''.. أنا مش كافر بس الجوع كافر.. أنا مش كافر بس المرض كافر.. أنا مش كافر بس الظلم كافر.. وإيه ذنبي إذا اجتمعت فيّ كل الأشياء الكافرة..'' ذلك ما يقوله مطلع أغنية شهيرة لزياد الرحباني. هل الجوع، الخبز والحرية والكرامة، والمرض، مرض الإنسان ومرض الدولة ومؤسساتها، والظلم بألوانه المختلفة، هي فقط أسباب الكفر عندنا؟ طبعا لا. الإنسان صار كافرا لأن الكثير من مكونات واقعه كافرة. وبالفعل فشلالات الفشل الطافحة في بلداننا قتلت أشياء كثيرة وغيرت كثيرا من منظومة القيم، ولعل أهمها أن الإنسان صار أكثر مادية. ما نسمعه من تقييم الناس واضح: الأسعار حررت والأجور قيدت ومناصب العمل شحت، لا تعليم حقيقي فالمنظومة التربوية صارت ''منظومة غبية''!! ولا منظومة صحية، لأنها لا تعالج بقدر ما تزيد من يلجأ إليها، من غير وساطات، مرضا، ولا قانون ولا عدل بل ولا حتى دولة في رأي الكثيرين، لأن المؤسسات الواهية القائمة عاطلة تماما. الفساد منظور، إلا لناس السلطة، والرشوة مطلوبة علنا في الكثير من الإدارات. نعم أنا كافر مثل غيري، بهذه السلطة الفاشلة لا بالله، نحن كفار لأن مشاعرنا تنزف دموعا ودما من أجل ملايين العاطلين عن العمل ومن أجل معاناة الكادحين وكل الجائعين للخبر وللحرية وللكرامة. أنا وغيري كفار لأننا لم نعد نعلم ما معايير النجاح في بلدنا، فهل هناك قطاع لا يعاني، هل هناك قطاع ناجح، هل هناك قطاع لا يعرف الاحتجاجات والإضرابات؟ ومع ذلك الحكومة مستمرة بل وتقدم نفسها كأنها تحقق المعجزات. ونحن كفار لأننا لم نعد نعثر على سياسي نعول عليه وعلى نقابي نطمئن لولائه للعمال وعلى حقوقي نطمئن لدفاعه عن حقوق الإنسان وعلى حزب نعتقد أنه يمثل فعلا بعضا منا، قناعة أو مصلحة، وعلى فكرة نلتف حولها من أجل أن نسير في طريق تطليق كفرنا والعودة للإيمان بالوطن وبقدرة أبنائه على نظم قصائد جميلة وعلى إنتاج مسرحيات معبرة أو إنتاج شيء من الثقافة تسد عطشنا وعلى التمتع بشيء من الكرامة.. أنا كافر وكفري قد يطول للأسف..!! [email protected]