كانت فكرة الهجرة للعيش في بلد أجنبي ومازالت مطمح ومطلب فئة كبيرة من شباب الجزائر الباحث عن مستقبل زاهر، أعجزته ظروفه الاجتماعية عن تحقيق السعادة التي ينشدها. إلا أن هذه الظاهرة القديمة المبدأ والأسس حديثة الاستفحال في أوساط الفتيات الجزائريات وقد أخذت أبعادا أخرى وعصفت بشريحة شابات في مقتبل العمر سعين بشتى الطرق إلى الاغتراب، فمنهن من اتخذت من طلب العلم في الدول الأجنبية وتحصيل أعلى الشاهدات سبيلا للعيش في الخارج ومنهن من اختصرت الطريق في الزواج بأجنبي يؤمن لها فكرة الهجرة . لم يعد مطمح العيش في بلد أوروبي حلم الشباب فقط كما كان سائدا من قبل في الذهنية الجزائرية، فقد اجتاحت هذه الموجة حتى عقول الفتيات اللواتي ضقن ذرعا من نمط المعيشة التي يحيون فيها نتيجة تلك الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي تزداد تأزما يوما بعد يوم .وهي الظروف التي حالت بينهن وبين تحقيق ما كنّ ينتظرنه من الحياة حسب ما أدلين به ل '' الحوار''، وهو الأمر الذي أجبرهن على إيجاد حل لذلك الوضع الذي لا يرضون الاستمرار في العيش فيه بانتهاز كل الفرص التي من شأنها أن تسمح لهن بالهجرة من الجزائر إلى بلد أجني، حتى وإن حتم عليهن الأمر معاشرة رجال أجانب أو على غير ديننا الإسلامي ويتبعون قيما وعادات تتناقض و العادات والتقاليد الجزائرية. وهي الظاهرة التي بدأت تلقي بظلالها على مجتمعنا الجزائري الذي لم يكن ليشهد من قبل هذه الظاهرة التي حتى وإن كانت موجودة من زمان إلا أنها لم تكن بنفس هذه الحدة أو الحلة الجديدة التي صارت بطلاتها فتيات من الجزائر خضن غمار الهجرة بل في أخطر صورها ،فركبن زوارق الموت وزاحمن الشباب اليائس وحاولن الهجرة غير الشرعية ليجدن أنفسهن يصارعن الأمواج العاتية فمنهن من عبرن البحر إلى بر الأمان ومنهن من عجزن و بقين ينتظرن فرصة أخرى لتحقيق أحلامهن الوردية التي تمكنهن أخيرا من انتشال أنفسهن وأسرهن من الضياع كون الجنة الأوروبية استحوذت و سيطرت على عقول الشباب من الجنسين. ''عندما تبرر الغاية الوسيلةّ'' ولأن الجزائر انفتحت على اقتصاد السوق وعززت أواصر الشراكة مع الدول الأجنبية ما سمح بفتح مؤسسات أجنبية تعمل في الجزائر و مؤسسات مسيرة من طرف أجانب في الجزائر، فقد سهُل للكثيرات ربط علاقات مع أجانب والفوز بفرصة العيش على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط .وقد كان للشراكة الجزائرية مع نظرائها من الأوروبيين عاملا مهما في هجرة الفتيات أكثر من الشباب ، فقد وجدت الكثيرات فيه طريقا معبدا للهجرة وتجنب المغامرة غير المضمونة بحياتهن بعد أن فشلن في تحقيق العديد من النجاحات في حياتهن اليومية كالتحصيل الدراسي الثري الذي يمكنهن من الظفر بمنصب عمل لائق في الجزائر ، ما دفع بهن إلى اصطياد العمال الأجانب في الجزائر فاخترن لتحقيق أمنيتهن رجال الأعمال و المستثمرين واستعن بفضل ثقافتهن المكتسبة و جمالهن في الإيقاع بهؤلاء في شباكهن، ليدخلن معهم في معاشرة محرمة يحققن من خلالها كل آمالهن للحصول على أهم خطوة في الخطة ألا وهي ''التأشيرة '' إلى بلد أجنبي بعدما هبت رياح العيش في المهجر على حياتهن، ليحللن الحرام ويسكنّ و أجانب تحت سقف واحد على طريقة المخادنة . ومن بين الفتيات اللواتي يتبعن هذه الإستراتيجية من اجل الحصول على التأشيرة أو''الهدة'' إلى الخارج،''لينا''صاحبة ال23 ربيعا التي تعاشر موظفا إيطالي الأصل يشتغل في إحدى المؤسسات المستقرة في الجزائر منذ فترة، بحيث تعيش معه دون أن يربط بينهما أي رابط شرعي أو رسمي سوى أنها تخدم نزواته وشهواته الحيوانية مقابل التأشيرة التي وعدها بها ومبالغ مالية يدفعها لها بالعملة الصعبة تنفقها لإعالة عائلتها التي تجهل ما تقوم به ابنتها كونها تقطن في إحدى القرى الريفية في الجزائر، بحيث لا يتمثل العمل الذي تقوم به ''لينا'' -وهو بطبيعة الحال الاسم الذي يلقبه بها شريكها الايطالي- سوى في خدمته والسهر معه وتدليله من خلال السهرات الليلة الراقصة على وقع الخمر والمجون وهو الجو الذي تعود وتربى ونشأ عليه في إيطاليا ولم يجده في الجزائر سوى عند لينا و مثيلاتها من العاهرات اللواتي تاجرن بشرفهن .ولا يختلف حال صديقة ''لينا'' عنها بحيث تعاشر هي الأخرى رجلا تركيا جاء للاستثمار في الجزائر بحيث أقامت معه هي الأخرى علاقة غير مشروعة ،إلا أنها في كل مرة تحاول إقناعه بتسهيل سفرها إلى تركيا من أجل الإقامة فيها والعمل هناك كونه من رجال الأعمال المهمين في تركيا وله معارف كثيرين هناك . وحجة هؤلاء الفتيات في الاتخاذ من هذه السبل طريقا للهجرة من الجزائر إلى الدول الأجنبية، أن الغاية تبرر الوسيلة، فان المحرم يصبح مباحا و لا مجال للرجوع إلى الوراء في سبيل التخلص من واقع اجتماعي صعب ومر تجرعن فيه مرارة الفقر و الحرمان، إلا أن الأدهى في الأمر هو كيف يمكن لهؤلاء الفتيات اللواتي يفتقدن إلى كل المؤهلات عدا جمالهن الخارجي للسفر والتأقلم في بلد مسيحي لا يعترف بقيم وتقاليد مجتمعنا الإسلامي المحافظ لتجدن أنفسهن في إشكالية فقدان الشرف والدين من أجل تحقيق الذات.