عباد الله.. أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله عزّ وجلّ امتثالاً لقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِح لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِر لَكُم ذُنُوبَكُم، وَمَنْ يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}، وتحقيقًا لقول المصطفى، صلّى الله عليه وسلّم، حين أوصانَا بوصيته الجامعة المانعة: ''اتّقِ الله حيثُما كنت، وأتْبِع السّيِّئة الحسنة تَمْحُها، وخالِق النّاس بِخُلُق حسن''. وإنّه لمّا كانت عبادة الله ليست مقصورة على مناسبة ولا مربوطة بزمن يقتضي فيه المناوبة، ولا محصورة في طاعة من الطاعات، بل الحياة كلّها محراب للعبادة يفرح فيها المسلم بكلّ عملٍ يُقرِّبهُ من الله، وكلّ خطوة يخطوها نحو جلال الحق سبحانه، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَاْلإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُون، إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوّةِ الْمَتِين}، وكلّما فتح الله أبواب التّوفيق لعبده للعمل بمحاب الله واجتناب نواهيه، كلّما غمرته سعادة لا تُوصَف، ولبِسهُ فرح لا ينتهي، وذاق لذّة لا تنقضي، فهو في عيد تدوم آناؤه وتستمر أحيانُه، لأنّ أعياد النّاس تنقضي وتنتهي وتتلاشى، أمّا أعياد العارفين فدائمة، قال الحسن البصري رضي الله عنه: ''كلّ يوم لا تعصي الله فيه فهو لك عيد''. جاء رجل إلى أحد الصّالحين فَسَلَّمَ وقال: أريد أن أُكلّمك. فقال: اليوم لنا عيد. فتركه، ثمّ جاء مرّة أخرى فقال له مثل ذلك، فقال: ما أكثر أعيادك. فقال العارف: يا بطّال، أمَا علمتَ أنّ كلّ يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد.. فأعياد أهل التّقوى وعباد الله الصّالحين كلّ لحظة يأنسون فيها بِذِكر الله، وكلّ لحظة يراقبون فيها مولاهم، ومناجاتهم له سبحانه قِمَّةَ الفرح ومنتهى السُّرور. قال الشاعر: عبدي مقيمٌ وعبد النّاس مُنْصَرفٌ والقلبُ منِّي عن اللّذات مُنْحَرفٌ ولي قرينان مالي منهما خَلَف طول الحنين وعينٌ دَمْعُهَا يكِفُ وفي بعض الآثار: يقول الله تعالى: ''عبدي ما أنصفتني أذكرك وتنساني، أدعوك إليَّ وتفرّ منّي إلى غيري، وأذهب عنك البلايا وأنت منعكف على الخطايا، يا ابن آدم ما يكون اعتذارُك إذا جِئتني، طوبى لمن أجاب مولاه: يا قومنا أجيبوا داعي الله''.. {اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}، فلا عزّ إلاّ في طاعته، ولا سعادة إلاّ في القرب منه، فداوموا على طاعة الله أبدًا، واتّقوا الله ما استطعتُم، فإنّه سبحانه وتعالى يغفر الكثير من الزلل، ويقبَل اليسير من العمل ''وأحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ''. - اعلموا عباد الله أنّ الله أمَرَ بأمر بدأ فيه بنفسه وثني فيه بملائكة قُدسه، فقال ولا يزال قائلاً في كتابه: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْليمًا}، اللّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا. عباد الله.. ما أحسن الحسنة بعد السّيِّئة تمحوها، ولكن أحسن من ذلك الحسنة بعد الحسنة تتلوها، فاسألوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوّذوا من تقَلُّب القلوب، ومن الجُور بعد الكُور، وما أوحش المعصية بعد عزّ الطاعة وما أقبح المعصية بعد الحسنة تمحقها وتدسّها، والكيِّس مَا دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني. اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.