لا يختلف اثنان على أن سنة 2021 كانت سنة دبلوماسية بامتياز في الجزائر، من الإنزال الكثيف لرؤساء الدول إليها، مرورا باسترجاع الدبلوماسية الجزائرية لندية التعامل مع نظيراتها، وصولا إلى إبراز ثبات الدولة في نصرة القضية الفلسطينية ودعم حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وبصم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال سنة 2021، على ديناميكية نشطة للجزائر في العلاقات الخارجية، أهلته بقوة ليكون الشخصية العربية الأبرز لهذه السنة، سيما وأن الرئيس تبون قد تعهد خلال حملته الانتخابية ببعث المكانة المرموقة والقوية للجزائر في المحافل الدولية، وهو ما تحقق فعلا، أين بات للجزائر اليد الطولى في مسارات حل الأزمات الإقليمية على غرار مالي وليبيا وحتى اثيوبيا، إضافة إلى مواكبتها لجميع المستجدات على الساحة الدولية، كتطورات القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية، والأوضاع في اليمن والسودان وتشاد. إنزال رئاسي في الجزائر وحل العديد من رؤساء الدول بالجزائر خلال سنة 2021، في زيارة تعكس النظرة الاستراتيجية للدولة على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث كللت جميع هذه الزيارات باتفاقيات اقتصادية وأمنية على ضوء توافق سياسي بين الجزائر وعواصم أوروبية وعربية وإفريقية في العديد من الملفات سيما الإقليمية منها. وحل الرئيس المالي السابق باه انداو بالجزائر في 13 من مارس 2021، في زيارة دولة لمدة 3 أيام، كان بحث التعاون الثنائي وملف اتفاق الجزائر للسلام الموقع مع حركات مالية شمالي البلاد، أبرز محاور أجندتها. وأكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال استقباله الرئيس أندوا، "استعداد الجزائر لمساعدة دولة مالي على استعادة استقرارها والتحضير للانتخابات". من جهته اعترف رئيس دولة مالي السابق، بأن "للجزائر فضل كبير في خروج مالي من أزمتها الصعبة والمعقدة، حيث تلقى دولة مالي من نظيرتها الجزائرية الدعم والفهم والمساعدة". كما تم التطرق خلال الزيارة ذاتها إلى مكاسب إعادة "تجارة المقايضة" بين الجزائرومالي، في إطار سياسة الجزائر للتوجه خطوات نحو العمق الإفريقي. وحل رئيس النيجر محمد بازوم في 13 جويلية 2021 بالجزائر في زيارة دولة دامت يومين، توجت بإعادة فتح الحدود البرية بين البلدين لتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي، كما وافقت الجزائر على تعزيز التعاون في ميادين الري والنفط والتبادل التجاري، إضافة إلى الوضوح فيما يخص النيجريين العاملين بالجزائر في مختلف القطاعات. وأوضح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال ندوة صحفية مشتركة مع نظيره النيجري، بأن "هناك اتفاق تام على التعاون الأمني بين البلدين، سيما في مجال التكوين ومجالات أخرى". من جهته أبرز الرئيس بازوم بأنه "تطرق مع نظيره الجزائري إلى مختلف المسائل الاجتماعية والاقتصادية، من بينها استغلال النفط مع الشركة الوطنية سوناطراك ومشروع أنبوب الغاز الرابط بين نيجيريا-النيجر-الجزائر، فضلا عن التعاون في مجال التكوين المهني"، لافتا إلى أنه أبلغ الرئيس تبون ببرنامج إعادة جميع السكان المرحّلين منذ سنة 2015 بسبب انعدام الأمن في قراهم إلى منطقة ديفا في أقصى شرق النيجر، والذين يتجاوز عددهم 100 ألف شخص. وحل الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا في 6 نوفمبر 2021 بالجزائر في زيارة دامت يومين، كللت بالتوقيع على ثلاثة اتفاقات في مجالات التربية والعدالة وحماية التراث الثقافي، تخص فتح مدرسة دولية ايطالية في الجزائر، بروتوكول توأمة بين المدرستين العليتين للقضاء لكل من الجزائروايطاليا، واتفاق إطار بين المدرسة الوطنية العليا لحماية التراث الثقافي وترميمه بتيبازة (الجزائر)، والمعهد المركزي للترميم بروما (ايطاليا). وأشار الرئيس تبون في ندوة صحفية مشتركة مع نظيره الايطالي سيرجيو ماتاريلا، يومها، إلى أن "العلاقات بين البلدين ستتوطد أكثر مستقبلا، وهما متوافقان في الملف الليبي، ونحن مهتمون ببنية الاقتصاد الايطالي المكون من مؤسسات صغيرة ومتوسطة"، لافتا إلى أن إيطاليا ساعدت الجزائر في الثورة التحريرية وخلال العشرية السوداء. من جهته أبرز الرئيس ماتاريلا بأن "البلدين يودان توسيع نطاق التعاون بينهما ليشمل مجالات وقطاعات أخرى غير القطاعات التقليدية التي نتعاون فيها"، مشاركا الرئيس تبون أمله في نجاح اجتماع اللجنة العليا الايطالية-الجزائرية المرتقب، من أجل تمتين وتعزيز التعاون المشترك بين البلدين. كما تزامنت زيارة الرئيس الإيطالي إلى الجزائر، مع تأكيد الرئيس تبون بأنه لن يقوم «بالخطوة الأولى» لمحاولة تخفيف التوتر مع فرنسا، بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون التي هاجم فيها الأمة والدولة الجزائرية. وحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالجزائر في 5 ديسمبر 2021، في زيارة دولة دامت 3 أيام، تباحث خلالها مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وضع القضية الفلسطينية في صلب أولويات قمة الجامعة العربية خلال شهر مارس 2022 المرتقبة في الجزائر، إضافة إلى ملف المصالحة الفلسطينية. وفي السياق ذاته، كشف الرئيس تبون عن "استضافة الجزائر لندوة جامعة للفرقاء الفلسطينيين، في إطار مساعيها لتقوية الصفوف الفلسطينية عبر تحقيق الوحدة الفلسطينية"، مبرزا بأن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وهي أم القضايا، ولن يستتب الأمن في الشرق الأوسط إلا بقيام دولة فلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس". وأعلن رئيس الجمهورية عن مساهمة مالية بقيمة 100 مليون دولار للدولة الفلسطينية، إلى جانب تخصيص 300 منحة دراسية لفائدة الطلبة الفلسطينيين. من جهته، استبشر الرئيس محمود عباس خيرا بقمة الجزائر للجامعة العربية، مرحبا "بمبادرة الرئيس تبون حول المصالحة الفلسطينية، من أجل توحيد الجهود وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل القوى المشاركة فيها مؤمنة بالشرعية الدولية". ودعا الرئيس الفلسطيني إلى عقد مؤتمر دولي للسلام وفقا لقرارات الشرعية الدولية، يهدف إلى إنهاء الاحتلال لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس، محذرا "الكيان الصهيوني بخيارات وإجراءات في حال استمرار طغيانه وممارسته". وحل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في 28 ديسمبر 2021 بالجزائر، في زيارة دولة تدوم 3 أيام، كللت بالتوقيع على اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم شملت عدة قطاعات، تحت إشراف رئيسي البلدين. ويتعلق الأمر باتفاقية التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وقعها وزير القطاع، عبد الباقي بن زيان، ونظيرته الموريتانية، أمال سيدي ولد الشيخ عبد الله، كما تم التوقيع في ذات المجال على برنامج تنفيذي لسنوات 2022 /2024/2023 من قبل الوزيرين المذكورين. من جهة أخرى، تم التوقيع على برتوكول اتفاق تعاون في مجال الصحة من طرف وزير القطاع، عبد الرحمان بن بوزيد، والوزير الموريتاني للتشغيل والتكوين المهني، طالب ولد سيد أحمد، وكذا مذكرة تفاهم في مجال التكوين المهني وقعها وزير التكوين والتعليم المهنيين، ياسين مرابي، ونظيره الموريتاني. كما شملت التوقيعات أيضا مذكرة تفاهم في قطاع المؤسسات المصغرة، وقعها عن الجانب الجزائري الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالمؤسسات المصغرة، نسيم ضيافات، وعن الجانب الموريتاني، وزير التشغيل والتكوين المهني. من جهته أكد رئيس الجمهورية في ندوة صحفية مشتركة، على "التذكير بعراقة العلاقات الجزائرية-الموريتانية التي تعرف تطورا لافتا، ازدادت وتيرته في المدة الأخيرة بفتح المعبر الحدودي، والذي أضحى جسرا للتواصل بين سكان المنطقة الحدودية وضاعف من مستوى التبادل التجاري، إضافة إلى اللجنة الثنائية الحدودية التي استحدثت مؤخرا برئاسة وزيري الداخلية، و التي تسهر على التعاون الثنائي في المناطق الحدودية ومتابعة التنسيق الأمني"، مبرزا بأنه تباحث مع نظيره الموريتاني حول العمل العربي المشترك، خاصة مع احتضان الجزائر قريبا للقمة العربية، معربا عن أمله في أن تكون قمة جامعة وموحدة للصف العربي. ووصف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، زيارته للجزائر بالمثمرة والبناءة، مستدلا بسماحها بالارتقاء بعلاقات التعاون بين البلدين إلى مستوى الأخوة والصداقة التي تربط الشعبين الشقيقين، مشددا على أن "أواصر التعاون بين الجزائر وبلاده واسعة ومتنوعة ومتجذرة في التاريخ، وأن زيارته هذه تمثل فرصة لترسيخ علاقات التعاون، وهو ما تجلى فعليا في التوقيع على العديد من الاتفاقيات التي تشمل مجالات مهمة". زيارات دورية لمسؤولين ليبيين سامين ولم تتوقف زيارات المسؤولين الليبيين السامين إلى الجزائر، من أجل بحث حل سياسي للجارة الشرقية مع أشقائهم الجزائريين، من رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد دبيبة، ونائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، موسى الكوني، مرورا برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إضافة إلى عدد من الوزراء الليبيين، تتقدمهم وزيرة الخارجية السابقة لليبيا نجلاء المنقوش، والتي شاركت أيضا في اجتماع وزراء خارجية دول جوار ليبيا بالجزائر شهر أوت 2021. الرئيس تبون في تونس وتتويج الشراكة ب"إعلان قرطاج" وقام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في 15 ديسمبر 2021 بزيارة دولة إلى تونس، دامت يومين، بدعوة من نظيره التونسي قيس سعيد، توجت "بإعلان قرطاج" للتعاون والشراكة بين البلدين عبر التوقيع على 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات متنوعة. كما بحثا الرئيسان "أهمية اعتماد نظرة طموحة نحو إرساء فضاء إقليمي جديد جامع ومتكامل، يقوم على المبادئ المشتركة ويوفر ردودًا منسقة وناجعة للتحديات الأمنية والاقتصادية والصحية وللأحداث ولكافة التطورات الراهنة والقادمة على الصعيدين الإقليمي والدولي". كما التقى الرئيس تبون في اليوم الثاني والأخير من هذه الزيارة، بممثلين عن الجالية الجزائرية المقيمة بهذا البلد. قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب وأعلن وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطني بالخارج، رمطان لعمامرة، عن قطع العلاقات الدبلوماسية الجزائرية مع المملكة المغربية ابتداء من من 24 أوت 2021، لافتا خلال ندوة صحفية نشطها، إلى أن "قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجارة الغربية، لا يعني تضرر الجالية المتبادلة بين البلدين، حيث أن الأجهزة القنصلية ستواصل عملها الإداري بشكل عادي". وحمل الوزير لعمامرة نظام المخزن مسؤولية وصول العلاقات بين البلدين إلى هذا الوضع، مؤكدا بأن الجزائر لن تقبل بمنطق فرض سياسة الأمر الواقع. وسبق إعلان قطع العلاقات الجزائرية المغربية، عدة الأحداث وتجاوزات من نظام المخزن، ففي 17/07/2021، اعترف ممثل المملكة المغربية لدى الأممالمتحدة، عمر هلال، بدعم المغرب تقسيم الجزائر، متعديا على الوحدة الوطنية للبلاد والشعب الجزائري، وفي 22/07/2021، أبرز تحقيق لمنظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية، استهداف نظام المخزن لجزائريين ببرنامج التجسس الصهيوني "بيغاسوس"، وفي 13/08/2021، هاجم وزير خارجية الكيان الصهيوني، الجزائر، خلال زيارته للمغرب، معربا عن "تشارك الكيان والمخزن القلق من دور الجزائر في المنطقة". وبعد قرار الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في 24/08/2021، قررت أيضا في 23/09/2021، غلق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وفي 31/10/2021، أمر الرئيس تبون بوقف ضخ الغاز إلى اسبانيا عبر التراب المغربي، ليقوم نظام المخزن الجبان في 01/11/2021، باغتيال 3 مدنيين جزائريين في قصف وحشي أثناء رحلة تجارية بين ورقلة ونواكشوط، وهنا أكدت رئاسة الجمهورية بأن "اغتيال الجزائريين لن يمر دون عقاب". فرنسا ملزمة باحترام الأمة والدولة الجزائرية وتشهد العلاقات الجزائرية-الفرنسية توترا حادا منذ بداية أكتوبر 2021، حيث بدأت الأزمة بين البلدين، بعد كشف جريدة "لوموند الفرنسية" لفحوى تصريحات ايمانويل ماكرون مع أحفاد الحركى في 30 سبتمبر 2021، مشيرة إلى أن "الرئيس الفرنسي الذي استقبل 18 شابا من أحفاد الحركى بقصر الإيليزيه، أخبرهم بأنه لم تكن هناك أمة جزائرية قبل سنة 1830، وبأن الشعب الجزائري لا يكره فرنسا، بل هذا الكره سببه النظام الجزائري.. وأنا لدي علاقات جيدة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي هو عالق داخل النظام". واستدعت رئاسة الجمهورية عقب ذلك سفير الجزائر في فرنسا للتشاور، مدينة في بيان لاحق لها، محاولة التدخل السافر في الشؤون الداخلية للجزائر، وكذا المحاولة اليائسة للتقليل من فظاعة جرائم الاستعمار الفرنسي، والاعتداء على ذاكرة 5.630.000 شهيد قاوموا ببطولية الغزو الأجنبي، مبرزة بأن هذا التدخل يصطدم بمبادئ تعاون محتمل بين الجزائروفرنسا بشأن الذاكرة. كما أعلنت وكالة الأنباء الفرنسية عن غلق الجزائر لمجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، موازاة مع المهمة العسكرية للجيش الفرنسي في مالي تحت مسمى "برخان". وخلفت تصريحات ماكرون غضبا شعبيا داخل الوطن، ترجمته آلاف المناشير للجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد وقاحة تصريحات الرئيس الفرنسي، فيما أجمعت الأحزاب السياسية على تنديد خرجة ماكرون، وسط مطالب بإعداد مشروع قانون لتجريم الاستعمار في البرلمان الجزائري. ورغم توددات الرئيس الفرنسي للرئيس تبون في تصريحات لا توحي باعتذار صريح وواضح على تعدي ماكرون على الأمة والدولة الجزائرية، إلا أن رئيس الجمهورية قد أكد بثبات وصرامة، على أن "الجزائر لن تكون من يبادر بالخطوة الأولى لمحاولة تخفيف التوتر مع باريس"، كما رفض الرد على مكالمات الرئيس الفرنسي عشية ندوة باريس حول ليبيا أواخر نوفمبر 2021، حسب الإعلام الفرنسي، ليكون تمثيل الجزائر بهاته الندوة مقتصرا على الوزير لعمامرة تحت إلحاح ليبي ودولي، فيما يبدو أن وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عاد خائبا إلى باريس من زيارته إلى الجزائر في 8 من ديسمبر الجاري.