يحرص الطلبة المقبلون على اجتياز شهادة البكالوريا مطلع على وضع آخر الرتوش، وهذا بعد موسم كامل من الاجتهاد والاستمرارية في مراجعة الدروس، والمواظبة على الحضور في مقاعد الدراسة، ليبقى الجميع يركز على كيفية التفاوض مع الأيام الأخيرة قبل الخوض في امتحان العمر الذي يصفه الكثير بالمهم والحاسم. وفي حديث مع بعض الطلبة القدامى ممن كانت لهم قصص كثيرة من النجاح والفشل مع امتحان شهادة البكالوريا، فقد وصلوا إلى قناعة بأن هذه المسابقة تكتسي أهمية بالغة لأي طالب طموح يريد الذهاب بعيدا في مساره الجامعي حتى يكون بمثابة إطار المستقبل، يتيح له فرصة بناء نفسه معرفيا واجتماعيا، حيث أكدوا بأن امتحان البكالوريا يعد منعرج مهم في هذا الجانب، إلا أنه ليس مصيريا، وهو ما يتطلب التعامل والتفاوض معه بحنكة من الناحية النفسية على الخصوص، وهذا من خلال إبعاد شبح الضغط موازاة مع التحضير الجيد والتركيز اللازم، والحرص في الوقت نفسه على قوة الاسترجاع والتسلح بالجانب المنهجي الذي يسمح بتوظيف المعلومات اللازمة وفق الأسلة المطروحة من منطلق المثل القائل "فهم السؤال نصف الإجابة". ورغم أهمية النجاح لأول مرة في اجتياز عقبة البكالوريا، إلا العبرة في كيفية استثمارها للارتقاء في الحصول على شهادات عليا تعكس شخصية الفرد وإصراره على النجاح، وتضمنت التجارب السباقة على إخفاق الكثير من المترشحين في نيل "الباك" في عدة مناسبات، لكن إصرارهم على النجاح مكنهم من تجاوز هذا الحاجز، وهو الأمر الذي فتح لهم الأبواب نحو التألق والتميز، فالسيد نبيل تامعرات عاكسه الحظ لمدة 6 سنوات متتالية، لكن وبعد أن فك العقدة في العام السابع تمكن من الحصول على هذه الشهادة 3 مرات متتالية، وهو ما سمح له بنيل شهادة الليسانس في الحقوق، وأخرى في التاريخ، ويطمح إلى دراسة الأدب العربي بالبكالوريا الثالثة رغم إشكالية التوفيق بين العمل والدراسة، من جانب آخر لم يتسن لزكية مناصرة الحصول على شهادة البكالوريا إلى غاية بلوغها سن 32 عاما، وهو ما فتح لها الشهية هي الأخرى بنيل على 3 بكالوريات، وتوجت الأولى بليسانس في الفرنسية وأخرى بليسانس أدب عربي وثالثة في تخصص إعلام واتصال الذي أثرته بشهادة الماجستير التي ناقشتها بتميز في جامعة الجزائر. وفي السياق ذاته تمكن السيد عيسى بلخباط من خطف الأضواء على طريقته الخاصة، حيث اعتزل الدراسة وفي عمره 19 سنة قبل أن يعود إليها وهو في سن 28 بعدما حصل على شهادة البكالوريا، وهو النجاح الذي عبّد له الطريق لنيل شهادة الليسانس في الأدب العربي، ثم الارتقاء إلى مصاف الماجستير التي توج بها مؤخرا في جامعة بسكرة. عينة أخرى تستحق أن تكون قدوة في المثابرة والإصرار على النجاح، ويتعلق الأمر بالسيدة صليحة سبقاق من تقرت التي راودتها فكرة العودة إلى مقاعد الجامعة وهي في العقد الرابع من عمرها، وتمكنت من الحصول على شهادة الليسانس من جامعة ورقلة، قبل أن تتألق في مسابقة الماجستير خريف العام 2013 في جامعة سطيف، وتزامن نجاحها في مسابقة الماجستير مع تخرج ابنها الأكبر كمهندس دولة ونال ابنها الآخر شهادة البكالوريا لتكون الفرحة 3 فرحات وسط عائلة السيدة صليحة سبقاق. من جانب آخر، سجلنا عينات لطلبة وفقوا في شهادة البكالوريا، وحصلوا على شهادة الليسانس بصورة عادية، لكنهم فضلوا العودة مجددا إلى مقاعد الجامعة للبرهنة في تخصصات جديدة تتيح لهم فرصة البروز في الدراسات العليا، مثلما قام به عمار شوشان ومختار بروال اللذان تحولا من التخصص التقني إلى مجال علم النفس، وهما الآن يدّرسان في جامعتي باتنة وأم البواقي على التوالي، والكلام نفسه يقال على يوسف بن يزة الذي غير الوجهة من الاقتصاد إلى علوم سياسية، ونال منذ سنتين شهادة الدكتوراه في التخصص الأخير. والواضح هو أن النجاح في امتحان البكالوريا يعد مكسبا مهما لأي فرد، ويخلف موجة من الأفراح والارتياح وسط العائلات الجزائرية، وهو ما يتطلب التفاوض بشكل جيد مع مثل هذه الامتحانات التي تصنف في خانة المهمة والحاسمة، بشكل يتطلب جهودا نوعية في الدراية والمراجعة والتركيز، مع مراعاة الجانب النفسي وتوظيف الأجواء المريحة لتحقيق طموح الفرد والعائلة على حد سواء.