إن الحديث عن إصلاح منظومة التعليم العالي في الجزائر حديث ذو شجون، وزير يأتي ووزير يغادر، الكل يشكو حال التعليم العالي، فقد أصاب الركود الجامعات التي تشكل قاطرة التنمية لمؤسسات المجتمع، فأصبح هناك فجوة ما بين التعليم العالي وخطط التنمية المجتمعية، ليس جلدا للذات لكنها طبيعة النظم الحية إن لم تتجدد وتتطور ستتراجع وتندثر، حرصنا على أن نعود للمقدمة ونسير بالاتجاه الصحيح وغيرتنا على الجزائر والأجيال القادمة هي محركنا فقط لنطرح هذا الموضوع متأملين أن نبدأ الخطوة الأولى في الإصلاح والتي ازعم أنها بدأت، عملية الإصلاح لم ولن تكون سهلة للوزير بداري أو مدراء الجامعات في الجزائر القضية لها أبعاد كثيرة ومتشعبة وفيها مطبات ومحبطات ومعوقات كثيرة، ولكن إن امتلكت مؤسسات التعليم العالي العزم والرؤيا والرغبة في التغيير فسيكون. ما هو مطلوب من وزير التعليم العالي المخضرم البروفيسور "بداري كمال" وهو إبن القطاع، كثير وكبير، لأنه أحد مؤسسي الاستراتيجيات والتصورات لإعادة صياغة وتفعيل منظومة التعليم العالي في الجزائر، التي ستقود وتخدم وتعمل على تفعيل ورفع المستويات الاجتماعية والاقتصادية للجزائر، ولأن معاليه هو من يقود الوزارة الآن فالرجل نال ثقة الرئيس " عبد المجيد تبون "، من هنا نعتقد أن ملف التعليم العالي على المحك، وان الخطوات التنفيذية لإصلاح النظام التعليمي ككل والتعليم العالي أصبحت بانتظار الخطوة الأولى كما لم تكن من قبل، وأملنا كبير بذلك ولكن في الغالب مشكلتنا سابقا هي مشكلة إدارات، وبشكل عام فإن مشروع إصلاح منظومة التعليم العالي يقوم على أربعة أسس، الأولى تتمثل في استقلالية الجامعات، والثانية تتجلّى في الحوكمة الرشيدة في إدارة الجامعات، والثالثة تتمثّل في توفير الحوافز اللازمة لتحسين أداء من يقدمون الخدمات التعليمية واستجابتهم، سواء أكانوا من أعضاء هيئة التدريس، أم من الكوادر الإدارية، أم من الموظفين، أم من غيرهم، والرابعة والأخيرة هي المشاركة الفعّالة للأطراف المعنية بالعمليّة التعليمية في عمليات الإصلاح، وهنا لا بد من التنويه لبعض النقاط التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في قضية الإصلاح: * وضع إستراتيجية فاعله بخطوات تنفيذية متكاملة لعملية الإصلاح بحيث يكون الإصلاح نظامي مؤسسي لا يتأثر بتغيير الإدارات. * التخلص من التركة الثقيلة للوزارات السابقة التي اختزلت عملية إصلاح التعليم العالي بعملية تثبيت أو تغيير وتعيين رؤساء الجامعات، والعودة إلى التعيين المباشر من خلال آلية معينة، تحفظ ماء الوجه لرؤساء الجامعات والأساتذة الجامعيين، وبنفس الوقت يكون لديها مصداقية وشفافية لتكون الكفاءة المعيار الأول لاختيار رؤساء الجامعات. * وضع قوانين وأنظمة تنتج آلية فعالة لاختيار الإدارات الجامعية على مبدأ الكفاءة فقط ومتابعتها ومحاسبتها، بدأً من رئيس القسم ونواب العميد، والعميد، ونواب الرئيس والرئيس، لان واحدة من معضلات التعليم العالي في الجزائر، بل أهمها الإدارات غير الكفؤة، والتي تشكل إحباطا وقتلا لكل المبادرات والإبداعات عند الزملاء، ووجود هذه الإدارات المتخلفة يؤدي بالكفاءات إلى الانسحاب وعدم المشاركة لان الأجواء غير مناسبة ومحبطة تقتل الدافعية وتحجب الطاقات. * إعادة صياغة القوانين والأنظمة التي تحكم التعليم العالي، وتطويرها بما يتناسب مع عملية الإصلاح وأهدافها التي ننشدها جميعا. * دراسة هجرة أساتذة الجامعات، لان جامعاتنا خسرت الكثير من الخبرات التي هاجرت مؤقتا لتحسين أحوالها المعيشية، من خلال إعادة النظر برواتب أعضاء الهيئات التدريسية وتحسينها للحد من هجرتهم. * إعادة النظر بالتخصصات والخطط والبرامج الدراسية المطروحة على مستوى التعليم الجامعي، لتتناسب مع متطلبات سوق العمل وعملية العرض، والطلب محليا، وإقليميا، وعالميا. إصلاح قطاع التربية لأن مخرجاته هي مدخلات التعليم العالي. إصلاح سياسات القبول في الجامعات، باتجاه زيادة أعداد المقبولين في التخصصات التقنية. تشكيل هيئة وطنية للموارد البشرية تنظم وتنسق وتشرف على النظم والمستويات التعليمية المختلفة التي تعنى بتأهيل وتعليم وتدريب الكوادر البشرية، من منظور وطني يعنى بمتطلبات التنمية وسوق العمل من ناحية الكم والنوع. تفعيل دور القطاع الخاص كشريك لا كمستقبل فقط لمخرجات النظم التعليمية المختلفة. الانفتاح على نظم التعليم العالمية وقصص النجاح التي يمكن الاستفادة منها في عملية الإصلاح لدينا. تشجيع الاستثمار للوصول إلى قاعدة صناعية واقتصادية تكون شراكة بين مؤسسات التعليم العالي وسوق العمل. هذه بعض من النقاط التي أرى أنها مهمة لوضع إصلاح التعليم العالي على الطريق الصحيح، منتظرين الخطوة الأولى لعملية الإصلاح المتكامل التي سيقودها وزير التعليم العالي البروفيسور " بداري كمال " مع جميع الجهات ذات العلاقة، من خلال خطط تنفيذية مبرمجة زمنيا وماليا وقانونيا للوصول إلى تعليم عالي يواكب متطلبات العصر، ربما تكون ثورة عنوانها " الإنسان أساس التنمية "، وبناء الإنسان لا يتم إلا من خلال نظام تعليمي محكم، من ثم فإن المرحلة الجديدة التي نعيشها حالياً تحتاج إلى عقلية جديدة، وخيال مبدع، ووجدان متحرك، كما أننا في حاجة إلى جامعات تقودنا نحو إنتاج العقول والأفكار، لا إنتاج قوالب جامدة ومتكررة.