تعتبر شريفة لهشيلي ابنة مدينة ميلة نيل شهادة البكالوريا حلمها الذي يجب أن يتحقق يوما ما وهي التي قاطعت مقاعد الدراسة منذ سنة 1985 بعد إخفاقها في هذا الاختبار لتعود من جديد في سنة 2015 وهي تسعى لاسترجاع ما ضاع منها قبل عقود باجتيازها امتحانات هذه الشهادة ضمن فئة الأحرار مصرة على نيلها "ما دام في العمر بقية" كما قالت. وتبلغ شريفة من العمر حاليا 53 سنة وهي كما ذكرت أم ل4 أبناء أكبرهم عمره 28 سنة وأصغرهم 15 سنة و رغم تقدم في السن وكذا وضعيتها العائلية فإن ذلك لم ينل من عزيمتها وإرادتها القوية في خوض معركتها مع شهادة البكالوريا التي اجتازتها في الثمانينيات شعبة "آداب و فلسفة" ولم توفق فيها لتقاطعها بسبب " انشغالها بتكوين الأسرة وتربية الأبناء ومساعدة الزوج لمدة 30 سنة كانت طويلة حسبها- و لكنها لم تكن كفيلة بأن تنسيها إصرارها على الرغبة في نيل هذه الشهادة. ففي سنة 2015 عادت هذه السيدة إلى "حربها" مع "غريمها" البكالوريا فسجلت مع الأحرار وحضرت للشهادة محاولة بذلك -كما قالت- التوفيق بين التزاماتها في العمل كصاحبة ورشة خياطة وكربة منزل وكذا طالبة تحضر للبكالوريا فتلقت دروس الدعم و خصصت أوقات فراغ لمراجعة ما أمكن من الدروس وجعلت لنفسها شعارا أمام المناسبات والالتزامات الاجتماعية لربح الوقت واغتنامه في الدراسة: " أنا آخر من يحضر وأول من يغادر". ورغم عدم توفقها على مدار ثلاث سنوات متتالية -منذ 2015 إلى 2017- فهي لا تعتبر المناهج الحالية "صعبة مقارنة بالمنهاج الذي كان يدرس في الثمانينيات" -كما قالت- وها هي تعيد الكرة هذه السنة بمركز الإجراء الإخوة بلعريمة بمدينة ميلة وكلها أمل في تخطي هذه المرحلة. و المميز بالنسبة لها هذه المرة أنها تجتاز الامتحانات مع ابنتها التي تدرس تخصص تسيير واقتصاد ما جعل جو التحضيرات يملأ بيتها ويزيد من إصرارها -كما قالت- "لجعل الفرحة فرحتان بنيل الشهادة". وتتجه الوالدة و الابنة المرشحتان لبكالوريا 2018 كل صباح نحو مركز الامتحان وإحداهما تشجع الأخرى للإقبال بكل عزيمة وثقة على الامتحانات التي استسهلت بعضها على غرار مادة اللغة الانجليزية واستصعبت أخرى خلال اليومين الأول والثاني من الشهادة. وقد لا يبدو لمن يرى هذه المرأة للوهلة الأولى أنها تخفي إصرارا كبيرا على النجاح والإقبال على الجامعة بالنظر لسنها وانشغالاتها الكثيرة مع عائلتها وزبائن ورشتها إلا أن ما تحظى به من دعم وتشجيع من الزوج و الأبناء يدفعها ل "كسب التحدي الذي رفعته لنفسها وإخماد نار مشتعلة فيها منذ عقود " على حد تعبيرها. و ترد السيدة شريفة على كثير ممن انتقد إقبالها بعد ما مضى من السنين على الدراسة واجتياز امتحان شهادة البكالوريا بأن ذلك لا يقلل من عزيمتها ولا يجعلها تحيد عن هدفها ما دام في العمر بقية على حد تعبيرها. وهي لا تبتغي من هدفها هذا إن حققته عملا ما أو منصبا معينا لأنها مكتفية وراضية كما قالت- بالعمل بورشتها وعملها في مجال الطرز والخياطة كما سبق لها وعملت من قبل متعاقدة في عدة مؤسسات تعليمية كونها حائزة على شهادات في مجال الإعلام الآلي والمحاسبة والإدارة بل إن هدفها -كما أضافت- هو " التحصيل المعرفي والثقافة " مشيرة إلى الركن الذي خصصته بمنزلها للكتب والذي قالت أنها "تحرص يوميا على زيارته وتصفح ما أمكن من أوراق تلك الكتب تلبية لشغفها وحبها الكبيرين للمطالعة". ولا ترى السيدة لهشيلي ما يمنعها من الالتحاق بالجامعة والدراسة فيها إذا ما تمكنت من الشهادة مبدية تصالحا كبيرا مع نفسها و وضعها أمام من ستكون إلى جانبهم في الدراسة من طلبة بعمر أبنائها مستقبلا كما أنها ترغب في دراسة تخصص "إعلام واتصال" أو "علم الآثار" مؤكدة مقدرتها على التوفيق بين جميع التزاماتها. وتتوجه هذه "الأم الممتحنة" التي اعترفت لوأج بإحساس الرهبة الذي يتملكها قبل دخول قاعة الامتحان وتسارع دقات قلبها قبيل استلام ورقة الأسئلة بنصيحة لكل الذين يجتازون اختبارات هذه الشهادة بالتحلي بالثقة في النفس لنيلها لأنها -كما وصفتها- حق لا يضيع ما دام وراءه مطالب" حس قولها.