يعرف موسم الاصطياف في الجزائر بحركة غير عادية يميزها كثرة توافد المغتربين إلى الوطن الأم للاجتماع مع أفراد العائلة وتمضية رفقتهم عطلة الصيف، ولأن لكل مهاجر أسبابه للقدوم في شهر معين من هذا الموسم، نجد أن أغلب المهاجرين يترجمون زيارتهم بحجة حضور الأعراس والأفراح والمناسبات العائلية، هذه المناسبات التي تعد أنسب وقت لاختيار عروس المستقبل بالنسبة لبعض الشباب المهاجرين الذين يصرون على التزوج من بنات بلدهم لضمان حسن السيرة والسلوك; في حين يتعمد أولاد البلد خطبة ''الميقيرية'' التي يتهافتون عليها لا لسبب غير الوصول إلى أوراق الإقامة الشرعية وراء البحار التي بإمكانها أن تضمن العيشة الهنية حسب اعتقادهم. ككل سنة يتكرر نفس السيناريو ونفس القصص حيث تأتي''الميقرية '' إلى أرض الوطن عزباء لتغادره بعد انقضاء عطلتها وخاتم الخطوبة في يدها. واقع أصبحنا نعيشه وتعودنا عليه بعدما أصبح الطمع يفسد الطبع في زمن ''المصلحة فوق الجميع'' الذي نعيشه كجزائريين لمسايرة التقدم، هكذا هي معالم الخطبة في الجزائر التي يسعي مواطنوها لمواكبة الموضة والتطور والعصرنة لتنقلب موازين العادات والتقاليد التي كانت ترتكز عليها الخطبة في وقت ماضي ب180 درجة. ففي وقت الخطبة التقليدية كانت تخضع الفتاة إلى مقاييس صارمة قد تتكبد من لا تتوفر فيها تلك الشروط حرمانها من الزواج ومن أحد شروطها أن تكون الفتاة بنت عائلة محترمة ''بنت الحسب والنسب'' وصاحبة أخلاق عالية وربة بيت ممتازة تتقن أمور البيت والمطبخ، ولا تخفى عليها خافية وتقول الخالة ''أم الخير'' وهي من إحدى قرى القبائل الصغرى أن من بين الشروط التي كانت تخطب على أساسها الفتاة في الماضي صفة انقرضت نوعا ما في وقتنا وهي أن تكون مكتنزة الجسم وهو ما يعكس الحالة المادية لعائلتها بالنسبة لمفهومنا القديم، عكس النحيفة التي كان الخطابة ينفرون منها. وأضافت الخالة ''أم الخير'' أن يكون طاقم أسنانها كاملا وشعرها طبيعي اللون وطويلا وأضافت: ''أثناء حديثها أنه في الماضي لا حرج في أن تتحسس إحدى الخاطبات زند العروس للتأكد من صلابة العظم ومتانته، وقد كان ذلك دليلا على مدى قدرة المرأة على تحمل أعباء البيت من خبز العجين والتنظيف وغيرها من أمور البيت''. وكل هذه الأمور كانت ضمن أساسيات الخطبة في ذلك الزمن لتواصل كلامها بمقارنة الخطبة في وقتنا الحالي حيث أصبحت العديد من الأمهات يحبذن فكرة أن يتعرف ابنها أولا على العروس لكي لا تتحمل تبعات فشل العلاقة الزوجية .كما دخلت مواصفات أخرى كشرط الحجاب والستار. ------------------------------------------------------------------------ ''ليميقرية... معبودة الجماهير'' ------------------------------------------------------------------------ يعتبر العديد من شبابنا أن ''الميقرية'' هي التأشيرة التي تمكنهم من الوصول إلى وراء البحر والشاب الذي يتمكن من خطبتها يكون ممن دعا له والداه بدعوة الخير حتى يظفر برضاها وبالتالي يتسنى له الزواج بها. ويعد الشاب منير في مقتبل العمر أن الشاب الذي يحظي بخطبة احدي الفتيات المغتربات، خاصة فرنسا، بالإنسان أكثر حظا في الدنيا، أما الذي تربطه علاقة عائلية بالمهاجرين فأكثر حظا لأنه يتسنى له التقرب منها وتوطيد علاقته معها حتى إن لم يكن يتق اللغة الأجنبية جيدا، ولهذا نجد العديد من الشباب اليوم الذين لهم عائلة مغتربة لها بنات في سن الزواج يعملون ليلا ونهارا لضمان راحتهم وخدمتهم، ونراهم يمكثون لساعات طويلة في المطارات والميناء ينتظرون لحظة وصولهم ليقوم بعدها بخدمتهم 24 سا/24سا دون كلل أو ملل بهدف التقرب من العائلة بشتى الطرق والوسائل المهم هو النتيجة المتوصل إليها. ------------------------------------------------------------------------ قاعات الحفلات تحدد مواعيد الخطبة ------------------------------------------------------------------------ من منا لم يلاحظ تلك النظرات التي ترمق بها ''الميڤرية'' أثناء قيامها بالرقص في قاعات الحفلات لتبدأ ألسنة النسوة الحديث عنها بالمليح أو بالقبيح، سواء لانتقاد لبسها أو لمسايرتها للموضة، لتقدم صورة واضحة عن اغترابها عن الوطن وانسلاخها عن العروبة والدين والأعراف، ومنهن من ترى لبسها في غاية الموضة، وتعلق بأنها فتاة متحضرة، وتواكب التطور لتسارع إلى خطبتها وضبط المواعيد معها. وبين المؤيد والمعارض تبقى الفتاة المهاجرة محط أعين الخطابات، سواء تعلق الأمر بشخصها أو طمعاً فيها، اقتربنا من بعض الشباب الذين يتمنون الزواج بالمغتربات لنعرف انطباعهم حول زواج المنفعة، فهذا ''سليم'' واحد ممن التقينا بهم وهو بائع في محل الألبسة العصرية، أكد لنا من خلال كلامه أن الزواج بمغتربة بمثابة العيش في رياض الجنة في حين عبر ''نور الدين '' شاب متدين أن هذا النوع من الزواج يمثل رمزا للانحطاط الأخلاقي ولتجاهل الأصل والتربية الإسلامية تحت لواء الاغتراب والتقليد الأعمى للغرب، في حين يرى ''طارق'' أن هذا الزواج بمثابة تأشيرة الدخول إلى البلدان الواقعة وراء البحار، لهذا هو من النوع الذي يؤيد الزواج بالمغتربات دون حتى السؤال عن تفاصيل حياتهم من أجل التخطيط إلى الحياة المستقبلية في وقت أصبحت فيه ''الحرقة'' والهجرة غير الشرعية بمثابة الانتحار على قوارب الموت التي تدخل الشباب إلى جهنم الحمراء. لهذا أصبح العديد من الشباب يقلعون عن هذه الطريقة التي اقتنع بها أغلبيتهم لمغادرة أرض الوطن، خاصة وأنها الطريقة الشرعية والأنسب لضمان الإقامة الشرعية هناك، حتى وإن كانت الفتاة ذات أخلاق رديئة. ------------------------------------------------------------------------ ''.. اتهلى في كوارطك'' ------------------------------------------------------------------------ أما قصة ''أمين'' القاطن بساحة أول ماي فقصها على مسامعنا أصدقاؤه، هو الذي نجح في إتمام خطبته على ابنة عمه القادمة من مدينة تولوز الفرنسية التي وقعت في حبه، لأنه شاب وسيم وأنيق ويجيد الكلام باللغات الأجنبية، بعدما تكفل بعملية التسكع معها ليلا ونهارا للتقرب منها ونجح بالفعل، ولهذا أصبح أصدقاؤه يتغامزون عليه كلما رأوه يتجول معا في الشارع ليرددون عليه عبارة ''اتهلى في كوارطك''، ولأن الله خلق وفرق بين عباده، يقول كمال في 27 من عمره تقني سامي في الإعلام الآلي في البنك إنه من المستحيلات السبع أن يتزوج من فتاة مغتربة، ويجعلها شريكة حياته وأما لأولاده للاختلاف الواضح في الطبع والنشأة، التي تترتب عن هذا الزواج لينهي كلامه برفض قاطع لهذا النوع من الزواج ترجمه بعبارة ''لا''، ويدعم رفضه هذا بالقول أن فرصة الزواج والخطبة تأتي مرة في العمر ولا يمكن التلاعب بمثل هذه الأمور. وليس من أجل تسوية الوضعية التي أعيشها في وطني أرمي بنفسي إلى زوجة ثقافتها مغايرة. ومن الخاطبات اللواتي كان لهن نصيب، ما تقوله الخالة زهرة التي تستعد للخطبة لابنها لتغتنم في كل مرة فرصة حضورها الأعراس وقاعات الحفلات والمناسبات للتعرف على العذارى و''العواتق'' لاختيار عروس لابنها، إلا أنها تركز في بحثها على الفتاة الأكثر أناقة ورشاقة والابتسامة المشرقة والمتميزة بالحيوية وتزيد أن مثل هذه المواصفات تتوفر فقط عند المغتربات عكس الفتيات عندنا، كما تصفهن بالعابسات والقانطات. أما الحاجة ''يمينة'' فتقول إن المغتربات فتيات يسلكن سلوكيات لا يعلم بها إلا الله في الخارج، ويحاولن سلب عقول وقلوب شبابنا عن طريق تلك الحركات التي يقمن بها والكلمات التي يلفظنها، ورغم الاختلافات في الآراء، إلا أن المغتربات يسجلن الرقم القياسي في الخطبة والزواج.