إن العُجْب ورؤية النفس متى ما سيطرت على الداعية، فلم يعد ير إلا رأيه، ولا يسمع إلا نفسه، ولا يطرب إلا لقوله، فقد فاته من الخير الكثير، وقد يدفعه ذلك لبطر الحق ورده وغمط الناس واحتقارهم، وهذا معنى الكبر كما وضحه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) رواه مسلم. أهمية التواضع ولين الجانب: قال الله تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء : 215]. فهذا نداء علوي بادئًا برأس الدعوة وإمامها منبهًا إياه على ضرورة التواضع ولين الجانب مع الخلق، فحَرِيّ بالدعاة في كل وقت وحين أن يلزموا الأدب العالي في التعامل مع الخلق، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: (وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَتَّبِعُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَيَتَّبِعُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ) [مجموع الفتاوى 2/297]. وقال في موضع آخر: (وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيَتَّبِعُونَ سُنَّةَ الرَّسُولِ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ وَيَعْدِلُونَ فِيهِمْ وَيَعْذُرُونَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ؛ إنَّمَا يَذُمُّونَ مَنْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْمُفَرِّطُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَالْمُعْتَدِي الْمُتَّبِعُ لِهَوَاهُ بِلَا عِلْمٍ لِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمَ) [مجموع الفتاوى 27/ 238] . قال سيد قطب رحمه الله رحمة واسعة في قوله تعالى: { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين} .. فهو اللين والتواضع والرفق في صورة حسية مجسمة . صورة خفض الجناح، كما يخفض الطائر جناحيه حين يهم بالهبوط . وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين طوال حياته . فقد كان خلقه القرآن . وكان هو الترجمة الحية الكاملة للقرآن الكريم.[في ظلال القرآن 5/365]