أعادت القائمة التي أعلن عنها المدرّب الوطني الجديد عبد الحق بن شيخة، والتي حملت جملة من المفاجآت، الحديث عن السياسة الحقيقية التي تنتهجها الاتحادية منذ عودة محمّد روراوة لتولي شؤون ''الفاف''. قائمة ال22 لاعبا التي مزجت بين المحليين والمغتربين، محت سياسة ثلاث سنوات منتهجة من طرف الطاقم الفني السابق بقيادة رابح سعدان على رأس المنتخب الوطني، وأسقطت نهائيا ورقة المحترفين وكل ما يأتي من وراء البحار دون سابق إنذار، ليتم التحوّل بسبب مباراة واحدة من النقيض إلى النقيض في رحلة البحث عن النتائج وإنعاش حظوظ المنتخب الوطني في التأهّل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا 2012 قبل موعد المباراة المهمّة أمام المنتخب المغربي في مارس المقبل. خسارة بانغي تقضي على سياسة دامت ثلاث سنوات ورغم أن رئيس الاتحادية ثمّن أكثر من مرة ''الدعم النوعي'' للاّعبين المغتربين، واستدل أيضا بجهوده في دفع الاتحادية الدولية لكرة القدم على تغيير القوانين المتعلقة باللاّعبين مزدوجي الجنسية فيما اصطلح على تسميته ب''قانون الباهاماس''، وما ترتّب عنه من ''مكاسب'' للمنتخب الوطني بضمّه لمغني ولحسن ويبدة وغيرهم من اللاّعبين القادمين من الضفة الأخرى وكسب تأشيرتي التأهّل إلى نهائيات كأسي أمم إفريقيا والعالم 2010، إضافة إلى ''إسقاط'' كل ما هو محلي، من خلال إجراء التربّصات خارج الوطن والتنقّل أيضا إلى الدورات النهائيات من غير أرض الجزائر، وتدعيم الطاقم الطبي بالخبرة الأجنبية، إلاّ أن رحيل رابح سعدان أو دفعه إلى الرحيل من المنتخب، ترك الانطباع بأن السياسة المنتهجة منذ 2007 والتي سمحت لرئيس ''الفاف'' بالعودة إلى الواجهة، كانت مختصرة في شخص سعدان فقط وبمدى تواجده على رأس المنتخب، وبأن الاتحادية لا تتبنّى سوى ''الحلول الظرفية'' وبأن الضغط كفيل بتغيير السياسات بين عشية وضحاها. ''الخضر'' من النقيض إلى النقيض وبالعودة إلى الوراء، وتحديدا عقب رحيل المدرّب رابح سعدان في سبتمبر الماضي عقب التعادل المسجل أمام منتخب تانزانيا بملعب البليدة، فإن عدم قدرة الاتحادية على انتداب مدرّب أجنبي من العيار الثقيل، مثلما أعلنت عن ذلك، أو رفضها لذلك، واكتفائها مرّة أخرى بالخبرة المحلية، وتعيين مدرّب المحليين على رأس المنتخب الأول، طرح عدة تساؤلات حول نوايا الاتحادية ورئيسها. فبين طريقة رحيل سعدان المتمسّك بسياسته وطريقة الاستقرار على بن شيخة، تجلّت ملامح سياسة الاتحادية التي تميل نحو التحكّم في زمام العارضة الفنية وإبداء رأيها في عدة نقاط مهمّة تتعلّق بالمنتخب، وليس في رسم سياسة بعيدة المدى لإبقاء ''الخضر'' ضمن مصاف الكبار وتحسين نتائج المنتخب المونديالي، كون الاتحادية تفكّر في النجومية أيضا وتنافس اللاّعبين والمدرّبين في ذلك، وهو واقع يصعب تصوّر حدوثه مع مدرّب أجنبي. ثم إن الاتحادية وافقت، قبل موعد التنقّل إلى جنوب إفريقيا، عل إجراء التربّص التحضيري بالجزائر وليس بأوروبا على غير العادة، ووافقت أيضا على رحيل المساعد السابق للمدرّب رابح سعدان، ونقصد به زهير جلّول، وهو المتعاقد مع ''الفاف'' إلى غاية 2012، في وقت تم تبرير بقاء جلّول بضمان الاستمرارية في العمل. الاتحادية سارعت أيضا إلى تغيير الملعب قبل أيام على موعد مباراة رسمية أمام تانزانيا، بسبب ضغط جمهور ملعب 5 جويلية الأولمبي، عقب الخسارة أمام منتخب الغابون في مباراة ودية. ولم يعد تغيير الملعب بالفائدة على ''الخضر''، ولم يكن أبدا للعودة إلى ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة الأثر الإيجابي المعهود على نتائج المنتخب قبل المونديال، حيث اكتفت التشكيلة الوطنية بنقطة التعادل. ما أكد بأن الخلل لم يكن أبدا في الملعب. المنتخب الوطني عرف تغييرا حتى في خطة لعبه، فتحوّل من 3/5/2 للشيخ سعدان التي قادتنا إلى المونديال، إلى 4/4/2 مع المدرّب الشاب بن شيخة التي ألحقت بنا الهزيمة في بانغي، وعرف أيضا بعد مخلفات تسعون دقيقة تاريخية في إفريقيا الوسطى، بأننا كنّا مخطئين في بعض ركائز المنتخب الذين قادوا التشكيلة الوطنية إلى المونديال، وحظوا بثقة المدرّب السابق رغم كل المشاكل، ووجدوا تسهيلات من سعدان للاشتراك في المناصب التي تناسبهم، ورسم الخطة حسب مؤهلاتهم، ووجدوا أنفسهم بعده، ضمن خطة تكتيكية عجّلت برحيلهم. اليوم، شمل التغيير عدّة جوانب من المنتخب الوطني ومحيطه، فبعد غياب شبه كلّي لتمثيل اللاّعب المحلّي في المنتخب الأول، أصبحت التشكيلة الوطنية تضم ثمانية لاعبين محليين، وهو كمّ معتبر قد يكون بمثابة إعادة الاعتبار للاّعب المحلي في انتظار تجسيده للثقة الموضوعة فيه، غير أنها ستعيد الجدل من جديد عن الهوّة الموجودة بين المغتربين والمحليين، وقد يكشف عورات ''البضاعة المحلية'' على أعلى مستويات المنافسة الكروية، وسيقطع الشك باليقين في مارس المقبل، بين السياسة الأكثر نجاعة، لسعدان أم بن شيخة، وستكشف المباراة أيضا إن كان للاتحادية سياسة حقيقية لبناء منتخب قوي، أم أنها تعتمد على القرارات الارتجالية والتغييرات الجذرية من أجل تحقيق النتائج التي تقي الاتحادية شرّ الانتقاد.