يقصد بها الخروج من أرض إلى أرض، وانتقال الأفراد من مكان إلى آخر سعيا لتحقيق أغراض للمهاجر، ولما كان الانتقال جهدا لأصحابه نفسيا ومادياة حيث يترك أرضه الأولى وماله فيها من ذكريات ومنافع، إلى أرض أخرى جديدة لا يدري ماذا يحدث له فيها: كان التوجيه القرآني والترغيب النبوي مصاحبا للمهاجرين الذين اضطهدوا في أرضهم لإيمانهم بربهم وما اقتضاه إيمانهم من انتقالهم إلى العبادة الصحيحة والمعاملة الحسنة ومكارم الأخلاق، فأخرج المؤمنون من ديارهم وأوذوا في سبيل الله، فكان التوجيه النبوي أن تكون الهجرة لله وحده “فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله”، يؤجر عليها بما جاء من الوعد الصادق، “ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه”، من أغراض محدودة. قال تعالى في بيان مكانة المهاجربن فى سبيله: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} البقرة:218. وقال سبحانه: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب} آل عمران. وكما أثنى الله على المهاجرين أثنى على من أحسنوا استقبالهم ونصرتهم قال جل شأنه: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصاروالذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}التوبة، وقال سبحانه: {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} الحشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار”. وقد هاجر المؤمنون عندما اشتد بهم تعذيب المشركين بمكةالمكرمة إلى الحبشة مرتين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للمعذبين: “إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه”. تقول السيدة أم سلمة رضي الله عنها: “فخرجنا إليها أرسالا حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نحس منه ظلما). ثم بلغ المهاجرين إلى الحبشة أن أهل مكة أسلموا فرجع بعضهم فلم يجدوا الخبر الصحيح فرجعوا إلى الحبشة، وهاجر معهم في الهجرة الثانية جماعة آخرون. وكان المهاجرون يعبرون عن دينهم وما دعاهم إليه خير تعبير مما يدعو الآخرين إلى احترامهم وتقديرهم إذ أحسنوا في عرض عقيدتهم وأخلاقهم، دون تضليل أو كذب ولو كان فيما يقولون بعض المخالفة لما كان عليه أهل الحبشة من تحريف في المعتقدات. وكانت الهجرة الكبرى والتي أذن الله فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم بتحقيقها وأراه موضعها - إلى المدينةالمنورة، فاتخد الرسول صلى الله عليه وسلم لها أسبابها، واختار فيها الرفيق، والدليل الخبير، وأمن مصدر الزاد والأخبار والمتابعة، ورد الأمانات إلى أصحابها، وواجه طغيان المشركين بتدبير محكم، ومضى في طريق هجرته ومعه الصديق أبو بكر، وفشلت محاولات المشركين في تتبعه وإعادته وتجلت عناية الله في الطريق وشهدت بذلك “أم معبد”، كما شهد سراقة حتى وصل إلى المدينةالمنورة فاستقبل بفرح المؤمنين، وأقام مسجدا وحمل فيه الحجارة مع أصحابه، وآخى بين المهاجرين والأنصار، ووضع ميثاقا عظيما لتنظيم العلاقة بين المقيمين من المهاجرين والأنصار واليهود في المدينةالمنورة وظهرت آثار الهجرة في مغالات التأسيس للدولة والأمة، وسميت المدينة بدار الهجرة والسنة كما في صحيح البخاري، وصارت الهجرة إليها من سائر الأنحاء الأخرى التي بلغها الإسلام تقوية للدولة إلى أن قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجأ: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا”(متفق عليه) وبقى معنى الهجرة في هجر مانهى الله عنه، وبقت تاريخا للأمة.