الهجرة في الأصل من الهجر وهو ضد الوصل يقال: قد هجره هجراً وهجراناً، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض أخرى وترك الأولى للثانية،وهاجر القوم من دار إلى دار تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة، وقد هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن هاجر أصحابه وبعد أن أذن الله له بذلك. الصدّيق رفيق النبي في هجرته بيان محبة الرسول صلي الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق حيث استبقاه لكي يكون رفيقاً له في هجرته، مما يدل على قربه رضي الله عنه من نفس رسول الله صلي الله عليه وسلم وظهر ذلك جلياً في قوله في الحديث الصحيح "لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً" (رواه مسلم)،ولقد كان رضي الله عنه أقرب أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم إليه . التخطيط المسبق للهجرة أهمية التخطيط المسبق لأي عمل يقوم به القائد لكي يكون عمله ناجحاً بإذن الله ولا يتبع العشوائية والتخبط حيث أن لكل عمل بشري يقوم به الإنسان أصولاً وقواعد يجب أن تتبع ويؤخذ بالأسباب التي تؤدي إلى نجاح العمل بعد توفيق الله جل وعلا،حيث يظهر ذلك جلياً في عدة أمور منها إعداد الراحلة و استبقاء علي رضي الله عنه لرد الودائع لأصحابها و اتخاذ الصاحب في السفر و السرية التامة والتكتم عند الخروج من مكة و خروج رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه من خلف منزل أبي بكر و التخفي في غار ثور حتى يسكت الطلب عنهم و أمر أبي بكر لابنه عبد الله أن يتسمع لهما الأخبار وأن يأتيهما إذا أمسى بتلك الأخبار، فيكون عبد الله بن أبي بكر مع قريش في النهار يسمع ما يتآمرون به، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر ثم يأتيهما بالمساء ليخبرهما الخبر،وحادثة الهجرة وغيرها من الحوادث التي وقعت في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم التي أخبرنا بها القرآن ومما نقل إلينا وحدثتنا بها السيرة مما يؤكد أهمية التخطيط لأي عمل في حياة المسلم. ..و خططه المحكمة وجوب أخذ الحيطة والحذر والعمل بالأسباب التي تكون سبباً لنجاح العمل الذي ننوي القيام به، حيث أن الرسول عليه الصلاة والسلام اتبع أسلوب التكتم الشديد في تنفيذ خطته، لأن له عدواً يرصد حركاته ويتتبع خطواته ويتربص به الدوائر، فكان عمل الرسول صلي الله عليه وسلم هذا تعليماً للمسلمين أن يقضوا أمورهم وحوائجهم بكل تكتم وسرية، لكي يسلموا من أعدائهم الذين يقفون لهم بالمرصاد، ويتربصون بهم الدوائر. فداء جنود الرسول المخلصين في حادثة الهجرة تظهر صور من فداء الجندي الصادق المخلص لقائده بحياته، لأن في سلامة القائد سلامة للدعوة، وفي هلاكه خذلانها ووهنها، وهذا ما فعله علي رضي الله عنه من مبيته في فراش رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع علمه بما يتربص به من خطر القتل، وفدائه رسول الله صلي الله عليه وسلم بروحه حيث من الممكن ان تهوى سيوف فتيان قريش على رأس علي رضي الله عنه إما ظناً منهم أن من في الفراش هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو انتقاماً من علي رضي الله عنه لكونه سهّل لرسول الله صلي الله عليه وسلم النجاة والخروج عن البيت المحاصر والابتعاد عن الأنظار ليلته تلك. كفر الكافرين سببه التكبر و الاستعلاء إن من دلائل صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم ووفائه بعهده أنه عندما بدأ مشوار هجرته استبقى علياً رضي الله عنه في مكة ليرد الودائع لأصحابها من أهل مكة ،وما موقف المشركين من إيداع ودائعهم عند رسول الله صلي الله عليه وسلم مع محاربتهم له وتكذيبه والتصميم على قتله إلا دليل على أن كفر الكافرين ليس بسبب الشك لديهم في صدقه، وإنما هو سبباً تكبرهم واستعلائهم على الحق الذي جاء به، وخوفاً على زعامتهم وطغيانهم من إتباعه. استعانة الرسول بذوي الخبرة في هجرته من مواقف هجرته عليه الصلاة والسلام نستلهم أهمية الاستعانة بذوي الخبرة بمخاطر الطريق و معاطبه، فقد استعان رسول الله صلي الله عليه وسلم بابن أريقط لخبرته ومهارته في معرفة الطريق على الرغم من كونه مشركاً وعلى دين قومه وهذا الفعل من رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر من الاستثناءات للقواعد، فقد أثر عنه صلي الله عليه وسلم في مواقف أخرى أنه رفض الاستعانة بالمشركين، وفي هذا الموقف ربما يكون فعله هذا عليه الصلاة والسلام مقصوراً على حد الضرورة الملجئة إلجاءً بحيث لا يجد المرء مندوحة عن هذه الضرورة بحال من الأحوال، وبحيث يلزم مع ذلك أقصى غايات الحذر والتوثق لنفسه ولخطته كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم . بذل الجهد في تبليغ دعوة الله في الهجرة نجد نشاط الشباب واضحاً مما قام به عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه من ذهابًٍ وإياب بين الغار ومكة، يتحسس الأخبار وينقلها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم وأبيه كذلك ما ظهر من أخته أسماء رضي الله عنها من مظاهر الاهتمام والجد في تهيئة الزاد والراحلة، في هذه الأعمال نلمح نشاط الشباب من ذكور وإناث في سبيل الله عز وجل وبذل الجهد في تبليغ دعوة الله،كذلك في خروج رسول الله مستخفياً في جنح الظلام درس للدعاة إلى سبيل الله بالأخذ بالأسباب التي يمكن أن تعين على نشر الدعوة وإيصال الرسالة إلى كل مكان. دلائل النبوة خلال هجرة سيد الخلق عندما نتأمل هجرته عليه الصلاة والسلام نشاهد من الأمور المعجزة والآيات الدالة على نبوته الكثير حيث أعمى الله بصر المحيطين به وبداره للانقضاض عليه وقتله لكن الله جل وعلا حمى نبيه وأخرجه من بين أيديهم وأوقع عليهم النعاس جميعاً، قال تعالى: " وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يُبصرون " (يس- 9).وما خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون و تطمين الرسول له بأن الله معهما إلا صور من صور الإعجاز والتمكين من الله لرسوله وثقةً من رسول الله صلي الله عليه وسلم بوعد ربه وحفظه له حيث أخذ الروع من أبي بكر مأخذه وهمس يحدث الرسول صلي الله عليه وسلم ,"لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا فأجابه عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" متفق عليه. الأخذ بالأسباب الدنيوية في نشر الدعوة كون رسول الله صلي الله عليه وسلم يخرج بهذه الطريقة ويهاجر سراً ومعه رفيقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد استأجر الدليل الذي يدله في طريقه إلى المدينة، وتخفيه في الغار إلى أن يهدأ الطلب واستعماله لعبد الله بن أبي بكر لنقل الأخبار من مكة وكذلك تزوده بالراحلة والطعام وجميع ما يلزمه في الطريق وغير ذلك من الإعمال التي قام بها عليه الصلاة والسلام لدليل على حثه بقوله وعمله على الأخذ بالأسباب الدنيوية في نشر الدعوة ومن ثم توكله على ربه الذي يؤيده بالمؤمنين وبغيرهم من الناس الذين سخرهم الله جل وعلا وتأييده عليه الصلاة والسلام من ربه بالمعجزات الباهرة والدالة على نبوته وصدقه.