يكشف مغني الفناوي، المعلم مجبر، معالم توجهاته الجديدة لخلق ما أسماه موسيقى فناوي هادفة، والذي كان نتيجة أبحاث قام بها سعيا وراء اكتشاف هذا الفن، إلى جانب خلاصة تجربة تعاطيه مع هذه الموسيقى الروحية. وذكر في هذا الحوار المقتضب مع الخبر، أنه سيسعى لتطعيمها بمسحات خاصة به، سيكتشفها جمهور الفناوي مع ألبومه الجديد ''مالي'' الذي سيصدر خلال أيام. ما دافعك الحقيقي لاعتناق الفناوي، وكيف تقيم بداياتك مع هذا الفن؟ - أرى في الفناوي موروث ثقافي، لا يمكني الاستغناء وتجربة فريدة من نوعها، خضت غمارها منذ الصبى، كما شكلت حماية هذا الموروث، هاجسي الوحيد، وكبرى اهتماماتي، خصوصا بعد اكتشافي لأسراره الروحانية التي لا يدركها إلا من تمرس جيدا على الطبع من الموسيقى. أما عن ارتباطي بفن الفناوي، فكانت البداية حين بدأت البحث في سيرة جدي المدعو ''مجبر''، والذي يعتبر من أوائل المتعاطين مع هذا الفن ببشار، إلى درجة أنه اشتهر بالعزف على القمبري، إلى درجة خلق فيها حالة من التعلق به وسط محبيه، عندها قررت اكتشاف هذا الفن، عبر اقتحامي عالم الموسيقى، الذي بدأ مع فرقة السد لمدة 13 سنة، والتي كان أفرادها يقلدون الفرق الفلكلورية، وبعض الفرق المغربية كفرقة جيل جيلالة، ناس الغيوان، المشاهب، إلى درجة وصفت فيها هذه الفرقة ب''مشاهب الجزائر''، كما أحيينا العديد من الأغاني التراثية، كأغنية ''سيدي بن بوزيان'' التي لقيت شهرة كبيرة، ثم ما لبثت أن أجبرتني الظروف على الانفصال عن هذه الفرقة، بعد زواجي سنة 1988، حيث قررت الاستقرار نهائيا بمدينة بشار، ومن ثم قررت التوجه لفن الفناوي، لكن بعد مروري بخطوات رسمتها قبل التعاطي الفعلي مع هذا الفن. ما هي هذه الخطوات؟ - أولى هذه الخطوات أنني قضيت فترة قاربت 5 سنوات خصصتها فقط للبحث فيما يتعلق بفن الفناوي، وكانت أبحاث استوقفتني عند الكثير من أسرار هذا الطابع الفني الروحي، عززت تعلقي به، ليتطلب مني ذلك برمجة رحلات عديدة في الفترة 1992-1994 إلى باريس لربط علاقات فنية، وكانت من الأمور التي شجعتني على العمل في إحداث تغييرات في نمط الفناوي، ومحاولة مزج إيقاعاته مع إيقاعات المنطقة، كما يعد الفناوي عند المعلم مجبر مقتصرا على مجرد أهازيج ورقصات، بل بات يتضمن قصائد لشعراء المنطقة، من القنادسة والعبادلة ووادي الساورة. لكن هل استطاع المعلم مجبر إحداث هذا التغيير؟ - نعم وفقت في إحداث هذا التغيير، الذي كان مقصده بناء قصيدة هادفة، وبالفعل كان لهذا الاجتهاد الشخصي ثماره، من خلال القدرة على المزج بين طبوع الأهاليل وإيقاع الشلالي، تمخض عنه إنتاج ألبوم كرزاز، الذي حققت فيه أغنية الخيول السرتية نجاحا لم أكن أتوقعه أبدا. ولن تتوقف هذه التجربة، لأنني سأسعى لتوظيف التقنيات الحديثة لأنني أؤمن بأن التكنولوجيا هي من ساهمت في إيصال هذا الفن إلى مصاف الفنون العالمية. في المقابل، هناك من يعتبر أن هذا الفن لا يحظى بإقبال في ظل طغيان الأغنية الشبابية؟ - لا أشاطرك الرأي، ولك أن تحضر السهرات التي نقيمها هنا وهناك، وعندها تدرك أن هذا الكلام، لا أساس له من الصحة، أما نسبة الإقبال على شراء ألبومات فرق الفناوي، فلا تتصورها، وبالتالي فهناك قطاع كبير من الشباب بات مولعا بطابع الفناوي، ولو توفرت له الفرصة، أعلم بأنه سيفجر طاقاته الإبداعية، هذا وإن كنت هنا لا أزال مصرا على رأيي على ضرورة تطهير هذا الفن من الفرق الطفيلية التي أساءت كثيرا لهذا الفن. ما جديدك على مستوى الحفلات الفنية؟ - جيد، لأنني كنت أنتظر هذا السؤال لأبشر جمهوري بتوقفي عن برمجة أي حفلة في المستقبل، حتى أتفرغ لإصدار الجديد، لأنني سمعت شائعات هنا وهناك تتحدث عن أن المعلم مجبر توقف عن إصدار الجديد، ولم يعد له سوى أغان يرددها هنا وهناك، وبالتالي ففي سبيل وضع حد للشائعات، قررت التوقف مؤقتا عن إحياء الحفلات حتى أصدر عددا من الألبومات الفنية الجديدة، لكن هناك بعض الأعمال الدرامية المشتركة مع شركة الموال القطرية، وهي شركة معروفة باهتمامها بالمسرح، وقد أعجب القائمون عليها بفكرة إدخال نمط الفناوي ضمن الأعمال المسرحية، عبر توظيف ألة القمبري، وبالتالي فتفكيري منصب حاليا في الاستعداد لإصدار ألبومي الجديد، وعدد من الأغاني التي سأشارك فيها بمناسبة تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية. وهل يمكن لقراء ''الخبر'' معرفة هذا الألبوم الجديد؟ - هذا الألبوم حمل عنوان ''مالي'' يتضمن تسع أغان، سيتولى ابني الأكبر أداءها جميعا، وسيلمس فيها الجمهور تغييرا في نمط أداء الفناوي، وفق رؤيتي الخاصة، التي أسعى من خلالها إلى إخراج الفناوي من إطاره المحلي إلى رحاب العالمية، وإخراج هذا الفن من طابعه الفلوكلوري إلى الوسط الأكاديمي والعلمي لاكتشاف أسرار هذا الفن العريق. وسأترك الفرصة للجمهور وللنقاد تقييم هذه التجربة، التي اكتشفت فيها أن ابن المعلم مجبر، رغم حداثة سنه، أظهر قدرات رائعة في التعاطي مع هذا الفن، من خلال عزفه المتقن على آلة القمبري. من هو المعلم مجبر؟ اشتهر على الساحة الفنية، باسم ''المعلم مجبر''، واسمه الحقيقي بن مجباري مجبر. من مواليد 1960 بمدينة القنادسة. ترعرع فيها ونشأ بها. وقضى فيها مختلف مراحله التعليمية التي ختمت بحصوله على وظيفة أستاذ في التعليم المتوسط. استقر في مهنة التعليم لمدة 17 سنة. وبعد ذلك تخلى عنها ليتفرغ لهوايته وهي الموسيقى وتحديدا موسيقى الفناوي.