يعتقد الدكتور مصطفى صايج، بأن ''الزعيم الليبي معمر القذافي، سيجد نفسه أمام خيارين، الخيار الأول هو خيار الطاغية نيرون الذي أحرق روما، أما الخيار الثاني فهو خيار الانتحار، أو الاختفاء حتى يبقى لغزا محيرا. أما مصير ليبيا، وبالنظر إلى طبيعة المجتمع القبلية، فإنه من المحتمل أن تعرف نفس مصير دولة الصومال أو العراق، وسوف تتحقق النظرية الإيثنو-واقعية، التي ترى أن القبائل سوف تلجأ إلى حماية نفسها وصون هويتها، عندما تنعدم السلطة المركزية التي توزع الثروة بشكل عادل. ومن جهته قال الدكتور مخلوف ساحل إن الشعار الذي يجب أن يرفعه المتظاهرون في ليبيا هو شعار ''الشعب يريد بناء النظام''، وليس شعار ''الشعب يريد إسقاط النظام''، لأن النظام غير موجود أصلا. قال إنه لا يمكن فهم النظام الليبي دون فهم شخصية الزعيم الدكتور مصطفى صايج.. القذافي هو ليبيا وليبيا هي القذافي قال الدكتور مصطفى صايج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، في تحليله لطبيعة النظام السياسي في ليبيا، إن ''القذافي هو ليبيا، وليبيا هي القذافي''، موضحا أن هذه المقولة تغنينا عن السرد التاريخي للنظام السياسي الليبي، ومراحله السياسية التي بدأت بالانقلاب العسكري، الذي قاده العقيد معمر القذافي سنة 1969، وهو في سن السابعة والعشرين من عمره، على النظام الملكي. وعليه يعتقد الدكتور صايج بأن النظام السياسي في ليبيا لا يتميز بنظام مؤسساتي، ولا يوجد به تعدد القوى الفاعلة السياسية أو المجتمعية. هذه التسمية اتضحت خصوصا حسب ضيف ندوة ''الخبر'' مع فترة السبعينيات، عندما قام القذافي بحل كل مؤسسات الدولة، فأوجد نوعا من النظام الاستثنائي. وهذا راجع إلى شخصية القذافي في حد ذاتها. مردفا ''في العلوم السياسية نقيم تحليلات الدولة انطلاقا من مقاربتين مختلفتين، تعتمد المقاربة الأولى على الفرد كوحدة للتحليل، عندما نكون أمام النموذج التسلطي الديكتاتوري، أي أن جميع الصلاحيات تكون في يد الرئيس''. وأردف مصطفى صايج ''وخلافا لتونس ومصر اللتين عرفتا ثورات في المدة الأخيرة، ويوجد بهما مؤسسات تصنع القرار، نجد أن القذافي الذي حل جميع المؤسسات، هو صاحب القرار الوحيد. حتى الحزب القائم أثناء الثورة، تم حله، ونجد في الكتاب الأخضر شعار ''من تحزب فقد خان''، وهو شعار موجود في جميع الأماكن العمومية في ليبيا. وقد توهم القذافي أن السلطة والسلاح موجودان في يد الشعب، كأننا أمام ديمقراطية أثينية تتخذ القرار. هذه اليوتوبيا حاول أن يكرسها في نظامه الفريد من نوعه''. وأضاف الدكتور صايج ''أن القذافي يوهم الشعب بأنه لا يوجد سيد ولا مسود في الجماهيرية. وهذا مبدأ موجود في الكتاب الأخضر. فهو يقول ''أنا لست رئيسا، لست قائدا، بل أنا زعيم للثورة''، وبالتالي لا يوجد رئيس في ليبيا، وحتى في خطابه للجماهير، قال ''لم يأت بي أحد''، وقال ''أنا لست رئيسا حتى تسقطوني، أنا شرعيتي مستمدة من الثورة التي قمت بها''. ويعتقد الدكتور صايج بأن ''القذافي في إدراكه النفسي للبيئة الإقليمية والدولية، يقوم على الإدراك التبسيطي، فهو يرى العالم الخارجي من خلال بيئته النفسية وتنشئته الاجتماعية. فالقذافي الذي وصل إلى السلطة وعمره سبعة وعشرون سنة، لم يسبق له وأن غادر مدينة سبها التي ولد فيها. وهذه هي العقدة النفسية للقذافي. كلما سافر إلى أي مكان، إلا وحمل معه خيمته''. وأشار المتحدث إلى أن القذافي مصاب بعقدة الخيمة، مواصلا ''وكان يعيش في عزلة تامة. هذه العزلة كرست لديه عزلة في التفاعل مع البيئة الدولية، فهو يرى العالم من خلال مركز واحد، وهذا المركز هو القذافي، وبالتالي فإن ما كتبه الصحفي المصري محمد حسنين هيكل بخصوص شخصيته صحيح إلى أبعد حد. قال هيكل، وهو أول شخصية أرسلها الرئيس عبد الناصر لكي يلتقي بالقذافي بعد الثورة -وجدت فيه الشخص البدوي الذي يشبه الجواد العربي الأصيل، الذي يحتاج إلى ترويض، وتأكدت من ذلك لما أرسل القذافي صكا إلى عبد الناصر كي يشتري السلاح النووي من الصين. ومن هنا يتضح أن تصرفاته تتسم بالاندفاع وبانعدام العقلانية''.ئ؟ الشعب الليبي يريد تحرك مؤسسة عسكرية غير موجودة يعتقد الدكتور مصطفى صايج بأن النظام السياسي في ليبيا انتقل من ظاهرة ''الشخصنة'' إلى نظام العائلة، بعد أن شعر القذافي عقب سنة 2003، لدى وقوع الغزو الأمريكي على العراق، وما انجر عنه من مآل بائس لعائلة صدام حسين، أن عائلته ستعرف نفس المصير. وجاء في تقارير ويكليكس أن إقدام القذافي على الكشف عن أسلحة الدمار الشامل، كان بدافع من زوجته التي ألحت عليه أن يقوم بذلك، حتى لا يعرف أبناؤها الثمانية نفس مصير عائلة صدام، فبدأ القذافي يتعامل مع الغرب، وكشف عن خلية عبد القدير خان العالم النووي الباكستاني، وكل أسرار السوق السوداء للقنبلة النووية''. ويضيف الدكتور صايج ''يعتمد المناخ السياسي الآن في ليبيا على الأسرة الحاكمة وعلى قرابة الدم''. وعائلة القذافي هي القوة الأساسية التي تحتكر الثروة بواسطة أبنائه السبعة، كما تحتكر القوة. والمصيبة في ليبيا أنه لا يوجد مؤسسة عسكرية مثلما هو الحال في مصر وتونس. وهذه المؤسسة العسكرية التي تطالبها الجماهير بالتحرك غير موجودة، وكل ما نشاهده على أرض الواقع هو مجموعة من الكتائب التابعة لآل القذافي، ومنها كتيبة خميس، وكتيبة المعتصم، يضاف إليها كتائب موجودة داخل باب العزيزية، حيث تحصن القذافي وأفراد عائلته''. ويعتقد ضيف ندوة ''الخبر'' بأن المستقبل سيتحدد وفق ما سيقوم به أبناء القذافي وكتائبه، وليس وفق دور المؤسسة العسكرية النظامية. مردفا ''لكن عامل القرابة بدأ يتراجع إذا نظرنا إلى موقف أحمد قذاف الدم، وهو ابن عم القذافي، يضاف إلى ذلك إبعاد وتنحية عبد الله السنوسي رئيس الاستخبارات. وفي الأيام الأخيرة وقع انشقاق بين أبناء القذافي أنفسهم بشأن الحلول الممكنة، فابنه سيف الإسلام متمسك بخيار والده، في حين يرى المعتصم خلاف ذلك تماما.. فهل يمكن لهذه العائلة أن تصمد أمام الجماهير؟''.ئ؟ شخصية القذافي مزيج من فرعون والطاغية نيرون قال الدكتور صايج محللا شخصية الزعيم الليبي معمر القذافي ''عندما أريد تحليل النظام السياسي في ليبيا، سأركز بشكل كبير على شخصية القذافي، لذا سأعتمد أساسا على تحليل علم النفس السياسي، لأن هذه الشخصية هي التي ستحدد المستويين الداخلي والخارجي، وتحدد علاقة ليبيا بالعالم. فكل السلطات في يد القذافي، وليس في يد الشعب كما نقرأ في أدبيات الكتاب الأخضر. وإذا حللت البنية النفسية للقذافي فإنها تعطيني القدرة على قراءة ما سيحدث مستقبلا، وأجد نفسي أمام شخصية متميزة تستمد ميزاتها من شخصيتين تاريخيتين، هما فرعون ونيرون''. وأضاف ضيف ندوة ''الخبر'' ''القذافي من حيث أنه يتعقد بأنه الإله مثل فرعون. وتسمية ملك ملوك تعتبر بمثابة صفة تعبر عن فرعونية القذافي. فهو ينظر إلى الجماهير كأنهم المؤمنين بهذا الإله، كأنه يحمل رسالة ويجب عليهم الإيمان بها. وضع لهم الكتاب الأخضر، وهو أقرب إلى الكتاب المقدس، وأراده كرسالة سماوية للعالم، كأنه يملك نظرية ثالثة للسلم العالمي. وأساس هذه النظرية أنها تبشر بعصر الجماهير، بمعنى أن كل المؤسسات سوف تسقط، وأن الجماهير تمسك بالسلطة، وتصبح مالكة الثروة والسلاح''. وأكد المتحدث أن تلك النظرية سوف تعود على القذافي بالسلب. مردفا ''والغريب أن ما بشر به القذافي سوف يكون هو أول من ينقلب عليه، لما قامت أحداث تونس ثم مصر، إذ لم يقف إلى جانب الجماهير، بل وقف إلى جانب آل بن علي وآل مبارك''. الغرب لم يساند المحتجين إلا بعد السيطرة على آبار النفط يعتقد الدكتور ساحل مخلوف، أنه يوجد عدة سيناريوهات ممكنة بخصوص موقف الغرب من النظام الليبي، بخصوص إمكانية وقوع التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا، ''قد يتأكد في حالة قيام مواجهة أكثر دموية بين أنصار القذافي ومعارضيه، مما يؤدي حتما إلى زيادة حجم الجرائم، وهو ما يستدعي بالضرورة التدخل الأجنبي، خاصة إذا حللنا المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني حول إمكانية التدخل العسكري، وإقامة منطقة حضر على الطيران لمواجهة القصف الانتقامي، في حالة تصعيد المواجهة بين القذافي ومعارضيه''. كما تسير تصريحات وزير الخارجية الألماني، حسب الدكتور مخلوف، ''إلى عدم استبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري، بناء على تطور الأوضاع الميدانية. كما يوجد احتمال بداية تدخل عسكري في حالة تفاقم أوضاع المدنيين، ووصول الأمر إلى ثبوت قيام كارثة إنسانية. في هذه الحالة يمكن وقوع التدخل العسكري من أجل إقامة مناطق محمية، مخصصة للاجئين والمدنيين بشكل عام، وهو ما قد يعتبر مرحلة أولى للتواجد العسكري الأجنبي في ليبيا''. أكد أن شعار ''الشعب يريد إسقاط النظام'' غير مناسب الدكتور مخلوف ساحل.. شعار ''الشعب يريد بناء النظام'' هو الأنسب وصف الدكتور ساحل مخلوف، الباحث في العلاقات الدولية، طبيعة النظام السياسي في ليبيا بالنظام غير المؤسساتي، واعتبره نظاما خاصا جدا، وهو بمثابة اللانظام وفق معايير الأنظمة السياسية المتعارف عليها. ويعتقد ضيف ندوة ''الخبر'' بأن النظام الليبي ''لا تنطبق عليه أي من الأوصاف المتعارف عليها، وعليه فإن الشعار الذي رفعه المتظاهرون ''الشعب يريد إسقاط النظام''، لا بد أن يستبدل بشعار مناسب هو ''الشعب يريد إقامة النظام''. أما الميزة الثانية التي يتصف بها النظام الليبي حسب الدكتور ساحل، فتتمثل في انعدام الدستور باعتباره القانون الأساسي في أي دولة. مردفا ''النظام الليبي يقوم على منظومة أمنية جد معقدة، مقارنة بما هو متعارف عليه في سائر الدول. وترتكز هذه المنظومة أساسا على الولاء العشائري والقبلي، ثم الولاء المصلحي والبراغماتي. وهذا ما أدى إلى توزيع المناصب الحساسة وفق الانتماء العائلي. وهناك مسألة غياب الرموز. فالمخيال الشعبي أصبح فارغا إلا مما يوجد في الكتاب الأخضر، من إملاءات أيديولوجية.. لذا نلاحظ عودة الشعب الليبي للعلم القديم، كتعبير عن الرغبة في استعادة رموز الدولة الليبية لعهد ما قبل الثورة''. وبحسب الدكتور ساحل، فإن غياب مؤسسات الدولة في ليبيا سوف يؤدي إلى ظهور فراغ سياسي مخيف، بعد السقوط النهائي لنظام القذافي. وبخصوص مواقف الدول الغربية من ثورة ليبيا، قال ضيف ندوة ''الخبر''.. ''إن الدول الغربية راهنت في البداية على بقاء القذافي لحماية مصالحها، وظهر ذلك من خلال المواقف المحتشمة التي اتخذتها. ولم تتخذ مواقف لصالح معارضي القذافي، إلا بعد أن تأكدت بأن حقوق البترول أصبحت في أيادي المعارضين، وهنا صرح وزير الخارجية الإيطالي فراتيني أن معاهدة الصداقة الإيطالية الليبية لم يعد لها وجود''.