خاطب الداعية المعروف أبو بصير الطرطوسي من خلال فتوى أصدرها حول حكم العمليات الانتحارية، المغرر بهم، بأنهم ''على ضلالة'' وأن العمليات التي يدعونها استشهادية ''إنما هي قتل للنفس وللمسلمين ولا تمت بصلة للجهاد والاستشهاد في سبيل الله''• وقال الطرطوسي إن ''هذه العمليات هي أقرب عندي للانتحار منها للاستشهادية، وهي حرام لا تجوز''• واستدل في فتواه هذه إلى العديد من المحاذير التي تقول بحرمة هذه العمليات، أهمها أنها تعني بالضرورة قتل المرء لنفسه بنفسه، وهذا مخالف لعشرات النصوص الشرعية المحكمة في دلالتها وثبوتها، التي تُحرم على المرء أن يقتل نفسه بنفسه أيَّا كان السبب الباعث على فعل ذلك، والتي منها قوله تعالى: ولاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا وقوله تعالى وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ• ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ''مَن قتل نفسه بحديدةٍ فحديدتُه في يده يتوجَّأُ بها في بطنه في نار جهنَّمَ خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن شرب سمَّا فقتل نفسه فهو يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبلٍ فقتلَ نفسه فهو يتردى في نار جهنَّم خالدًا فيها أبدًا''• وفي ذات الفتوى أبان الطرطوسي الخلط والتشبيه الذي تعتمد عليه الجماعات المتطرفة في إعطاء الصبغة الشرعية لعملياتها، حيث قال: ''العمل بمقتضى الأدلة المتشابهة في هذه المسألة، يعني نسخ وتعطيل العمل بالأدلة المحكمة القطعية التي تُفيد تحريم قتل المرء لنفسه بنفسه، وهذا لا يجوز اللجوء إليه''• وأضاف أن ''ما استُدل به على جواز أن يقتل المرء نفسه بنفسه لغرض إنزال النكاية بالعدو، كالأدلة الدالة على جواز الإقدام والانغماس في صفوف العدو، وقصة الغلام مع الملك، ومسألة قتل الترس، فهي أولاً لا تعني أن يقتل المرء نفسه بنفسه، وإنما تعني أن يُقتلَ على يد عدوه أو غيره لا بيد نفسه، وهي ثانيًا متشابهة في دلالتها على جواز قتل المرء لنفسه بنفسه لغرض النكاية بالعدو، حمَّالة أوجه ومعانٍ، يُمكن صرفها إلى أكثر من معنى، وإلى أكثر من وجه، غير معنى ووجه قتل النفس بالنفس، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون دليلاً في المسألة، ولا تُرد بمثله الأدلة المحكمة القطعية في دلالتها وثبوتها، ولا يقوى على دفعها ومعارضتها''• وختم أبو بصير الطرطوسي فتواه ''إن قولي في المسألة مؤداه العمل بمجموع النصوص ذات العلاقة بالمسألة، بينما العمل بقول المخالف مؤداه ولا بد إلى تعطيل العمل بالنصوص الشرعية المحكمة التي تفيد حرمة المرء أن يقتل نفسه بنفسه، وهذه مجازفة لا تؤمَن عواقبها''•