الربيع العربي خلق نصوصا غير مكتملة فنيا المسرح الحقيقي هو الذي يصطدم مع السلطة في هذا الحوار يطرح الناقد الكويتي الدكتور نادر القنّة إشكالية الملتقيات العلمية التي تنظم في الوطن العربي والخاصة بالمسرح ويرى الباحث أن ما ينقص أبا الفنون في البلاد العربية ليس هو المصطلحات والمفاهيم بقدر ما هو تعطش لمختبرات علمية مختصة تهتم بتدارس العروض المسرحية التي تقدم وتنتقدها، وفي حديثه عن الملتقى العلمي الذي نظم مؤخرا على هامش المسرح الوطني للمسرح المحترف "الاقتباس في النصوص المسرحية" فيؤكد محاوَرُنا أن المشرفين على الملتقى خلقوا مشكلة من لا مشكلة الأمر الذي جعل الحدث اجترارا لموضوع مستهلك ومتفق عليه وهو موضوع الاقتباس ، وفي حديثه عن تأثير الربيع العربي في الفن الرابع يؤكد نادر القنّة أن الأحداث لم تتضح معالمها بعد حتى تتوضح معالم العروض واصفا إياها بالمتحولة والمتبدلة والغير متبلورة الأمر الذي أوقع المسرحيين في فخ الاستعجال. شاركتم في فعاليات الملتقى العلمي الذي نظم على هامش المهرجان الوطني للمسرح المحترف حول " الاقتباس في المسرح العربي "حدثنا عن هذا الموضوع؟ نحن لم ننتج مصطلح الاقتباس ولكننا استوردناه وخلقنا له مشكلة من دواتنا، كل الإشكاليات النقدية من هذا القبيل إذا نشأت في الغرب تحال إلى مرجعيات غربية وتُحلّ، وعلى سبيل المثال أذكر لكي أن قاموس "أكسفورد" العالمي للمسرح يضع حدودا تعريفية ويُدرّس في جميع جامعات العالم وليست هناك مشكلة، القانون الأمريكي للمسرح كذلك الحال، القانون الفرنسي أيضا، هذه قواميس ومعاجم معترف بها دوليا ومعترف بها في جميع المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية العالمية، وهي مهمة هؤلاء الناس أو العلماء، فعلماء الدراما والنقاد عند الغرب يجلسون ويتدارسون ويحدِّدون الإشكاليات وبالتالي لا تصبح فوضى في المصطلحات مثلما هو الحال عندنا الآن. في مداخلتكم قلتم أن مفهوم الاقتباس متفق عليه. لست راض عن موضوع الملتقى؟ نعم بالطبع، نحن في هذا الملتقى خلقنا مشكلة من لا مشكلة، العالم كله يعرف معنى الاقتباس، ونحن نقتبس ولا نعرف معنى الاقتباس؟ هذه فوضى حقيقية. فالاقتباس وفق تعريفه العلمي الأكاديمي المتفق عليه هو أن أحافظ على الشخصيات الرئيسية، وأغير فيما هو ثانوي. فمثلا إذا كانت هناك مسرحية ما تدين الإرهاب لا بد أن أدين في نصِّي المقتبس الإرهاب، هنا الموضوع هو إدانة الإرهاب وهو الجدع الذي لا بد أن أحافظ عليه وأغير إن أردت التغيير في الفروع. برأيكم إلى ماذا يعود هذا الخلط في المفاهيم؟ المشكلة نشأت من غياب دوائر أكاديمية عربية معترف بها، نشأت لأننا لا نجلس ونتحاور لكي نفضي إلى فضاء ينتج المعرفة.الغرب حينما يختلفون يجلسون، فمثلا قاموس "أكسفورد" للمسرح هذا نتاج معرفي كبير جدًّا لعلماء الدراما، يجلسون يحددِّون، يضعون ما الذي يجب أن يوضع، يجددون ما الذي يجب أن يتجدّد أي تجديد بنية المصطلح. المصطلح ظهر في العام هكذا وكيف ظهر وكيف تطور وكيف وصل إلى ما وصل إليه. نحن لا نملك هذا القاموس المعرفي لطلابنا، لا نملك دوائر نقدية مسرحية عربية حتى اليوم محددة، يعني لو واجهتنا مشكلة من المشاكل يبدو أن المراسلات الشخصية والذاتية بين طرف وآخر هي الحل، لكن على النقيض من ذلك، في الغرب لا يتم الأمر وفق هذه الصورة، يتم وفق اللجوء إلى الدوائر النقدية، ونحن نتساءل كيف تتشكل الجماعات لدى الغرب؟ كيف تظهر الموجات؟، طبعا نتيجة هذا الحوار المعرفي. إذن وضيفة الملتقيات العلمية عادة هي أن تجد حلولا للإشكاليات، فيما لو كانت هناك مشاكل تشخص تلك المسائل تضع الحلول لكل مشكلة موجودة، لكن هذا الملتقى اختلق مشكلة من لا شيء، من قال أننا العرب مختلفون عن تعريف الاقتباس ؟. سواء بالأمس أو اليوم ما من أحد عرَّف الاقتباس، لأننا أصلا متفقون وهو موضوع واضح لا يحتاج لملتقيات علمية، فالاقتباس هو أن آخذ الجوهر والفكرة الرئيسية والبنية الدراماتيكية الأساسية وآخذ الشخصيات الرئيسية وأغير فيما عدا ذلك من أحداث ثانوية، يعني كما قلت لكي على سبيل المثال لا يستطيع أحد مثلا في مسرحية "تاجر البندقية" أن يغير فيها المقتبس الموضوع الرئيسي الذي هو إدانة اليهودي، ف"شيشبير" في هذا العرض يدين "شايلك" اليهودي، ولا يستطيع مقتبس ما من ناحية طرائقية عقائدية أن يتعاطف مع هذا اليهودي الذي يدينه "شيشبير"، أو أن يبرِّؤه من جريمته، أو أن يغير في المعالم الرئيسية في النص، فإذا كان نص ما يدين سلطة سياسية ما، أو فكرة عقائدية أو سياسية ما ليس من حق المقتبس مهما كان أن يغيِّر من توجهات الكاتب، وإلا فإنه يضفي إلى نص آخر.إذن المقتبس لديه مثلا فكرة مشابهة يريد أن يطرحها، لكن يجد في هذا النص أوفر السبل والطريق للتواصل معه هنا تصبح فكرة مشتركة بين المقتبس والنص الأصلي. ولو أعطيت لكم الفرصة لاختيار موضوع لهذا الملتقى العلمي ماذا كنتم ستختارون ؟ أنا تقدَّمت في ندوتي بالملتقى بتوصية أرى أنها مهمّة جدّا للمسرح العربي عموما، وهي بأن يكون موضوع الملتقى العلمي المقبل حول المختبرات المسرحية العربية، بمعنى أن نتحدث عن وجود هذه المختبرات وآلياتها، وننشأ مختبرا للمسرح العربي، مختبرا في النقد، ومختبرا في التأليف المسرحي، ومختبرا في التمثيل، ومختبرا في التقنيات والسينوغرافيا. بمعنى أن الذين يجلسون ويتحاورون حول أبي الفنون ليسوا نقادا، وليسوا كتابا، وليسوا مخرجين، بل كل المشتغلين في العملية المسرحية، لأننا نريد من خلال هذه التوليفة العربية المشتركة أن ننشأ مختبرا مسرحيا عربيا. لقد أصبحنا اليوم في حاجة ماسَّة لأن يكون لنا هذا المعمل المسرحي لدراسة مثل تلك المسرحيات، فمثلا المسرحيون الفلسطينيون اشتركوا في مختبرات مسرحية عالمية وأنتجوا مسرحيات عالمية، وما كان لهم أن ينتجوا هذه المسرحيات لولا أنهم دخلوا المختبرات الغربية... في معهد "لوكوك" في باريس وفي "ماريا مشكيلتي" في معهد الشمس، ومختبرات في بلجيكا وألمانيا الديموقراطية. لكن المسرحَ الفلسطينيَّ هو مسرحٌ مموَّلٌ من أطراف غربية ويحمل أفكارا تخدم الطرف المموِّل؟ "يتردد" أنا شخصيا لا أعترف بالمسرحيات الفلسطينية المموَّلة من الخارج، وأنا ما تحدثت عنه، وما كنت أعنيه هو شراكات، وأنا حدَّدت في كلامي، كنت أقصد الشراكات مع مؤسسات علمية قائمة، وليست المؤسسات المشبوهة، أنا كلامي واضح. إذن تقرُّون بوجود تلك الأعمال المشبوهة؟ " يسكت"، المسرح الفلسطيني ليس كلّه مسرحا بريئا فهناك فعلا كما قلتي شركات أجنبية مشبوهة تموِّل المسرح الفلسطيني ولا تخدم الثقافة والوطن والفرد الفلسطيني، وهذا ما يؤسف عليه، وأنا شخصيًّا لا أعترف بالمسرحيات الفلسطينية التي تموَّل من مؤسسات اقتصادية وسياسية غربية مشبوهة، ولكنني بالمقابل أدعم المسرحيات الفلسطينية التي تقيم شراكات مع مؤسسات علمية، وجامعية، وأنا مع الشراكات العلمية، ومع جامعات مناظِرة، وليس الشراكات المشبوهة التي تروج لأفكار استيطانية، فمثلا هنا في الجزائر، ما الذي يمنع أن تقيم بلادكم شراكة مع جامعة "مانشيستر" ؟، ما الذي يمنع مثلا أن تقام في الجزائر ورشة مختبرية مع جامعة "هارفرد" بالولايات المتحدة الأمريكية؟، وهذا ما كنت أقصده، ولكنني بالمقابل طبعا لا أوافق أن تكون هناك مؤسسة مالية غربية مشبوهة تدعم عرضا مسرحيا داخل هذا القطر العربي أو ذاك.وإذا تحدثت عن المسرح الفلسطيني فكنت أقصد المسرح الفلسطيني الذي ينتج بأموال فلسطينية وليس ما يموَّل من الأطراف المشبوهة التي كنتي تتحدثين عنها. لنعد إلى أزمة المسرح العربي أين تكمن هذه الأزمة بالتحديد؟ أزمة المسرح العربي اليوم واضحة، هي أزمة تمويل، أزمة رقابة، أزمة حريات، أزمة ممثل عربي حقيقي، والفنان العربي هو أزمة في حد ذاته فقد شكَّل أزمة من نفسه، وطبعا أبرز هذه الأزمات أيضا أنَّ السلطات المعنية على المسرح، ووزارات الثقافة لم تعد الثقافة تعنيها، الثقافة المسرحية أقصد، بمعنى أن الثقافة في بلدِنا العربي لم تعد الثقافة سلعة خدماتية مثل الكهرباء والماء والخبز والتعليم والتي هي خدمات تقدِّمها الدولة بالمجَّان لكل المواطنين بشكل إجباري، المسرح لم يعد مبرمجا في وزارات الثقافة كسلعة خدماتية مقرَّرة على الدولة ويقدَّم للمواطنين كسلعة معرفية، وهذه هي الأزمة الحقيقية. يعني أن الحكومات العربية هي التي أوصلت المسرح إلى هذا المستوى من التأخر؟ أجل طبعا. لقد وصلنا إلى درجة كبيرة من الجهل الفكري والمعرفي والثقافي، الحكومات العربية لا تهتم فيما تهتم به بالمسرح وهو في آخر أجنداتها ليس كما في الدول الغربية التي جعلت من الثقافة والفكر الهدف الأسمى وما المسرح عنها ببعيد، فخدي مثلا الحكومة اليابانية لقد نجحت نجاحا كبيرا في مجال الفن والثقافة والمسرح. المسرح عندها هو عصب الحياة والتقدم ، كذلك الحكومة السنغافورية أيضا نجحت نجاحا كبيرا جدا في هذا المجال الحيوي ، الحكومة البريطانية التي ضخَّت عام 2012 إثنا عشر مليون جنيه إسترليني لدعم المسرح وذلك لكي يستقطب الجماهير، لكن نحن في الوطن العربي وللأسف الشديد لا نفعل ذلك. قلتم أن الحكومات العربية هي السبب في تأخر المسرح ألا تعتقدون أنها فعلت ذلك خوفا من أبي الفنون؟ " يبتسم"، المسرح كما تعرفين لسانه طويل، المسرح الحقيقي هو الذي يصطدم مع السلطة، المسرح الذي لا يهادن، المسرح الذي يعرِّي ويكشف ويوضح ويعلِّم كما يقول أئمة المسرح الطلائعي في العالم، كل هؤلاء علَّمونا أن المسرح الذي لا يغيِّر شيئا ليس مسرحا، وبالتالي أكيد المسرح الحقيقي سوف يصطدم مع السلطة ولكن هناك بعض الدول تحتفي فعلا بالمسرح فربما تندهشين لو قلت لكي أن مدير المسرح القومي في النمسا هو رئيس الجمهورية ذاته، لاحظي الاحتفاء بالمسرح إلى أي درجة وصل؟. إذن ما الذي يمنعنا وأنا لا أطلب من رئيس دولة عربية أن يشرف على مسرح من اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب وذلك كي نعلِّي من شأن الثقافة العربية. وما الذي يمكن أن يضيفه المسرح للمجتمع العربي ؟أو ما الذي يستطيع أن يغيره المسرح؟ المسرح ليس فقط عرضا مسرحيا، هذا خطأ في الاعتقاد، المسرح ليس بنية فنية إبداعية تشاهد وننتهي منها، المسرح هو بنية معرفية، بنية ثقافية عامة، المسرح أن آخذ هذا العرض وأشاهد هذه المسرحية ثم أقيم معها حوارا، أقيم جدلا أغير من السلوكيات الاجتماعية، وبالتالي تنخفض عندي معدلات الجريمة، تنخفض عندي معدلات البطالة، تنخفض عندي معدلات العنف الأسري، هذا هو المسرح الحقيقي، هو أن أقيم مسرحا على خلفيات ومشاكل اجتماعية، وليس كما يرى البعض أن المسرح هو قضية فنية وفقط، هذا خطأ لدينا نحن وهو خطأ إنتاجي، خطأ استراتيجي، وخطأ تكتيكي. يجب أن نبني المسرح على أصول معرفية قائمة بيننا وبين علماء الاجتماع فمثلا اليوم ونحن نتناول موضوع الاقتباس كنت أتمنى لو يكون بيننا رجل قانون، ويكن شريكا بيننا في تناول هذه القضية حتى يقتصر علينا الزمن، ويحِّدد لنا حقوق الملكية الفكرية، ويقول لنا: يا إخوان الاقتباس هذا هو وضعه، والاختلاس هذا هو وضعه. لن نبتعد كثيرا عن ثنائية المسرح والسياسة، هناك كلام كثير قيل حول تأثير الربيع العربي في المسرح. الآن وبعد إنتاج عديد المسرحيات التي تناولت الأحداث ما رأيكم في تلك العروض؟ أنا لا أستطيع أن أنكر ما هو موجود، وأنا عندي رأي فيما يقدم اليوم. فما يقدم كلُّه انفعالي وهناك فرق بين ما هو انفعالي وتفاعلي ما يقدم اليوم هو عبارة عن نزعة انفعالية باتجاه الأحداث، وما يحدث اليوم يحتاج إلى قراءة واعية ومتأنية، إعادة الإنتاج بشكل واع جدا ولكن هذه السرعة في إنتاج المسرحيات والسرعة في تقديمها للجمهور خاصة أن حجم التحولات عالي جدا وسريع وبالتالي المسرح لا يستطيع أن يجاري إيقاع التحول، وما يمكن أن أألفه اليوم يحتاج إلى شهور لكي يخرج إلى الجمهور وخلال هذه الفترة يمكن أن تتغير قوانين كبيرة جدا، وتغير علاقات كبيرة جدا والمسرح إذن لا يستطيع أن يجاري كل ذلك، لذلك أنا أقول شيء من التأني حتى تستقر الأوضاع لكي نستطيع أن نعيد قراءتها من جديد وتقديمها بشكل أو بآخر لكن ما يحدث اليوم هو عبارة عن انعكاس وتشخيص لمرحلة سريعة جدا ربما تظهر في الغد أو بعد غد توجهات أو أشياء تتناقض مع بنية المسرحية أو تتناقض مع وضع المؤلف أو المخرج وبالتالي يحتاج إلى نص آخر حتى يبين أو يوضح اللُّبس وسنعيش في سلسلة طويلة من هذه القضايا التي لا نهاية لها.