لكل مرحلة من مراحل الإنسان العمرية مطالبها ومظاهرها الخاصة بها،وإذا تفهم الوالدان احتياجات الأطفال في مراحل نموهم المختلفة، سيسمح لهم ذلك بأن يروا الأمور والتغيرات الحاصلة بطريقة هادئة، وأول صور التقليد والتقمص لدى الطفل هي استخدام الوالدين أو أحدهما - كنموذج،وإذا كان الطفل ذكرا، فكثيرا ما يتقمص شخصية الأب ودوره، ويكون أقرب إلى تقمص والده إن كان يرى أباه قويا قائما على الرعاية، فكثير من الأطفال يميلون إلى التعلم عن طريق التقليد و التقليد هو مهارة فطرية غالبا لا نلتفت إليها الا اذا لاحظنا أن الطفل لا يستطيع التصفيق باليدين كما تفعل أمه فتكتشف أنه لا يفتقد إلى مهارة التقليد.. و اتجهت التربية الحديثة ان التقليد هو النواة الأولى للتعليم بالنمذجة فالتقليد يعلم الطفل الكلام و الإشارات و تعليم السلوكيات و المهارات الحياتية و من المعروف ان الأطفال المصابين بداء التوحد لا يستطيعون تقليد الآخرين و يعتبر خلل التقليد من أول الأعراض التي تظهر في هؤلاء الأطفال كون التقليد أحد خصائص الطفولة الأساسية... حيث أن الطفل يأخذ الكثير من السلوكيات والقيم والمبادئ من خلال محاولة تقليده للآخرين... ولا نبالغ إذا قلنا أن الطفل كالإسفنج يمتص كل ما حوله... ويتفاعل مع المحيطين به من خلال تقليد سلوكهم وحركاتهم.. ويرى علماء نفس السلوك أن ظاهرة التقليد هذه يمكن توظيفها بصورة صحيحة في توجيه سلوك الطفل وبناء شخصيته المستقبلية حتى خارج إطار هذه الأحداث، من حيث تعليمه المهارات اللازمة للحياة، كما تطرح هذه النظرية إمكانية صقل شخصية الطفل وجعله يتعامل بإيجابية مع الأحداث المحزنة التي سيواجهها في المستقبل وذلك بجعله مستعدا من الناحية النفسية للتصدي لمشاعر الحزن والخسارة التي تسببها أحداث ذات شحنة عاطفية قد تكون مدمرة مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية أو حوادث وفاة المقربين من الطفل.. روبورتاج: ي. مغراوي أحيانا يفاجئنا أبناؤنا أحيانا بتصرفاتهم، فيخيل إلينا أنهم يتعمدون إثارة قلقنا أو استغرابنا، وإظهارنا في هيئة الجاهلين بأحوالهم، ويغيب عن بالنا أنهم يتقنون فن التقليد فعلى الرغم من صغر سنهم،نسمعهم أحيانا ينادوننا بأسماءنا أو يرددون جملا وتعابير لا تناسب أعمارهم، حبا في تقليد الكبار بدء من أبويه وأخوته والمحيطين به بشكل عام، فتتقمص البنت شخصية أمها، ويتقمص الابن شخصية أبيه يقلدونهم في طريقة الكلام والمشي وأسلوبهم وأساليب تعاملهم مع الغير فهم يقلدون كل شيء يقع تحت ملاحظتهم، فكل يوم يقلد الطفل فكرة جديدة على حسب ما يسمع أو يشاهد .. وكلما كان على علاقة كبيرة بالناس وبالأخص الناس الذين يحبهم كلما كان عدد الأفكار التي يقلدها، والتقليد من أقوى وأسرع الوسائل في التربية .. و أيسر طريق لاكتساب الفضائل.. كثيرة لذلك حثنا ديننا الحنيف كآباء على تقديم القدوة الطيبة للطفل واختيار الصحبة الخيرة له والعناية بالوسط الذي يعيش فيه، لأن الطفل الصغير شديد التقليد لمن هم أكبر منه، وذلك لشعوره بأن التقليد يجعله في صف الكبار "ابنتي تناديني باسمي المجرد وتحتل مساحيق تجميلي" وعن مظاهر التقليد الشائعة بين الأطفال تتحدث فريدة عن ابنتها ماريا ذات الثلاث سنوات فتقول: تصر ابنتي على التخلي عن لقب ماما، فكثيرا ما تناديني باسمي ونحن نتسوق، وكذلك والدها كما تنادي كل من حولها بأسمائهم المجردة، مما يعرضني لمواقف محرجة إذ يفسر البعض ذلك بتقصير في تربيته. ناهيك عن تقليدها لي في كل حركاتي خاصة فيما يتعلق بوضع مساحيق التجميل،وكلما نهرتها على ذلك،تزيد رغبتها في استعمالها وتتكرر نوبات الاستحمام والتعنيف بلا جدوى. في فترة سابقة اشتريت لها مرآة للأطفال بمساحيقها المخصصة لسنها، لكنها تمردت عليها، واكتشفت أنني أعزز هذا السلوك بنهري المتكرر لها، ولم أعد أعرف ماذا أفعل،خاصة أن الأمر لم يعد يقتصر على المساحيق فقط، بل تصر على ارتداء أحذيتي والسير بها في المنزل،أو غيرها من الامور المشابهة.. ابني لا يقلد إلا الأخطاء والأخطار أما علي فقال:أنا أب لطفلين، ولدي الأكبر عمره 4 أعوام إلا شهرين،مشكلتي معه أنه يحب التقليد،حتى ولو كان يعلم أنه خطأ، فذات يوم رآني أدخن فطلب مني أن يتذوق فقلت له أن هذه المادة تحرق البطن، وبعدها بأيام أقلت عن التدخين ولكن ونحن في البحر ،وجدت معه بقايا سيجارة في فمه أخذها من الأرض!! وحتى في تقليده للآخرين،أضع له كرتونا إسلاميا تربويا،لكنه لا يتنبه إلا للأسلوب الخاطئ فيه: لماذا فعل هكذا؟! هذا ليس تمرد على طفولته بقدر ما هو تمرد على محيطه ويري دكتور الطب النفسي صامت محمد أن تقليد الصغار للكبار ليست مشكلة أو أزمة،موضحا أن الطفل بحاجة إلى قدوة دائمة،ويجد والديه أمامه باستمرار فيتقمص سلوكياتهما وردود فعلهما في أحيان كثيرة،وقال: “إذا كانت استجابات الأطفالا لأكبر من سنهم تعرضهم لمواقف حرجة، فالحل الطبيعي أن يجلس الطفل برفقة أقرانه بشكل أكبر من جلوسه مع الكبار،لتكون استجاباته طبيعية وملائمة، مشيرا إلى أنه طور طبيعي يمر به أغلب الأطفال في فترة من الفترات،ويشير كذلك إلى أن الطفل متمرد بطبعه،يريد أن يتجاوز ويتخطى،ولا يعترف بالقيود والحواجز،وكثيرا ما يتقبل الأوامر من والديه على مضض،ويقلقه دائما إحساسه بأنه طفل،فهذا يعني أنه غير مسؤول، لذلك يؤكد كثيرا أنه كبير، ويستطيع أن يفعل كما يفعل الكبار،وليس هذا تمردا على طفولته،بقدر ما هو تمرد على محيطه والجدير بالذكر ان التقليد الاندفاعي في هذة المرحلة المبكرة من العمر غالبا ما يكون أكثر نجاحا لدى الطفل من التقليد المقصود فالأطفال قبل ان يصبحوا قادرين على استعمال اللغة عن قصد وتصميم يستطيعون في بعض الاحيان مثلا تقليد ترديد العبارات التي يسمعونها مصادفة تقليدا ببغاويا وتلقائيا ولكن يظل على أي حال تقليدا مفهوما