لم يجد الرئيس المصري حسني مبارك من حل أمام الثورة الشعبية التي تريد رأسه سوى ارتداء عباءة الحاكم العسكري، لإعلان حظر التجول ونشر الجيش في المدن. فبينما تتحدث كلينتون وميركل ويتحدث كامرون وأوباما بقي الرئيس صامتا في موقف أقل ما يقال عنه أنه احتقار للجماهير الشعبية. ولعل الرئيس لا يجد ما يقوله لشعب يطلب رأسه الشخصي، فهو يعلم أنه لا تعديل حكومي ولا إقالة مسؤول أمني سيرضي المتظاهرين، فالأزمة أعمق من أي تغيير وتخص العائلة الحاكمة التي سيطرت على خيرات البلد باسم حب هذا البلد وأرادت أن تعيد مصر إلى عهد الفراعنة وتوريث الحكم. كما في جميع الأنظمة الشمولية، فإن للإدارة في مصر قوة كبيرة يسيطر عليها الحزب الوطني الحاكم، وبإمكان البيروقراطيين أن يرفعوا أي شخص إلى أعلى المناصب، كما يمكنهم أن يزيحوا أي مسؤول حتى ولو كان وزيرا، ولا أدل على ذلك من تجربة حسنين هيكل، الرجل القوي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين تم تعيينه وزيرا للإعلام، وكيف فشل في مهمته لأن البيروقراطية أحست أن الرجل يريد إعادة النظر في الامتيازات التي كانت تستفيد منها. ومن يعرف مصر لا بد أنه يعرف تلك البناية الضخمة الجاثمة في ميدان التحرير المعروفة بالمجمّع الإداري، وهو إدارة مركزية تتحكم في حياة وموت 80 مليون مصري. وغير بعيد عن هذا المبنى توجد العمارة الكبيرة التي تؤوي الحزب الوطني، حيث يعمل آلاف الموظفين في خدمة آل مبارك وتحضير التوريث للأخ جمال، كما يسمونه. كما يستمد مبارك قوته من الإعلام، فأكبر المؤسسات الإعلامية هي ملك للحكومة حتى وإن كانت في القانون تابعة لمجلس الشورى، كما أن عشرات القنوات التلفزيونية تعمل ليل نهار على بث الدعاية لتثبيت مبارك في الحكم. وحتى صناعة السينما تحت السيطرة، سواء من خلال مدينة الإعلام واستوديوهات التصوير، أو من خلال الرقابة على الأفلام قبل توزيعها، ومنع كل إنتاج يمس بشخص الرئيس. صحيح أن ثمة حرية تعبير في القنوات الخاصة، لكن هذه الحرية لا تتجاوز أبدا الخط الأحمر وهو الرئيس، وكأن هناك اتفاقا غير معلن ينص على انتقاد الحكومة والوزراء، دون التعرض إلى حسني مبارك أو جمال أو علاء أو حتى سوزان، رغم أن الوزراء والحكومة برمتها هي في الحقيقة في خدمة العائلة الحاكمة. [email protected]