يقول محمد من تقرت في رسالة إلكترونية ردا على المقال السابق من يحكم ''.. بعد قراءة مقالك، رأيت انشغالك بسؤال جدلي ميتافيزيقي وهو: من يحكم الجزائر؟ و أظن بأن الانشغال بالغموض، ومحاولة تحليله بتساؤلات غامضة، هو ذاته ما يريح الحاكم اللغز في الجزائر، في حين أن الانشغال بتفكيك الغموض إلى مفرداته الأساسية، خيطا خيطا، هو الذي يساهم في إعادة حياكة النسيج الجزائري، بطريقة صحيحة ومنطقية. ذلك لأن مثيري طرح التساؤلات الغامضة، هم من يهدف لإبقاء الغموض الجزائري: من يحكم الجزائر؟ في حين كنت أود أن تكتب بطريقة عكسية، أي من ينبغي أن يحكم الجزائر؟ لأن هذا هو الذي يزيل حالة الهلامية حول الحاكم الجزائري، والأكيد لن يكون سوى نسخة معدلة جينيا لعلي بابا...''، انتهى نص رسالة القارئ. رسائل أخرى توزعت بين من يعلن مشاطرته الرأي، وبين من يشكك في النوايا، وبين من يقترح مزيدا من التوضيح، وبين من ذهب حد اعتبار أن فرنسا ما زالت تحكم الجزائر!!. على العموم أقول لمحمد من تقرت، وللقراء الكرام الذين كانت لهم تعليقات: الغموض يعكس جملة من المسائل الهامة في حياتنا السياسية، طبعا إن افترضنا وجود حياة سياسية، منها أن ممارسة السلطة لا تتم وفق قواعد دستورية. وعلى الرغم من التعديل الدستوري الأخير، الذي منح للرئيس صلاحيات إمبراطورية لم يتمتع بها أي من رؤساء الجزائر، فإن طرح التساؤل يعد في حد ذاته تكريسا للغموض الذي يريده الحكم، فالحاكم هو بوتفليقة، لأنه كما سبقت الإشارة يملك من الصلاحيات، ما لا يملكه أي مسؤول في الدولة الجزائرية، بما في ذلك القيادة العسكرية مجتمعة. أما بخصوص من ينبغي أن يحكم الجزائر، فتلك مسألة لا تعد المسألة الأهم. فالأهم هو كيف يصل الحاكم إلى السلطة؟ لقد أبدع العقل البشري قواعد لكيفية وصول أي حاكم للسلطة، ومنها قاعدة التنافس الديمقراطي المفتوح، وقاعدة التحكيم الشعبي بواسطة الانتخابات، وإلى غاية توصل العقل البشري عندنا، أو عند غيرنا، لقواعد أحسن من هذه، فإن هذه القواعد هي التي ينبغي اعتمادها. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ الانتخابات لم تكن، في الغالب الأعم، انتخابات نزيهة، ولا معبرة عن تطلعات الناس ومصالحهم، بل ظلت تعبيرا عن رغبات السلطة وحساباتها. ولكن، ووفق قواعد اللعبة التي فرضتها هذه السلطة، فإن من يمارس السلطة نيابة عنها يتحمل المسؤولية كاملة أمام الناس، لأنه يدّعي أنه منتخب من الناس، وفي خدمتهم. وإذا كان صاحب الرسالة يقصد من ينبغي أن يحكم بمعنى العسكر، أم المدنيين أو أي التيارات السياسية فتلك مسألة بسيطة جدا. لا بد من الانتقال من حرية السلطة، مدنية كانت أو عسكرية، في اختيار من يحكم، وفي اختيار من يمثل الجزائريين في المجالس المنتخبة إلى حرية المواطنين في الاختيار. أما إذا كان يقصد في تسائله الجانب الأخلاقي القيمي، والحاكم الصالح إلى غير ذلك، فإن المسألة تطرح مع ذلك جملة إشكاليات، لعل أهمها: كيف يتم تقييم حكم الحاكم، ومن قبل من؟ وهو ما يطرح مباشرة مسألة نظام المؤسسات، بدل النظام السلطوي الموروث من نظرة نابوليونية، تأخذ بالمركزية المفرطة والسلطوية الحادة. إذا ظل نظام الحكم على ما هو عليه، فالتساؤل المهم ليس من ينبغي أن يحكم الجزائر، لأن المهم هو كيف تحكم البلاد؟ ذلك هو موضوع التغيير المنشود. والقاعدة كما سبقت الإشارة في أكثر من مقال، بسيطة: تقييد السلطة، وتحرير المجتمع وقواه المختلفة. وللتدليل على أهمية التغيير، وأهمية تغيير نمط الحكم، وليس فقط من يحكم، أستند لما ورد في أحد كتب الباحث الأمريكي المتخصص في شؤون المغرب العربي، وليام كوانت، والذي رأى أن ''.. أربع عوامل متكاملة ومتصاحبة، تمكّن هذا النوع من الحكم من الاستمرار: الإيديولوجيا، والقمع، منح الامتيازات أو المكافآت (les Gratifications)، ومساندة النخب .. واستخدام تداخل هذه العوامل متنوع، لكن كل عامل من هذه العوامل حاضر، دائما، بجرعة أو بأخرى، حسب ما تمليه الظروف.. ''ونلاحظ ببساطة غياب الشعب والمؤسسات. ولهذا فهذا النوع من الحكم لا يهم فيه الأشخاص، بل آليات عمل النظام. والتغيير تبعا لهذا يعني تغيير أطراف المعادلة، وإعطاء المواطنين دافعي الضرائب، دورا في اختيار الحاكم، وفي اختيار من يمثلهم. تلك بكل بساطة تسمى الديمقراطية. [email protected]