يرى المحامي، ورئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، أن قرار الاتحاد الوطني للمحامين، مقاطعة المحكمة العليا لمدة أسبوع بداية من اليوم، ''وإن جاء متأخرا وجزئيا ومبنيا على أسس واهية مقارنة بما يعانيه المحامون، يعبّر عن جانب من الأزمة التي يعيشها جهاز القضاء منذ سنوات''، ويقول إن القاضي يعيش ضغط الكم كما يعيش المحامي هاجس ''الاختصار''. ما خلفيات قرار المقاطعة برأيكم؟ القرار وإن كان مبنيا على أسس واهية ومتأخرا، إلا أنه يعبر عن أزمة طالت كل الفاعلين الأساسيين في العملية القضائية والمتقاضين. جهاز القضاء في بلادنا ضحية تصور خاطئ للمشرفين عليه الذين ركزوا على إصلاحات شكلية ظاهرية ارتكزت على الجانب المادي دون النوعي.. حقيقة، المواطن يكون مسرورا لما يتسلم شهادة الجنسية في وقت قصير، كما يسر بتسلمه شهادة السوابق العدلية في مدة قصيرة، لكن ما ينتظره المواطن من الحكم هو محتواه ومدى غوصه في البحث عن الحقيقة. لكن بكل أسف، الكثير من الأحكام التي تصدر باسم الشعب الجزائري، الشعب الجزائري غير راض عنها، كون القاضي يصدر أحكامه في جو تتقاطع فيه الضغوط. فهو مطالب بالنطق بأكبر قدر من الأحكام، ويحاسب على الكم، ولا يحاسب إطلاقا عن الكيف، أي أن مهمة القاضي أصبحت إصدار الأحكام وليس تحقيق العدل. تتحدّثون عن ''أزمة''، ما نصيب مهنة المحاماة منها؟ المحامي عنصر أساسي في العملية القضائية، وخاصة لما يلتزم بالقسم الذي أداه، إلا انه اليوم، وفي القضايا الجزائية مطالب بالاختصار، لأن القاضي ملزم بالنظر في مئات القضايا في جلسة واحدة، إن كان القاضي لا يقيم بمقر المحكمة أو المجلس، وبالتالي فهو يبرمج وقته على الوقت الذي يراه كافيا لرجوعه لمنزله في ظروف حسنة. أما إذا كان القاضي يقيم بمقر المحكمة أو المجلس فقد تستمر الجلسة إلى بعد السادسة مساء، وفي كلتا الحالتين القاضي يعيش حالة تتقاطع فيها الضغوط النفسية المتعلقة بإحساسه بواجبه كقاض مطالب بتحقيق العدل، وضغط الوقت غير الكافي من أجل ذلك، وضغط رؤسائه الذين يطالبونه ''بالمردودية الكمية'' حتى محكمة الجنايات التي كانت ميدانا فسيحا للمرافعات والتباري الإجرائي فقدت هيبتها وصارت كغيرها من المحاكم. وبعض القضاة يتقززون لما ينطلق المحامي في التحليل القانوني والعلمي، وبعض المحامين توبعوا جزائيا لأنهم تركوا بطاقة زيارة لموكلهم في مؤسسة إعادة التربية. يعني أن هناك إضعافا لدور المحامي؟ هناك فرضيتان، فرضية تنطلق من مبدأ حسن النية، وتتعلق بالنهج المتبع في التعامل مع الدفاع كعنصر أساسي من عناصر المحاكمة العادلة، بحيث أن القائمين على جهاز العدالة، أهملوا هذه الركيزة، عن حسن نية. وبالتالي ما عليهم إلا إصلاح الخطأ. والفرضية الثانية أن الأمر مقصود ويتعلق بالتركيز على عدالة ''الحفاظ على النظام العام'' على حساب عدالة ''البحث عن الحقيقة''. هل هذا الوضع أثر على نوعية الأحكام ؟ نعم، تحت ضغط الكم، واهتمام وزارة العدل بالكم على حساب الكيف، والمساءلات التي يتلقاها القضاة، في حالة عدم تحقيق ''المردودية الكمية''، اضطر الكثير من القضاة للتخلي عن احترام الكثير من الإجراءات الجوهرية مثل سماع الأطراف بصورة دقيقة ومفصلة وقراءة التقارير قبل وضع القضية في المداولة، وحرمان المحامي من المرافعة بالصورة التي يريدها هو، ورفض طلب تأجيل بعض القضايا رغم جدية الطلب.. إن المحكمة العليا صارت لا تبلغ المحامين لا بتاريخ الجلسة ولا بالقرار الصادر في القضية. وقد تجد في مسألة واحدة عدة قرارات متناقضة. والحل في رأيكم؟ لابد من توفير المناخ الملائم لممارسة القضاء. هذا المناخ يتوفر لما تتحقق ثلاثة شروط، قاضي مستقل، ودفاع حر وقوي، ومواطن له كل ضمانات الاستفادة من خدمات جهاز القضاء والحقوق التي يضمنها له القانون.. بكل أسف قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد وضع عراقيل أمام المواطن، الذي يريد اللجوء للقضاء.. التكاليف المادية حرمت الكثير من حقهم في اللجوء للقضاء. كما لا بد من توظيف قضاة بالعدد الكافي لمواجهة العدد المتزايد للقضايا، وليس إرغام القاضي على الفصل في أكبر عدد من القضايا على حساب إقامة العدل.