أجمع الممثلان جمال بوناب وإبراهيم شرقي لدى نزولهما، نهاية الأسبوع، ضيفين على ''الخبر''، على أنه ''من الصعب إدراج مسرحية ''مجلس التأديب''، ضمن نسق مسرحي معيّن، كون رؤيتها الإخراجية الذكية وفكرتها الفلسفية المعمّقة، جعلاها تؤرّخ لأولى كلاسيكيات مخرجها ومؤلفها سليمان بن عيسى''. اعترف الممثل إبراهيم شرقي، منتحل شخصية ''كوهين'' في ''مجلس التأديب''، أن ميلاد المسرحية عرف مخاضا عسيرا، تعود أولى بوادره إلى تسعينيات القرن الماضي، حين ''نجح سليمان بن عيسى في تقديمها ركحيا، رفقة كوكبة من الممثلين الجزائريين والفرنسيين، بعدد من المسارح الفرنسية والبلجيكية، بعد أن أقنع المجلس الإداري الفرنسي بفكرتها المتمثلة في كشف بعض الحقائق التاريخية التي دارت رحاها بمدينة عنابة سنة 1958، والتي كان بن عيسى شاهدا عليها آنذاك، باعتبار أن المنعرج الحاسم لمجرياتها، يتجلّى في الحادثة التي جمعت ما بين التلميذ الجزائري ''عتمورث'' ونظيره الفرنسي ''جاكومينو''، اللذين كانا يدرسان بنفس الثانوية التي التحق بمقاعدها سليمان بن عيسى''. مضيفا: ''لقد عرضت المسرحية أزيد من 150 مرة في فرنسا، رغم جل العراقيل التي حاولت إجهاضها، بما فيها النظام الداخلي الذي ينتهجه القطاع هناك، كمسألة الموافقة والحجز والبرمجة وغيرها من الإجراءات الصارمة المعمول بها في الضفة الأخرى''. على الجهات الوصية استئصال ''الأقلام المستأجرة'' ومن جهته، أوضح الممثل جمال بوناب الذي تقمص دور ''الناظر'' في المسرحية ذاتها، التي تكفل بإنتاجها يوسف حمّي بالشراكة مع مؤسسة التلفزيون الجزائري، أنه ''رغم كل هذه المعطيات، إلاّ أن بن عيسى تمكّن من حجز مقعد له في زحمة الموجود''. في إشارة منه إلى جدّيته في العمل وكذا روح المبادرة التي يتّسم بها، ''ولعل هذا ما يقودنا لإثارة نقطتين هامتين نأسف كثيرا لغيابهما في الجزائر، هما النقد والتوثيق المسرحيين. حيث إن هذه الثنائية التي تكاد تكون شبه منعدمة بمؤسساتنا المسرحية، أضحت تنذر بكارثة حقيقية ينبغي على الجهات الوصية إيجاد حلول عاجلة لها، حتى يتسنّى للعارفين بخبايا هذا الحقل، حياكة أعمال تليق بمستوى خشبتنا التي كان يقتدى بها فيما مضى. وعن أهمّ الخطوط العريضة التي بنيت عليها مسرحية ''مجلس التأديب'' التي احتضنت، مؤخرا، قاعة ''الأطلس'' في الجزائر العاصمة، عرضها الشرفي، استهلّ شرقي بذكر طاقهما الفني المشكل من شخصه (كوهين)، جمال بوناب (الناظر)، مصطفى عياد (سلطانا)، محمد أرسلان (بيار)، عبد الحميد رماس (موزير) وسليمان بن عيسى (الطاهر). معلقا: ''لا وجود لأدوار ثانوية في المسرحية، لقد تقاسمنا جميعا أدوارا رئيسية شكلت في آخر المطاف دور البطولة. علما أن بن عيسى أصاب في انتقاء الممثلين المناسبين لها، بالنحو الذي جعل مستوى الأداء يكون متقاربا''. كنا أوفياء للرؤية الإخراجية مائة بالمائة وبشأن فحوى العرض، نبّه المتحدث نفسه إلى أن ''نص المسرحية مقتبس عن حادثة واقعية، أجبرت مدير إحدى الثانويات الواقعة في عنابة، على عقد اجتماع طارئ مع جميع الأساتذة العاملين بها، بغية تدارس ملف التلميذين ''عتمورث'' و''جاكومينو''، قبل أن يأخذ أبعادا أخرى، ولا سيما في ظل تشنّج العلاقات بين الأقدام السوداء والجزائريين في تلك الحقبة تحديدا، حيث تمّ استدعاء كافة الأطراف، على اختلاف معتقداتهم وتباين إيديولوجياتهم، لحضور مجلس تأديبي يضع حدّا نهائيا للمناوشات المتكرّرة ما بين التلميذين''. ويواصل شرقي: ''وهي النقطة الحاسمة التي ارتأى المخرج تسليط الضوء عليها طيلة ساعة ونصف من العرض، بلغتنا العامية التي تتخللها بعض الألفاظ الناطقة بالفرنسية، وسط ديكور ثابت، ينمّ عن عربة حربية مركونة بإحدى الغابات التي أرادها بن عيسى فضاء لترجمة أحداث المسرحية التي حرّكناها وفق رؤيته الإخراجية، بعيدا عن أيّ أنانية أو نرجسية. لذا أعتقد أننا جميعا كنا أوفياء مائة بالمائة للخط الدرامي الذي سطره المخرج، دون مزايدة أو مغالاة، خصوصا أثناء المشاهد المنوطة بتعرية الصراعات الإيديولوجية التي كانت قائمة إبّان الحقبة الكولونيالية''. متابعا: ''لقد اشتغل المخرج على إسقاط هذه العيّنة الصغيرة ممّن أداروا مجريات المسرحية، على المجتمع ككل. وهنا تحديدا نجد أن القراءات تختلف من شخص لآخر، الأمر الذي يقودنا للقول بأن قوّة العمل تكمن في هذا السياق، أي في القراءات والإسقاطات التي تتعدّد أبعادها من حيث ثلاثية المكان والزمان والوجود''. بن عيسى كان ذكيا للغاية في طرح فكرته الفلسفية وعلى الصعيد نفسه، أكد إبراهيم شرقي أن الطريقة التي طرح بها المخرج فكرته الفلسفية خلال هذه المسرحية ''كانت ذكية للغاية، فهي لا تنحصر ضمن نسق مسرحي معيّن، على غرار المسرح التاريخي والوثائقي، بل يتعدّاه إلى أبعد من ذلك، أو بالأحرى إلى درجة تجعلني أجزم فيها بأن ''مجلس التأديب'' أرّخت لأولى كلاسيكيات سليمان بن عيسى''. ليعقب بوناب بقوله: ''أجل، إن هذا العرض المتكامل الذي أعتبره قفزة نوعية في مشوار بن عيسى المسرحي، قد ألمّ بأطياف مسرحية عديدة، عبّدت له الطريق لتصنيفه ضمن بوتقة أولى كلاسيكياته''. ومن منظور آخر، نوّه جمال بوناب بالعقد الذي يلزم مؤسسة التلفزيون الجزائري، حسب ما تضمّنه نصه، بتسجيل المسرحية كاملة وإعادة بثّها على ''الشاشة الصغيرة''، فضلا عن فتح نقاش حولها وبرمجة جولات فنية لها. علما أن ''الشطر الأول من العقد تمّ تنفيذه، أما الشطر الثاني فنأمل في تجسيده قريبا، حتى يتسنّى لهواة الفن الرابع مشاهدة العرض عبر كامل أرجاء الوطن''. مستطردا: ''لقد تزامن بثّ المسرحية مع إحدى سهرات شهر رمضان المنصرم، في حدود الحادية عشرة والنصف ليلا، دون أيّ إشهار أو دعاية مسبقة. وعليه تجديننا نطمح لإعادة بثّها مجدّدا وفي توقيت معقول''. ليردف شرقي موضحا: ''صحيح أننا نشجّع مثل هذه المبادرات التي يتبنّاها التلفزيون، ولكن بالمقابل يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة المعالم، تحمل على عاتقها تسجيل المسرحيات الحالية وإعادة بعث القديمة منها، ومن ثمّة التعريف بما تختزنه الخشبة الجزائرية من أعمال قيّمة تستحقّ نفض الغبار عنها''.