عاش سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيئة كانت فيها تمثّل قيمة من القيم المهمّة، وكان الرّجال يمدحون بهذه الصفة ويفتخرون بها، بل كان الوصف بالجبن من أسوأ أوصاف الذم والمعيبة. واتّصف سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بالشّجاعة، بل بلغ فيها الغاية حتّى وُصف من قِبَل أصحابه بأنّه أشجع النّاس. عن أنس رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس، وأشجع النّاس، وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سبقهم على فرسٍ، وقال: ''وجدناه بحرًا'' أخرجه البخاري. فرغم شجاعته صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أنّه كان واقعيًا، فهو يأخذ بأساليب الاحتياط والسّلامة البشرية، نرى ذلك في حادثة الهجرة من مكة على المدينة، فحين همَّ قومه بقتله، وتآمروا على ذلك، خرج صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى المدينة مهاجرًا، وهناك بَنَى دولته وكيانه. ولم تكن شجاعته صلّى الله عليه وسلّم قاصرة على ميدان الحرب والشّجاعة البدنية، بل كان يملك شجاعة أدبية، وتمثّلت في جرأته على قول الحق، ومواجهة تكذيب قومه وإعراضهم.