استطاعت المخرجة الشّابة رحمة بن حمو مدني التّعمق في الطرح، والغوص بعيدا في تجربة موسيقى الفناوي، ملامسة عوالم أهم الفاعلين فيها، ونقل صور جد مؤثرة في فيلمها الوثائقي ''تاغناويتيد'' الذي تمّ عرضه، مساء أول أمس، بقاعة الموفار، بالجزائر العاصمة. ينطلق الفيلم نفسه من استعادة بعض جوانب تجربة فرقة ''فناوة ديفيزيون'' (1992 2007)، مع التّركيز على الفنان أمازيغ كاتب الذي يسرد بعض الشذرات من عمله الفني، بدايات التأثر بعالم الفناوة، وشغف التّحديث الذي يبقى مطلبا مهما في مسيرته الإبداعيّة. وتنقل المخرجة بن حمو لقاء جد حميمي يجمع بين أمازيغ كاتب والمعلم بن عيسى، على هامش إقامة إبداعية بمدينة ''روبيه'' الفرنسية سنة 2005 هناك أين يحاولان المزج بين القناوي الأصيل، التقليدي والفناوي الحديث الذي يمتزج مع الروك والبلوز. وتعلّق المخرجة على هذا التّمازج، في حديث مع ''الخبر'': ''يتميز الفناوي بخصوصية فريدة، لقد استطاع، من جهة، الحفاظ على الجانب الأصيل المتوارث عن الأجداد، مع الانسجام، من جهة أخرى، مع مكونات الثقافة المهينة التي يتعايش ويعيش ضمنها'' وتضيف: ''مما سهّل عليه سبل الانتقال عبر المجتمعات والبقاء والصّمود في مواجهة التحوّلات اليومية''. وقامت المخرجة، بغية إنجاز الفيلم نفسه على مدار ثمانين دقيقة، بالتّنقل عبر مناطق عدّة، من ''روبيه'' و''غرونوبل'' وباريس بفرنسا، إلى سيدي بلعباس، الجزائر العاصمة وتيميمون بالجزائر والصويرة ومراكش بالمغرب. كما تنقل شهادات مهمة، عن تجربة الفناوي، بين ضفتي المتوسط، بألسن بيار فوجي وعزيز ميسور، عضوي ''فناوة ديفيزيون'' سابقا، إضافة إلى عدد من ''المعالم'' في المغرب. واستطاعت كاميرا بن حمو أن تنفذ إلى عوالم الفناوي المغلقة، أين تُمارس كثير من الطقوس التي ترمز للطابع الروحاني والبعد الصوفي في الموسيقى نفسها، وهي طقوس متوارثة منذ القدم، أوجدتها ووحدتها خصوصا قبائل الجنوب. ويصوّر الفيلم مشاهد قد يكون من الصّعب استساغتها من طرف ذوي القلوب الضّعيفة، أين نشاهد رجالا ونساء في قمة الانغلاق في ''الحضرة''، يطعنون أجسادهم بالخناجر ويطوفون حول البخور ويتبرّكون بالأولياء الصّالحين. وهو مسعى بادرت إليه المخرجة واستطاعت، من خلاله ومن خلال ما جاء في الفيلم إجمالا الذي اشتغلت عليه طيلة السنوات الخمس الماضية، نقل صورة واضحة، عميقة، متعددة عن موسيقى الفناوي، التي ما تزال حاضرة في تنوّع الطبوع الموسيقية المغاربية. وكشفت بن حمو، في ختام حديثها مع ''الخبر''، أنها شرعت، في الوقت الحالي في العمل على فيلم وثائقي جديد ذي طابع موسيقي، حول العازف الفرنسي، أصيل وهران، ''بيار بن سوسان''.