أطفالنا أمانة عظيمة في أعناقنا فهم أجيال المستقبل، فكل طفل يولد وفي داخله حافز ذاتي ودائم حيث يبدأ الطفل في تكوين واكتساب العادات من الأشهر الثلاثة الأولى وكلما ازداد نموه ازدادت قابليته لاكتساب عادات جديدة أسرع من ذي قبل، واكتساب العادات الطيبة هو الهدف المرجو من الوالدين، و الانتباه لحاجات الطفل مثل الحب والاهتمام والتعزيز واستخدام أسلوب العقاب والتهذيب المناسب سيؤدي إلى تحقيق سلوكيات مرغوبة، وهذه الصفات لا تكتمل إلا إذا كانت الأسرة مفككة أو كثيرة الاضطرابات فمشاكل الوالدين والحرمان والضغوطات عوامل تساهم في اضطراب سلوك الأطفال...ومن المظاهر الانفعالية الشائعة عند الأطفال نوبات الغضب العدواني اللذان يعتبران من أكثر أنماط السلوك ظهورا لدى الأطفال فالضرب والعض والقتال والتخريب المتعمد بهدف إيذاء الآخرين أو إخافتهم وحتى إيذاء أنفسهم، وهذا ما يربك الآباء والكبار فيجعلهم غالبا ما يؤنبونه أو يعاقبونه، فكل هذه المشاعر متوقعة إذا كانت البيئة التي نشأ فيها غير سوية.. ومن الأسئلة التي يمكن أن تدور في رأس والدي الطفل حالة صحته النفسية وما إذا كان الطفل يعاني من مرض عقلي، وإذا كان هنالك خطر على حياته وهل سيقتل نفسه أو غيره يوما ما؟ يجيب عن هذه الأسئلة محمد رمضان بروفيسور في علم النفس.. دكتور ما هي دوافع النوبات التي تعتري أطفالا في أعمار دون الثامنة؟ السلوكيات الخاطئة وغير المبررة التي تصدر من الأطفال تعود إلى أسباب عدة منها: الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه الطفل، وتقليد الآخرين والاقتداء بسلوكهم العدواني، وهذه النوبات شيء عام وطبيعي عند جميع الأطفال بغض النظر عن الثقافة التي يعيشون فيها ولا تعتبر هذه النوبات ذات صبغة مرضية إلا حينما تكون عنيفة جدا ومتكررة بشكل زائد وتأخذ فترة طويلة نسبيا، ومن الضروري أن نتعرف على أسباب ظهور السلوكيات الخاطئة وهي: الإحباط والحرمان والقهر الذي يعيشه الطفل، وتقليد الآخرين والاقتداء بسلوكهم العدواني، والصورة السلبية للأبوين في نظرتهم لسلوك الطفل، والأفكار الخاطئة التي تصل إلى ذهن الطفل، وعزل الطفل في مراحله الأولى عن الاحتكاك الاجتماعي.. ما هي أشكال هذه النوبات ؟ للعدوان صورا كثيرة وأنواعا عديدة، هي حصاد تراكمات الكبت النفسي الذي يعاني منه هذا الطفل العدواني لذلك تتخذ نوبات الغضب أشكالا عدة فبعض الأطفال يندفعون بهياج ويجرون من مكان إلى آخر، وهم يصرخون ويصطدمون بأثاث المنزل، والبعض الآخر يلقون بأنفسهم على الأرض، ويتقلبون، ويستخدم آخرون أي أداة تقع في أيديهم لضرب الأشياء الواقعة في متناول أيديهم، ويضربون رؤوسهم بالحوائط، ومهما يكن الشكل الذي تأخذه موجة الغضب، فعلى الأم أن تدرك أنها ظاهرة طبيعية عادية. فقد أوضحت الدراسات العلمية أن 60% من الأولاد، و40% من البنات يصابون بنوبات الغضب عندما تبلغ أعمارهم واحدا وعشرين شهرا. كما أوضحت تلك الدراسات أيضا أن 14% من الأطفال يصابون بنوبات غضب كثيرة عندما يبلغون من العمر سنة واحدة، في حين أن 50% منهم يصابون بنوبة كبيرة كل أسبوعين على الأقل. هل باستطاعة الأهل احتواء أبنائهم في لحظات النوبة أي محاولة تبذلها الأم أول الأب في هذه المرحلة للتحكم بشكل مباشر في تصرفات الطفل، تقود إلى نوبات الغضب... فمن المحتمل أن يقاوم الطفل في هذه المرحلة محاولة أمه إلباسه ملابس معينة أو إجباره على تناول طعام معين، أو حمله على الذهاب إلى فراش نومه إذا لم يكن يرغب في ذلك... وإذا شعر الطفل بأن أحد الوالدين يستخدم قوته، أو ذكاءه لهزمه، فأنه سيثور وتنتابه نوبة من الغضب التي تقود إلى نوبات عصبية لا نهاية لها. هل العقاب البدني وسيلة تهدئة؟ وكيف يتم زجر الطفل العدواني؟ أبدا لم يكن العقاب البدني وسيلة لتهدئة طفل ثائر، لذلك تجنبه ضروري فعلى الأولياء أن يكبتوا أنفسهم أمام الطفل، وتنمية الفهم والاتجاهات والعادات الإيجابية لديه وتربيتها على اكتسابها واحترامها، وحثه على احترام والديه والكبار دون خوف وتعويده على حسن التعامل والرفق بالصغار ومعرفة ماله وما عليه ومراعاة حقوق الآخرين، ومنحه فرصة للتعبير عن المشاعر لأن العناد والكلام الوقح الصادر عن الطفل ما هو إلا تعبير عن مشاعر مكبوتة، وتعليمه الاعتماد على نفسه في حل مشاكله وذلك تحت إشراف الوالدين، والتعامل بحزم في حال تكرار السلوك الخاطئ حتى لا يصل الطفل لحاله من اللامبالاة، والابتعاد عن المقارنة بينه وبين إخوته أو أصدقائه لأن هذا يدفعه للتوتر الداخلي والغيرة منهم وحتى كرههم. ماهي الطريقة المثلى لتفادي وكبح هذه النوبات؟ يستطيع الأولياء شكم تصرفات أطفالهم العدوانيين من خلال إدخال التعديلات على الظروف البيئية المحيطة بالطفل، و تجنيبه مشاهدة أفلام العنف، ومراقبة سلوكه، وتوجيه عند ظهور بوادر عدوانية، والتركيز بشكل خاص على ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية التي توجه سلوك الأطفال نحو التخلص من الميول العدوانية، والذي ينعكس على سلوكهم في الحياة، كما أنه من الضروري معايشة الطفل لمشكلاته وحاجاته المتكررة، للعمل على حلها، أو إشباع حاجاته بالأسلوب السليم الذي يتناسب مع مرحلته العمرية، و السماح للطفل بالحرية، وحرية الحركة، وعدم توجيه والإهانات إلى الطفل أو السخرية من سلوكه من خلال التعامل مع الطفل بأسلوب الحزم والحكمة والتعقل دون قسوة، و تعويده الطفل احترام ملكيته الخاصة وملكية الآخرين، و شغل وقت فراغ الطفل بالألعاب والأنشطة الجماعية المجدية والمفيدة، مع مراعاة ميوله، ومن المفيد عندما تشعر أن الطفل سيصاب بنوبة الغضب قبل أن يدخل في البكاء حاول لفت انتباه على شيء مثير في الطريق...مثل إشارة مرور حمراء.. صورة مضحكة.. أو لعبة مفضلة قدوتنا.. رسولنا ينسى الناس أو يتناسون قول الرسول " الدين المعاملة " أي أن السلوك والأخلاق والإرادة هي كل الشريعة وأساسها , وان القيم الروحية لا تزدهر إلا في الأوساط الاجتماعية المتكاملة حين تسود بين الناس المحبة والتسامح والأخوة بدل القانون والدستور، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- شديد الاهتمام بالأطفال، ولذلك فقد دعا إلى تأديبهم، وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم، وحث على رحمتهم والشفقة عليهم، فقال-صلى الله عليه وسلم-:(من لم يرحم صغيرنا،ويعرف حق كبيرنا، فليس منا)، ولقد كان-صلى الله عليه وسلم-على عظيم قدره، وعلو منزلته، هو الذي يبدأ بالسلام على الأطفال حبا لهم، ورفقا بهم، وتلطفا معهم، ولإشعارهم بمكانتهم وإعطائهم الثقة بأنفسهم، وقد مدحهم وأثنى عليهم، كما فعل مع ابن عمر-رضي الله عنه-. أخرجه البخاري، وكل هذا الاهتمام منه -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال جاء لعلمه بأنهم في أشد الحاجة إلى الرعاية والعطف والحنو أكثر من غيرهم، وذلك لتنمية ثقة الطفل بنفسه حتى ينشأ قويا ثابت الشخصية، مرحا عطوفا على غيره، عضوا فعالا في مجتمعه. فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل الأطفال، ويمازحهم، ويعطيهم، بل ويبكي ويتأثر عندما يموت أحدهم، وهو الذي يقول: (( إنما أنا لكم مثل الوالد لولده، أعلمكم ... ))