الانتحار محرّم تحريمًا قطعيًا، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء: 29، وجزاء مَن يقتل نفسه مبيَّن في قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَل ذلك عُدوانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا} النساء: 30، وذلك لأنّ حفظ النّفس كلية من بين الكليات الخمس الكبرى الّتي جاءت الشّريعة الإسلامية لحفظها، حتّى إنّه يحرم تمنّي الموت فكيف بالانتحار؟!! فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ''لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضُرّ أصابه.. فإن كان لا بُدّ فاعله فليقل: اللّهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي'' أخرجه البخاري ومسلم. فالحفاظ على الحياة واجب مقدس، وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال ''مَن تردّى من جبل فقَتَل نفسه فهو في نار جهنّم يتردّى فيها خالدًا فيها أبدًا، ومَن تحسى سُمًا فقَتَل نفسه فسُمّه في يده يتحسّاه في نار جهنّم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا'' أخرجه البخاري ومسلم. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''الّذي يخنق نفسه يخنقها في النّار، والّذي يطعَن نفسه في النّار، والّذي يقتحم -أي يرمي نفسه- يقتحم في النّار'' أخرجه البخاري ومسلم. وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ''كان فيمَن قبلكم رجل به جرح فجزع، فأخذ سكينًا فحزّ بها يده فما رقأ الدم حتّى مات''، قال سبحانه وتعالى: {بادرني عبدي بنفسه، حرّمتُ عليه الجنّة'' أخرجه البخاري ومسلم. فهذه جملة من الأدلة الدالة على تحريم قتل النّفس مهما كانت الظروف والأسباب، وإنّما يلجأ الكفار إلى الانتحار لعدم إيمانهم بالبعث وبعذاب القبر، فيظنون أنّ الانتحار وسيلة لطلب الراحة الأبدية، هروبًا من المسؤولية وتبعاتها، أو هروبًا من المشاكل الأسرية والاجتماعية أو الصحية أو العاطفية، وما علموا ما ينتظرهم بعد الموت، أمّا نحن المسلمون فنؤمن بعذاب القبر وبالبعث بعد الموت وبالحساب وبالجنّة والنّار، وأنّ مَن يقتُل نفسه فسينتظره عذاب مقيم في القبر وفي النّار، فالله تعالى ما خلق الخلق إلاّ لعبادتِه، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ × مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ × إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} الذاريات: 58-56، كما أنّ المؤمن يعلم أنّ المصائب الّتي تصيبُه هي قدر الله وَجَب الرِّضَى بها، فينتج عن ذاك الرِّضى بقضاء الله وقدره خيره وشرّه الاطمئنان والراحة النّفسية والسّعي المشروع من أجل اجتياز المصائب، أمّا السّاخط الّذي لا يرضى بقدر الله فإيمانه مُهدّد بالاضمحلال، وتراه مضطربًا كئيبًا حزينًا، وينسى أنّ الله يسمع ويرى، كلّ شيء عنده بمقدار، يبتلي المؤمن ليُقرّبه إليه، والله أعلم.