يقول الله سبحانه وتعالى: {وَزَكَرِيَا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} الأنبياء .89 فهذه الآية الكريمة هي دعاء من نبي الله زكريا عليه السّلام، يرجو من الله الرزّاق أن يرزقه ولدًا. وقد جاء في تفسير العلامة ابن كثير: {ربّ لا تذرني فردًا}، أي لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في النّاس، {وأنتَ خيرُ الوارثين} دعاء وثناء مناسب للمسألة. بينما جاء في تفسير الإمام البغوي: {ربّ لا تذرني فردًا}، وحيد لا ولد لي وارزقني وارثًا، {وأنت خير الوارثين}، ثناء على الله بأنّه الباقي بعد فناء الخلق. والله أعلم. وقبل أن يبدأ أحد من الزوجين أو كليهما العلاج، يجب أوّلاً: أن يفهم كلٌّ منهما أنّ الإنجاب أو عدمه بيد الله وحده، قال تعالى: {لله مُلك السّماوات والأرضِ يَخْلُق ما يشاءُ يَهَبُ لِمَن يشاءُ إناثًا ويَهَبُ لِمَن يَشاء الذكور أَو يُزَوِّجُهُم ذُكرانًا وإناثًا وَيَجْعَل مَن يشاءُ عقيمًا إنّه عليم قدير} الشورى 49 .50 فيجب على الجميع الرضا بما قسمه الله عزّ وجلّ، فهو وحده العليم الخبير، واحمد الله عزّ وجلّ لأنّه أعْلَم وأخبر منك فيما ينفعك أو يضُرّك. فقد يكون في سابق عِلْم الله عزّ وجلّ أنّ هذا المولود الّذي قتلت نفسك لأنّه تخلَّف ولم يأت بعد، قد يكون هو خيرًا لك وأنت لا تعلم، وقد يكون مهرّبًا أو مجرمًا أو فاسقًا، أو قد يكون سببا في شقائك وأنت لا تعلم، والله عزّ وجلّ أعلَم من خلقه أجمعين. وقد يكون خيرًا لك إذا صبرتَ، بأن يجازيك الله على صبرك بعد ابتلائك بالجنّة وبالخير الكثير.. لذلك، لا تجزع ولا تهتم، وتقبَّل كلّ ما أصابك بالرضا التام في كلّ ما قسمه الله لك. ونجد الكثير من النّاس في هذه الأيام وهم تائهون لا يعرفون أين توجد الحقيقة؟! إذ هناك مَن أصابهم اليأس والصدمة ممّا اكتشفوه من جشع الأطباء أو سعر الأدوية أو غلاء العمليات الجراحية أو وصفات الأعشاب، أو الوقوع في مصائد السحرة والمشعوذين والدجالين، لكنّهم بعيدون عن الله سبحانه وتعالى القائل: {أفَلاَ يتدبَّرُون القرآنَ أمْ على قلوب أقفالها}. فالقرآن الكريم ليس مجرد مصحف نقرأه أو نحفظه، لأنّ الله عزّ وجلّ أنْزَل الكتاب ليكون كتاب هداية ومنهاج حياة، ودعانَا سبحانه وتعالى إلى تدبُّر آيات القرآن وفهمها، دون أن تلوكها ألسنتنا ولا نعي معناها. وما على العقيم إلاّ أن يلجأ لله تعالى بالدعاء الخالص، دون الاعتراض على قضاء الله وقدره، وعليه بدعاء سيّدنا زكريا عليه السّلام المبيَّن في القرآن الكريم بقول الله عزّ وجلّ: {هُنَالك دعَا زكريا ربَّه قال ربِّ هب لي من لدنك ذرية طيِّبةً إنّك سميع الدعاء} آل عمران .38 وقوله تعالى: {وَإنّي خِفْتُ الْمَوَالِي مِن ورائي وكانَت امرأتي عاقرًا فهَبْ لي مِن لدنك وليًا} مريم .5 وقوله تعالى: {وزكريا إذ نادى ربّه ربّ لا تذرني فردًا وأنتَ خير الوارثين} الأنبياء .89 كما أخبرنا الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنّ للاستغفار فضلا كبيرا لإنجاب الذرية بإذن الله. قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} نوح 10 .12 ويُروى أنّ رجلاً شكا إلى الحسن الجدوبة، فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا؛ فقال له: استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلتُ مِن عندي شيئًا؛ إنّ الله تعالى يقول في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}. نسأل الله أن يتقبَّل منّا ومنكم صالح الأعمال، ويرزقنا ويرزقكم الذرية الصالحة.