يعتبر الشيخ الدكتور العربي كشاط أحد قامات الفكر الإسلامي في العقود الخمس الأخيرة ، وهو رائد من رواد العمل الإسلامي في أوروبا و الغرب عموما. وقد أسهم بفعالية و بصيرة في رفع الخطاب الدعوي و الإسلامي عموما، حين كان عميدا للمركز الثقافي الاجتماعي ومسجد الدعوة في باريس لسنوات عديدة. تشهد بذلك تلك الندوات والملتقيات الفكرية التي كان يعقدها المركز، والتي كان يُدعو إليها كبار المفكرين الغربيين والمسلمين من دول شتى و تخصصات عدة.. وعرفانا بهذا الرصيد الفكري والدعوي للشيخ العربي كشاط ، ارتأت الجمعية الدينية لمسجد أبي حيدوس في بلدة الشيخ برج زمورة، أن تقتنص فرصة عودة الشيخ لأرض الوطن في عطلة الصيف لتكرّمه وتنزله المنزلة التي تليق به، بعد غياب بضع سنوات عن الجزائر. وقد تزامن هذا التكريم مع نشاط ثقافي في المسجد، اختُتم بإلقاء الشيخ خطبة الجمعة 6 صفر1444 الموافق ل 2 سبتمبر2022 وقد كان التكريم مفاجأة للشيخ نفسه، إذ لم يعلم به إلا بعد أن أعلن عنه الأستاذ الدكتور محمد بوعبد الله الأكاديمي الباحث في جامعة وستمنستر البريطانية بلندن الذي ألقى درس الجمعة، فكانت مفاجأة للشيخ. وقد نُمي إلى كثيرين أن الشيخ العربي سيخطب الجمعة فتداعى خلقٌ كثير إلى مسجد بوحيدوس ليسمعوا ما عهدوا من الشيخ أن يسمعوه، من بلاغة الكلمة، وحرارة الخطاب، وعقلانية الطرح، وعمق الفكرة واصالتها.. وبعد أن انتهت خطبة الجمعة، تقدم الأستاذ محمد بوعبد الله بكلمة مختصرة مركزة عن مرامي هذا التكريم، ووجوب الالتفات إلى الدعاة والمفكرين، وإعطاءهم حقهم من الإشادة والتكريم، وكُرّم الشيخ العربي تكريما رمزيا بڤندورة تقليدية وبرنس يرمز إلى الأصالة التي تميز بها خطاب الشيخ. ورغم تعب الشيخ ومرضه، إلا أنه أبى إلا أن يقف محيّيا أبناء بلدته وزوارها من ربوع الولايات المجاورة من كافة الأعمار، وكان وقع هذا التكريم شديدا على الشيخ العربي، إذ تأثر تأثرا بالغا لهذه الالتفاتة التي ليست غريبة عن أبناء بلدته، وهو أحقّ بها وأهلها من جهة أخرى رحب منتدى دراسات النهضة الحضارية، في صفحته، بقدوم ابن الجزائر البار لأرض الوطن الشيخ الدكتور العربي كشاط من باريس، بعد فراق فرضته الغربة ووباء كرونا الأخير، وجاء في بيان المنتدى، أن زمورة بولاية برج بوعريريج ، تكرّم ابنها البار وعالمها ومفخرتها شيخنا الحبيب الدكتور العربي كشاط، الذي حل بها ضيفا نهاية هذا الاسبوع قادما من باريس .. من جهته غرد مرحبا المفكر الجزائري من مملكة النرويج الدكتور الطيب برغوث، بقوله:" نبارك لشيخنا الدكتور سي العربي كشاط هذا التكريم المستحق، كما نشكر أعيان زمورة و رجالها على هذه اللفتة الكريمة لعلم من أعلام الصحوة و أحد المؤسسين الاوائل للعمل الإسلامي في أوروبا منذ عقود.. فبارك الله لأستاذنا الشيخ العربي في جهده وجهاده و ووفقه وطلبته عبر العالم لكل خير. والأستاذ الدكتور العربي كشاط للذين لا يعرفونه داخل الوطن من الشباب خاصة، هو عالم اسلامي جليل همته تناطح السحاب، كما عبر عن ذلك أحد طلبته، والعلامة الدكتور العربي كشاط من مواليد سنة 1945 ببلدية زمورة بالشرق الجزائري إنتقل إلى باريس سنة 1972 للإلتحاق بجامعة السوربون ليتم دراسته المتخصصة في علم الاجتماع . وإلتحق سنة 1979 بجمعية ثقافية إسلامية تأسست من مجموعة من العمال المسلمين في نفس السنة وبعد جهوده التي اثمرت على تأسيس مسجد الدعوة و تنصيبه إماما فيه فعميدا لمركزها الثقافي الاجتماعي، حيث بادر بتنظيم العديد من الندوات واللقاءات بين المسلمين وغير المسلمين في مقر المركز بالمنطقة الثانية عشر بباريس كما عرف بحضوره في ملتقيات إسلامية في أوروبا والبلدان العربية، كما تابعه الجمهور الإسلامي في دروسه و ندواته و حواراته في قنوات تلفزيونية عربية وإسلامية وغربية عديدة، إذ لا ننسى أن ندوات الأستاذ كشاط التي كان ينظمها في "مسجد الدعوة" لم تكن تقتصر على المسلمين في فرنسا، بل تمتد لتشمل شخصيات إسلامية في الشرق والغرب... لذلك كنا كثيرا ما نسمع أيامها تكرار الشيخ العربي كشاط لكلمة "استقلال المسجد " أكثر من مرة فقد أراد أن يكون مسجد الدعوة بباريس، فضاء عاما، تلتقي فيه كل الشرائح الاجتماعية، ف "الإسلام ليس غريبا في فرنسا، وهو جزء من النسيج الاجتماعي للمجتمع الفرنسي " كما يحلو للشيخ قوله.. جاعلا من هذا المسجد منبرا للحوار وتبادل الآراء والأفكار والاستماع إلى الرأي الآخر، الى أن تقاعد.. كما يعتبر الشيخ العربي كشاط عميد مسجد الدعوة أول إمام في مساجد باريس يلقي خطبة الجمعة باللغتين العربية والفرنسية.. و قد تعرف كاتب هذه السطور في بداية الامر على الدكتور كشاط في ملتقيات الفكر الإسلامي بالجزائر في ثمانينات و تسعينات القرن الماضي، حيث كانت وزارة الشؤون الدينية الجزائرية تستضيفه مع عمالقة الفكر والشرع أمثال الشيخ محمد الغزالي و أحمد حماني و محمد المبارك و الدكتور الهاشمي التيجاني و الدكتور عمار طالبي و الشيخ عبد الرحمان شيبان و شقيقه الدكتور سعيد شيبان و غيرهم، ولما ساقتنا الاقدار للإقامة في أوروبا تعددت لقاءاتنا به و بنشاطاته،و أذكر أول ما التقيناه رفقة الشيخ الدكتور الطيب برغوث، في الندوة الشهرية التي كان ينظمها مسجد بلال بمدينة آخن غرب ألمانيا و يشرف عليها العلامة السوري عصام العطار ورفاقه، متعهم الله بالصحة، كما تعرفنا عليه أكثر بعد ذلك في فرنسا في ندوات البورجي ومسجد الدعوة وفي سويسرا في ندوات رفيق دربه العلامة محمود بوزوزو رحمة الله عليه.. وهذه فرصة لتذكير الشيخ العربي كشاط و طلابه بضرورة نشر مذكراته، إذ إنني أذكر أنه منذ سنوات خلت رحب الشيخ العربي بفكرة إنشاء موسوعة للتعريف بالشخصيات الجزائرية التي خدمت الإسلام في العالم و تخدمه لحد الساعة، وأهاب بنا أن نمضي فيه دون تردد، وهو مشروع ثقافي كبير حرره المفكر الجزائري الدكتور الطيب برغوث منذ مدة طويلة، واقترحه على بعض إطاراتنا في المهجر بحكم اهتمام بعضهم بمجالات الدعوة والإعلام عامة، و قد أعجب به بعضهم، ومنهم كاتب هذه السطور، وتحمس له كثيرا، وتناقش فيه مطولا مع مشايخنا و بعض المثقفين الجزائريين المقيمين بأوروبا خاصة، ولكن ومع الأسف فإنه ورغم مرور سنوات عليه، لم ير هذا المشروع المهم النور لحد الآن، وقد أحيا الدكتور الطيب برغوث الفكرة في نفوس بعض منا مرة أخرى العام الماضي، وحاولنا التواصل مع شخصيات علمائية ودعوية جزائرية وازنة لاستشرتها في الفكرة وفي جدواها وأهميتها، من أمثال الشيخ د. العريبي كشاط حفظه الله تعالى.. وتوسيعا للمشاورة حول المشروع، وإشراكا لأكبر عدد من المهتمين فيه، وتوفيرا لشروط نجاحه بإذن الله تعالى، رأينا أنه من المفيد نشر خطة المشروع في وسائل الاعلام الجزائرية بالعربية و الفرنسية، آملين أن يتيسر لكفاءاتنا الاطلاع عليه، وموافاتنا برأيهم فيه وفي جدواه بكل صراحة، ومدى استعدادهم للمساهمة في إنجازه، لثقتنا الكبيرة فيهم، وتطلعنا إلى تبنيهم ودعمهم له، و هذا الذي قمنا به منذ أشهر، كما يطيب لنا أن نهمس به اليوم في آذان الشيخ العربي و طلبته للمساهمة في جمع مذكرات وتراث الشيخ العربي.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل