مهما ارتفع سقف هدفهن أو بعدت مسافته، ففي قلوبهن، عزيمة، وإرادة، وإصرار، وانتصار، حيث قررت بعض النساء في الجزائر اختراق مهن كانت حكرا على الرجال، سعيا إلى توفير مستوى حياة أفضل لعائلاتهن، فدخلن جميع الميادين، من سباكة إلى تصليح السيارات، إلى افتتاح مقاهي الانترنت، وغيرها من المن التي تتجه إليها أنظار الجميع. ومن بين هذه الأعمال تدخل القائمة "سائقات التاكسي" أي نساء يمتهن قيادة سيارات الأجرة.وعلى هذا سلطت يومية الاتحاد الضوء على ما يمكن أن تحققه النساء اللواتي تفرض عليهن كثير من القيود تحد من حرياتهن وإبداعهن لكنهن ينتصرن عليها بطريقتهن الخاصة.وفي هذا الصدد يقول عبد المؤمن سائق سيارة أجرة من العاصمة : " العمل ليس عيبا مادامت المرأة تتحلى بالأدب وتحافظ على نفسها " فهي ذراع الرجل الأيمن، حيث أنها بمجرد أن يحدث مكروه لزوجها، فإنها تحاول بشتى الطرق مساعدته وتأمين دواءه وقوته وقوت أطفالهما، على عكس ما يفعله بعض الرجال الذين ما إن تصاب زوجاتهم بنوبة برد طفيفة، حتى نراهم يصاحبن أخريات. بعد مرض زوجي.. إعالة عائلتي من واجبي وعلى هذه الظاهرة التي أصبحت منتشرة عبر بلديات العاصمة والتي فتحت العديد من البيوت التي كانت تفتقر لأدنى الضروريات أوقفت الاتحاد في محطة بور سعيد بالعاصمة سيدة تدعى بودراع راضية وهي سائقة سيارة أجرى التي قالت " نصحتني إحدى الصديقات بالعمل كسائقة في أوساط المعارف والأصدقاء، خاصة أنني أجيد القيادة وحاصلة منذ سنوات على رخصة: "في البداية لم يكن الأمر مقبولا لدي، فأنا تعلمت القيادة على سيارة زوجي الذي تعرض لحادث في العمل أفقده الحركة. في البداية فكرت في صنع بعض أنواع الحلوى وبيعها كمشروع خاص، لكن وجدت أن هذا الأمر سوف يستهلك وقتا كبيرا، كما أنه يحتاج إلى عمال لمساعدتي ولتوصيل الطلبات، وألغيت فكرة العمل الحر حتى طلبت مني إحدى الجارات توصيل ابنة صديقتها إلى الجامعة مقابل أجر مجز لأنها تبحث عمن يوصلها ولم تجد ضالتها. "في البداية استغربت الفكرة لكن فيما بعد ومع تشجيع صديقاتي وعدم رفض زوجي جربت ووجدت الأمر مجديا، وفيما بعد أصبحت أعمل في وسط معارفي وأقاربي فقط، فهذا أفضل، ويكون حسب الوقت المناسب لي، وأصبحت أستطيع سد تكاليف علاج زوجي ولم يعد أطفالي محرومين من أي شيء. أما بالنسبة للاعتناء بزوجي فأخته تمكث معنا بنفس البيت وهي التي تقوم بمساعدته. وأقوم أنا بالباقي بعد عودتي لأن عملي ينتهي بعد الظهر مباشرة، وهذا حتى لا أجعل زوجي يشعر بغيابي عنه.وتضيف ذات المتحدثة "إن الأجر الذي أحصل عليه من التوصيل مجز ويساعدني أنا وزوجي على تحمل تكاليف المعيشة ومصاريف مدارس الأبناء التي ترتفع عاما بعد الآخر"، لكنها ترفض العمل مع أشخاص لا تعرفهم. صبرينة.. السكوت عن الأحمق جوابه أثناء حديث الاتحاد مع صبرينة.ز سائقة تاكسي ببلدية رويسو وهى جالسة خلف عجلة القيادة واجهتها مشكلة، فهي عالقة في واحدة من أشهر اختناقات العاصمة مروريا، بشارع حسيبة بن بوعلي، و الرجال في السيارات الأخرى يحملقون فيها ويحاولون إزعاجها بطريق غير حضارية ،كلام بذيء، ومعاكسات. فقامت هذه الأخيرة بترك مسافة صغيرة جدا بينها و بين السيارة التي أمامها، وحتى تزج بسائق السيارة في الجهة الأخرى، الذي يبتسم لها بخبث،ويغازلها دون أي احترام، ثم تكمل كلامها " السيدات يستطعن القيادة أفضل من الرجال، فهن أكثر صبرا، ولا يقدن بعنف، ويحتفظن بهدوئهن، ولا يشتبكن على الطريق في عراكات لا معنى لها، فهن ببساطة يقدن السيارات بطريقة أكثر أمانا، والسكوت عن لأحمق جوابه". وبصبر تستمر في القيادة ببطء، وبعد وقت قصير تمر بسيارة السائق المزعج دون أن تعره اهتماما. كسرنا الحاجز ومازال .. مازال عاشت هند سنوات من المعاناة في بيت أخيها خاصة بعد طلاقها حيث لم تجد من يعيلها على أربعة أطفال خاصة وأن طليقها قد هاجر والنفقة أمر منسي، ولكنها تجرأت وأقدمت على العمل كمنظفة، وحلواجية، وخياطة حتى جمعت ما يكفي لاقتناء سيارة ودفع طلب لتحويلها لسيارة أجرى ومعظم الزبائن عائلات أو أزواج.. وأسمح بصعود الرجال بشرط التزامهم بقواعد اللياقة وإذا ما تجرأ أحدهم وغازلني أطلب منه النزول بهدوء. وبالرغم من اندهاش الناس لرؤيتها فالغالبية يعاملونها بالاحترام و التشجيع أثناء قيادتها المستقلة لسيارتها الأجرة في شوارع العاصمة وهذا ما لاحظته الاتحاد خلال جولتنا معها.وتتذكر هند ذات السبع والثلاثين عاما حين طرحت لأول مرة فكرة شراء سيارة وتحويلها إلى تاكسي، حذرها كثيرون من أنها تبحث عن المتاعب.. والآن بعد مرور أربع سنوات تعمل حفنة من النساء بذات المهنة، ورغم الصعوبات إلا أنهن سعيدات بالحصول على عمل في البلاد التي نسبة البطالة فيها جد مخيفة. وقالت "نريد أن نكسر الحاجز الذي يقول هنالك فرق بين الرجل والمرأة وفعلا كسرنا هذا الحاجز". وتقول هند أن هذه ليست نهاية حلمها.. وتطمح إلى افتتاح شركة نقل لسيارات الأجرة التي تديرها النساء في محافظات أخرى.. وأضافت "أنا أتمنى أن تخوض كثيرات مثلي مشاريع كهذه". مهنة احترفتها في زمن الاستعمار.. فكيف تكون غريبة في زمن الحرية أما الحاجة زهور فتقول "أنا أشجع كل امرأة بأن نغير نمط المجتمع الجزائري، فللمرأة لها حقوق و هي قوية بما يكفي وتستطيع أن تخوض غمار كل شيء، حيث أنها أظهرت قدراتها وهي تجاهد كيد الاستعمار الذي اضطهد بلادها لسنوات ". ففي أيام شبابي كانت هناك امرأة جزائرية من منطقة القبائل تقود حافلة للنقل العمومي وهذا في زمن الاستعمار، فكيف لا تقوم بذلك هاهي في زمن الحرية.وفي مقعد خلفي لتاكسي تقوده امرأة كان يجلس رجل وامرأة ،حيث رحبا بالفكرة وقالا أنهما سعيدان بأن وجود جزائر جديدة يعني أيضا تطبيق أفكار جديدة، حيث أن الرجل الذي يعمل وليس له وقت لاقتياد زوجته أو ابنته أو والدته لمكان محدد سيكون مطمئنا لركوبها مع امرأة تقودها أينما تريد.وقالت نور الهدى "هذه ثاني مرة نأتي أركب سيارة أجرى تقودها امرأة... أحببت هذا لشعوري بأمان أكثر وأنا أركب مع امرأة فغالبا ما كنت أركب مع رجال فيستهزئون بالنساء واعتبارهن ناقصات عقل ولا يصلحن إلا للضرب، وهذا كان يجعلني أنزل من التاكسي حتى قبل أن أصل إلى وجهتي" على الحكومة محاربة المضايقات التي تتعرض لها حواء هل هي فكرة جيدة ..أم عزل للنساء عن الحياة العامة؟ فاطمة الزهراء مهني أخصائية اجتماعية من بلكور فتقول: " الآن يقولون عن خدمة تاكسي السيدات أنها فكرة جيدة، و لكنها ستتحول إلى ضرورة اجتماعية و من ثم إلى ضرورة دينية، ولن يسمح للسيدات بركوب سيارات الأجرة إلا مع سيدات، وفي النهاية يؤدى ذلك إلى عزل النساء عن الحياة العامة. وهى ترى أن أنصار المرافق المخصصة "للنساء فقط" لا يهدفون إلى فتح مجالات جديدة للمرأة، ولكن إلى عزلهن في نوع من المجتمع الموازي . وتوضح: "في البداية سيقولون "يمكنك الخروج فقط إن كان من سيقوم بتوصيلك امرأة" و بعدها يصبح الأمر "يمكنك الذهاب فقط إلى مدرسة مخصصة للبنات" وبعد ذلك سيقومون بفصل المحاضرات في الجامعات على أساس النوع، وهنا نرجع إلى العصور التي لم تظهر فيها المرأة أمام الرجال إلا بأوجه مغطاة. فأين هي الحدود؟" حسب ذات المتحدثة ، وتسترسل كلامها مطالبة الحكومة بتوفير وسائل مواصلات عامة آدمية لا يحشر فيها الركاب كما علبة السردين، بدلا من التضييق على المرأة، وبأن تكون أجهزة الشرطة مسؤولة عن أمن جميع المواطنين. وهى تحذر من استخدام خوف النساء كأداة لعزلهن. فالتحرشات الجنسية لا تنفك عن التواصل، ولكن السؤال يكون عن كيفية محاربة ذلك؟ تضيف الأخصائية الاجتماعية "لا يجب على المرأة تقبل الانتقادات وعليها التصرف بذكاء حتى لا تتورط في لعبة من يريد الإطاحة بها. فمشروعها هو محاكاة لمثيله في أوروبا، وهو أنه أبعد ما يكون عن عزل النساء اجتماعيا، فهدفه الوحيد هو توفير بيئة أكثر أمنا لهن".وتقول السيدة سعدية وهي عضوة في جمعية الأم الناجحة لمساندة و دعم المرأة، أن العمل كسائقات للتاكسي يفتح مجالا جديدا لعمل المرأة وهذا شيء إيجابي" ولكنها تحذر من أن يصبح المشروع خطوة أخرى نحو التضييق على المرأة.