إن لم أكن مخطئا فإن الدستور الفرنسي لم تطرأ عليه تعديلات تذكر أو ذات أهمية منذ خمسينات القرن الماضي، وإن لم أكن مخطئا، فإنه من بين التعديلات التي خضع لها هذا الدستور تتعلق بتقليص العهدة الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات... نعم تقليصها وليس رفع مدتها أو إلغاء المادة المتعلقة بتحديد العهدات الرئاسية، كما يحدث في البلدان ذات الأنظمة المتخلفة بعالمنا الثالث... وإن لم أكن مخطئا فالدستور البريطاني لم يعدّل منذ أكثر من قرنين من الزمان. عندنا في الجزائر... أعدّ الرئيس أحمد بن بلة أطال الله عمره بعد أشهر أو ربما بعد سنة أو أقل من سنتين من تسلمه حكم الجزائر، دستورا على مقاسه... ولأن حكم بن بلة لم يدم طويلا، فقد ألغى المطيح به، المرحوم هواري بومدين، الدستور الذي تركه سلفه وحكم الجزائر بقبضة من حديد ودون دستور قرابة العشر سنوات، ثم اعتمد بعد أن دانت له الرقاب دستورا خاصا به سرعان ما ألغاه أو استبدله أو غيّره خليفته الشاذلي بن جديد، الذي أعدّ له معاونوه ومساعدوه دستورا خاصا بمرحلة حكمه أسوة باللذين سبقاه في حكم الجزائر، بن بلة وبومدين، وبطبيعة الحال ظل هذا الدستور معتمدا حتى رحيل بن جديد من السلطة في أعقاب الهزات الارتدادية لانتفاضة أكتوبر ثمانية وثمانين... بعدها جاءت الظروف وليس الحسابات السياسية والخطط الإستراتيجية... وبعد فترة تقلبات اختير السيد اليمين زروال رئيسا للدولة ثم رئيسا منتخبا للجمهورية، فأعدّ دستورا خاصا بمرحلته... بعد رحيل زروال وانسحابه من الساحة السياسية في الظروف المعروفة، أتت الأقدار بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كفر في خطاباته الكثيرة التي كان يلقيها، دون استراحة ودون ملل ودون توقف في بداية حكمه، كفر بدستور زروال وبكل المؤسسات القائمة، لكن مع ذلك لم يعدّ دستورا خاصا به، وإنما اكتفى بتعديل أسقط بموجبه المادة التي تحصر مدة حكمه في عهدتين وفتحها بما سمح له بالبقاء في السلطة لعهدة ثالثة، ولِمَ لا رابعة وخامسة و... و... و... المؤكد أن أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بلخادم، يعرف جيدا مثل هذه الحيثيات، لكن مع ذلك لا يجد حرجا في الحديث عن ضرورة تعديل الدستور الحالي، وفي الوقت الراهن، أي في عهد بوتفليقة، وليس في ظروف أخرى بعد تغيّر الحال وتبدّل الأحوال، وكأني به يريد أن يقول بأنه إذا كان لبن بلة دستوره ولبومدين دستوره ولبن جديد دستوره ولزروال دستوره... فإن لبوتفليقة دساتيره وليس دستوره فقط، فهل معنى هذا أن بلخادم يرى في استبدال الدساتير وتغييرها شيئا إيجابيا وإنجازا وجب ويجب التغني به والتباهي بتحقيقه؟ إذا كان يؤمن بهذا... ويبدو أنه يؤمن به... فإننا نقول له بأن الدساتير ليست قمصانا وسراويل وملابس داخلية تغيّر مساء أو صبيحة كل يوم. [email protected]