جَلّت عدالة الله عزّ وجلّ أن حرَّم الظلم على نفسه وجعله محرّمًا على خلقه حيث جاء في الحديث القدسي عن ربِّه عزّ وجلّ أنّه قال: ''إنّي حرّمتُ الظلم على نفسي وجعلته محرّمًا''، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينما قال: ''الظلم ظلمات يوم القيامة''. إنّ الّذي لا ينتهج دين الإسلام منهجًا وعقيدة، ويعيش في أوساط المسلمين ولا يؤذيهم ولا يتعد عليهم ويحترم قيمهم، فإنّ عدالة الله عزّ وجلّ ضمنت له حق الإنسانية ونهَت عن الظلم بكل أنواعه وأشكاله، وضمنت له العيش السوي بين أفراد المسلمين لقول ربّ العالمين: ''لا ينهاكُم الله عن الّذين لم يُقاتلوكم في الدِّين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تَبَرُّوهُم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحبّ المقسطين''. ففي التحقيق والتدقيق لهذه الآية الكريمة وخطابها الرّحيم لغير المعتدين أن تعاملهم بالقسطاس والميزان وأن تُقام عليهم عدالة السّماء وبذلك تُقام لهم العدالة في الأرض ''أن تبَرُّوهُم وتُقسطوا إليهم إنّ الله يُحبّ المقسطين''، فالعادل هو ربّ العالمين أقرّ حقوق المخلوقات أجمعين. إضافة إلى ذلك من حقوق الكائنات والحيوانات والنبات، فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسير في موكب من أصحابه تأتيه وعلة (عصفورة) تحوم من حوله وعلى رأسه، فيغضب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن أفزع هذه في فراخها؟ فيقول أحد الصحابة: أنا يا رسول الله، فيقول الحبيب ''ارجع إليها فراخها'' فيفعل الصحابي، فطمأنها الحبيب، فارتاحت وهدأت واستقرت واستمرت حياتها. إنّ هذه المظاهر المؤثرة والمحيّرة كثيرة، حتّى في تاريخ الإسلام والمسلمين في حضاراتهم، فإنّها كما اشتكت الوعلة من الجور والظلم واستيلاب حقّها، اشتكت الغزالة إليه، واشتكى إليه البعير، واشتكت إليه الضبية، وأقرَّ حقوقهم وأرجعها إليهم. وهذا معنى قوله فعلاً وعملاً. فالله عزّ وجلّ أقرَّ حق العبودية له ليس لغيره وأمر بها، وقال: ''يا أيُّها النّاس اعبدوا ربّكم الّذي خلقكُم''، وأقرَّ عدم الإكراه في الدِّين والتّعنيف لقوله تعالى: ''لا إكراه في الدِّين قد تبيَّن الرُّشد من الغي فمَن يكفُر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم''. وربط الله موضوع حرية المعتقد والنّهي عن التّعنيف، فإنّ الله وليّ الّذين آمنوا، فهو يتولاّهم ويُدافع عنهم لقوله تعالى:''إنّ الله يُدافع عن الّذين آمنوا'' ويقول لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: ''إنّك لا تهدي مَن أحببتَ ولكنَ اللهَ يهدي مَن يشاء''، فاعتبر القرآن الكريم عبادة. وإنّه لمّا كانت حضارة الإسلام عالية مرفوعة احترمت الإنسان من حيث هو إنسان وأقرّت حقوقه المشروعة بدون اعتداء ولا ظلم ولا فساد ولا إفساد ولا منكر ولا تعد وجور ولا القفز على القيم ولا الطعن في شريعة ربّ العالمين ولا المساس بمقدسات المسلمين وشعائر دينهم وثوابتهم الدينية والوطنية، فإنّ الشريعة نَهَت عن الظلم حيث كان، فقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ''الظلم ظلمات يوم القيامة''، وقال أيضًا: ''اتّقوا دعوة المظلوم فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب''، قال الصحابة وإن كان كافرًا أو فاجرًا يا رسول الله، قال ''فكفره وفجوره عليه''، وسُئِل الإمام ابن حجر العسقلاني رحمة الله عليه: هل يجوز ضرب الدواب؟ ردّ بكتاب ''ردّ الجواب في أسئلة ضرب الدواب''، فهذا يجيب رحمه الله على ضرب الحمير والبغال والخيل وغيرها من الدواب ويعطي رأي الشريعة الإسلامية الغرّاء في هذه المسائل الدقيقة، فما بالنا نحن بالإنسان. وهذا توجيه سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام: ''المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره ولا يختلف، حرام على المسلم دمه وماله وعرضه'' إلى أن قال عليه الصّلاة والسّلام: ''وكونوا عباد الله إخوانًا''. فأين نحن من هذه التوجيهات الراشدة والعبارات الراقية لسيّد ولد آدم صلّى الله عليه وسلّم، فإن مَن يظلم المسلم في مجتمعات المسلمين هو المسلم، ومَن يحقره كذلك، ومَن يخذله فهو كذلك، فمحاكمنا ومنازعاتنا ومصالحنا المختلفة إنّما فريستها المسلم، فمَن يسلّط الظلم على أخيه إنّما هو المسلم، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ''الظلم ظلمات يوم القيامة'' فإن كانت امرأة بصلاتها وصيامها دخلت النّار لأجل هرّة لا هي سقتها ولا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خُشاش الأرض، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''فهي في النّار''، فهذه نتيجة الظلم المسلّط على هذا الحيوان الأليف. أيّها الطالب لرضا الله والمبتغي لفضله وعفوه فإن العبرة في قوله تعالى: ''فمَن زُحزِحَ عن النّار وأُدخِل الجنّة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلاّ متاع الغرور''. أستاذ رئيسي وإمام مسجد الورتيلاني تيلملي - الجزائر الوسطى