئت أقرأ لك لكي تراجع.
قال: هذه ليلة الامتحان، هل راجعت أنت؟
قلت: لا، ولكني آثرتك على نفسي.
قال: إن إيثارك هذا لي لا يقدر على فعله أحد، حتى ولو كان أخي.
قلت: إني أخوك، ألم تسمع قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)؟
كانت هذه الحادثة هي آخر ما كان بيني وبينه، قبل أن تفرقنا الأيام والسنوات، لم ينسها، بل كان يتذكرها دائمًا، والعجيب حقًّا أنه قال لي عندما رأيته بعد هذه السنوات: ''الحمد لله يا أخي، لقد مَنَّ الله عليَّ بنعمة الهداية، لقد تركتُ جميع الأفكار الضالة التي كنت أتبناها، تبينت فساد ما كنت أعتقد، ومنَّ الله عليَّ بزوجة صالحة، أعانتني على الخير والفلاح. لقد كنت أفتش عنك وأسأل عن مكانك كل من كانوا يعرفونك، تذكرتُ صبرَك عليَّ، وطول بالك، لقد كان لأفعالك هذه الأثر الأكبر في هدايتي، فجزاك الله عني خيرًا''.
كان اللقاء حارًّا دامعًا، واختلطت بداخلي مشاعر عدة، من الفرح بمنة الله عليَّ وعليه، والعجب من قدرته سبحانه وتعالى، قلت له: ''سبحان الذي يُغَيِّر ولا يتغير''، ورفعت يديَّ إلى السماء: ''اللهم لك الحمد، قد أجبت أمنيتي'' وفارقته على موعد بلقاءات، وما زالت تلك الجملة الرائعة التي كنت أصبِّر نفسي بها على دعوته، تطرب أذني ووجداني كله: ''اصبر عليه، لعله يعود من قريب''.
وتذكرت ساعتها كلمات صاحب الظلال رحمه الله:
''عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس، نجد أن هناك خيرًا كثيرًا قد لا تراه العيون أول وهلة. لقد جربت ذلك.. جربته مع الكثيرين.. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور. شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم، شيء من الود الحقيقي لهم، شيء من العناية غير المتصنعة باهتماماتهم وهمومهم، ثم ينكشف لك النبع الخيِّر في نفوسهم، حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم، في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص.
إن الشر ليس عميقًا في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا. إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء، فإذا أمِنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية. هذه الثمرة الحلوة، إنما تتكشف لمن يستطيع أن يُشعِر الناس بالأمن من جانبه، بالثقة في مودته، بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلامهم، وعلى أخطائهم أو على حماقاتهم كذلك. وشيء من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله، أقرب مما يتوقع الكثيرون. لقد جربت ذلك، جربته بنفسي. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة، وليدة أحلام وأوهام''.
رحمه الله رحمة واسعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.