حرصت جريدة الشروق من خلال قراءة هذا الكتاب وتتبع فصوله على تعريف القراء بما تضمنه من حقائق ومعلومات حول المدرسة في الجزائر، وحول الجهود التي بذلت من أجل إصلاح أوضاع هذه المدرسة، (وهذا العمل بادرة إعلامية طيبة تشكر عليها الجريدة). ولكن ما يلاحظ أن الحقائق التي تضمنها الكتاب وأراد الكاتب تجسيدها والتعليق عليها لم تتضح وفق الصورة التي جاءت في الكتاب، فما عرضته الجريدة لا يصور الحقائق كما هي، ويبدو أن الأخت (زهية منصر) التي كلفت بقراءة الكتاب والتعليق على ما جاء فيه لم تتمكن من إبراز المعلومات الصحيحة وتوضيح ما أراد الكاتب توضيحه، فما عرضته ليس صحيحا في جملته بل فيه كثير من التحريف غير المقصود على ما يبدو، ويرجع ذلك في رأيي إما لأن الأخت التي أسندت إليها مهمة قراءة الكتاب لم تستوعب ما تضمنته فصوله، وإما لأن الموضوعات المتعددة قد اختلط بعضها ببعض فلم تتضح لها الحقيقة كما هي في الكتاب، فراحت تستنتج وتؤول، وتقدم للقراء استنتاجات بعيدة عن الحقائق، لذا كان من الواجب التنبيه إلى ذلك وإعطاء التصحيح اللازم، وتقديم النصح للأخت (زهية) بإعادة قراءة الكتاب قراءة متأنية لتتأكد أن ما جاء في تعليقها لا يعبر عما أراده مؤلف الكتاب، وفي الوقت نفسه نحيط القراء علما بأن المعلومات التي جاءت في تعليق الجريدة يوم 4 أكتوبر 2010 ليست معلومات صحيحة في مجملها، بل فيها كثير من الخلط والتأويل، ولا بد من الوقوف عند العناوين الثلاثة الكبرى التي جعلتها الجريدة أساسا للتعليق، وهي: 1- قرار تدريس اللغة الفرنسية في السنة الثانية فرض من الخارج؟ 2- إصلاحات بن زاغو أملتها قرارات فوقية ولم تكن استجابة لحاجة ميدانية. 3- التغريبيون نجحوا في إقناع المجلس الأعلى للتربية بتمرير المشروع التغريبي. هذه العناوين كلها تعبر عن أحكام لم يرد ذكرها في الكتاب بهذه الصيغة، فقرار تدريس اللغة الفرنسية في السنة الثانية لم تفرضه جهة من الجهات في الظاهر، وحسب معطيات الواقع ولم يرجع الأمر فيه إلى المجلس الأعلى للتربية كما ورد في التعليق لأن هذا المجلس قد حل قبل اتخاذ هذا القرار بأكثر من خمس سنوات. 1- إن قرار إدراج اللغة الفرنسية في السنة الثانية يرجع إلى إجراءات وزارة التربية طبقا لتوصيات لجنة بن زاغو، ولا علاقة للمجلس الأعلى للتربية بهذا القرار، وتناول الكتاب الحديث عنه في الصفحة رقم 260 تحت عنوان الإجراء الرابع المتعلق بإدراج اللغة الفرنسية في السنة الثانية وأعطينا رأينا المعارض لهذا القرار في الوقت نفسه. إذن كل المعلومات التي عرضتها الجريدة بخصوص المجلس وما جاء في اقتراحاته ليست صحيحة، فالمجلس قدم اقتراحا في التقرير الذي عرضه في الندوة، مضمونه الدعوة إلى تنزيل اللغة الفرنسية من الرابعة إلى الثالثة ولكنه بقي مجرد اقتراح. وهناك خلط بين المعلومات الواردة في التعليق على أعمال المجلس الأعلى للتربية وبين تقرير لجنة بن زاغو. فالحديث عن إهمال التعليق على برامج النشاط الثقافي يرتبط بأعمال المجلس وليس بمشروع بن زاغو. 2- إصلاحات بن زاغو أملتها قرارات فوقية. لم يرد هذا في الكتاب ولست أدري من أين استخلصت هذه المعلومة، وما ورد في الكتاب بخصوص لجنة الإصلاح مدون في الصفحة رقم 238 ولم نشر فيه إلى شيء من هذا، بل بالعكس، قلنا منذ أكثر من سنة والناس ينتظرون ما وعد به الرئيس في مجال الإصلاحات الكبرى، ومعالجة الملفات الوطنية ذات البعد الاستراتيجي، حتى أصبح موضوع المدرسة جزءا من انشغالات المواطن اليومية، لذلك أصبح الكل، حتى الذين لا يعرفون خبايا الموضوع وتعقيداته مقتنعين بأنه آن الأوان لمراجعة مسيرة المدرسة ومعالجة الاختلالات التي تعانيها والتي كثيرا ما تضخم، وها هي اليوم وبعد مخاض عسير خرجت إلى الوجود، وأعطيت لها إشارة الانطلاق في عملها، وحددت لها المهمة المنتظرة منها، وعلقنا على المدة القصيرة المحددة لها وأشرنا إلى الغموض الذي يكتنف مهمتها، وفي صلب الفصل المخصص لموضوع الإصلاح وردت قراءة نقدية في مضمون التقرير، وأشرنا إلى مضمون الرسالة التي وجهها الرئيس إلى اللجنة والتي حدد فيها المهمة المطلوب إنجازها، ويشتمل النقد الموجه للتقرير عددا من النقاط منها: غموض الغاية المستهدفة، خلو التقرير من تحليل عناصر السياسة التربوية القائمة. التناول السطحي للقضية اللغوية: وتمت الإشارة إلى الخيارات التي تبناها التقرير. وكذلك المواقف التي اتخذها من بعض القضايا، ولم يرد في هذا التحليل أية إشارة إلى أن هذه الإصلاحات أملتها قرارات فوقية وما ورد في تقديم الأستاذ عبد الحميد مهري (ص 9) حين يقول: إن الشكاوي التي ترتفع من الآباء والمعلمين تدل على أن الأساتذة والآباء لم يشاركوا في بلورة هذه الإصلاحات بالكيفية المطلوبة، والانطباع الحاصل وقد يكون انطباعا خاطئا هو أن هذه الإصلاحات جاءت نتيجة لتعليمات فوقية أكثر مما هي نتيجة للبحث والدراسة الموضوعية. فما جاء في كلام الأستاذ مهري واضح، لأنه يتحدث عن الانطباع، وهذا الانطباع كما قال قد يكون خاطئا، فيكف نستنتج من هذا الانطباع الذي هو مجرد انطباع وأكبر الظن أنه خاطئ كيف نستنتج منه عنوانا كبيرا ونقول: هذه الإصلاحات أملتها قرارات فوقية: من أين جاءت هذه القرارات؟ 3- وبخصوص النقطة الثالثة المتعلقة بالمجلس الأعلى للتربية لم يكن للمجلس الأعلى مشروع تغريبي حتى نقول: إن التغريبيين نجحوا في إقناعه بتمرير هذا المشروع؟ لم يرد شيء من هذا في الكتاب، لأن المجلس الأعلى لم تكن له وجهة منافية للسياسة القائمة، فاهتماماته كانت مركزة على مراجعة أساليب تنفيذ السياسة القائمة، والجلسات التي عقدها، وحضرها مؤلف الكتاب لم تدرس فيها المشاريع الغربية أو المنحرفة، بل كان النقاش فيها جادا من أجل تطوير واقع المنظومة التربوية. النقطة الوحيدة التي لم نكن مرتاحين لها حين طرحها في الأيام الأخيرة في شكل اقتراح هي الدعوة إلى التبكير بتعليم اللغة الفرنسية في السنة الثالثة وليس الثانية واللغة الإنجليزية في السنة السادسة وكان مجرد اقتراح ثم إن المجلس قد حلّ بعد ذلك، ولم يطبق أي اقتراح من اقتراحاته، والكتاب تتبع أعماله وعلق عليها ونقد بعض الأساليب التي اتبعها في مناقشة القضايا، وهذا مسجل في الكتاب، ولم يكن المجلس يخضع لأي جهة من الجهات التي تسعى إلى تغريب المدرسة أو تذويب المجتمع في مجتمع آخر. ولعل القارئة (زهنية منصر) استنتجت هذا المعنى من بعض المقالات التي كتبها المؤلف تعليقا على من يسعون إلى تغريب المدرسة وتمرير بعض المشاريع التي تسعى إلى فصل المجتمع عن أصوله، والمدرسة عن مجتمعها، ولكن هذه الأفكار لا صلة لها بعمل المجلس أو توجيهاته. ولست أدري من أي استخلصت المعلقة هذا العنوان، ولذلك قلت في البداية قد اختلطت بعض الموضوعات على من تصفح الكتاب ولم يهتد في جمع المعلومات إلى الصواب. والخلاصة كنت أود من الذي يقرأ فصول هذا الكتاب أن يقف عند المعلومات التي تضمنها كل قسم من أقسام الدراسة، ويلخص الحقائق التي عرضت في كل قسم. وكنت أود بصفة خاصة أن يقف القارئ وقفة تأمل عند الإشكالات التي واجهت المدرسة، والتي لا يعرفها إلا القليل من الذين عاشوا قريبين من واقع المدرسة وأساليب التعامل معها. ومن الإشكالات التي حاول الكتاب أن يكشف عنها ويبين تأثيراتها في السير المدرسي. 1- التردد الذي ظل يطبع مواقف المسؤولين عن اتخاذ القرار الحاسم في شأن القضايا التي تتطلب الحسم. 2- الغموض الذي كان يكتنف بعض القرارات التي تتخذ من حين لآخر. 3- سياسة تعليم اللغات الأجنبية لم تحدد في أية مرحلة من مراحل السير المدرسي. 4- الموقف من تعليم اللغة الفرنسية والمستوى الذي تبرمج فيه ظل الأمر فيه يتأرجح بين المواقف المتضاربة. 5- إعادة الاعتبار للغة العربية ظل هدفا، ولكنه لم ينفذ بالأسلوب الذي يعيد لها مكانتها في كل المجالات. 6- قضية إعداد المعلم لم تضبط استراتيجية عملية تدفع الجهود إلى إيجاد معلم يملك القدرة والرغبة ويستطيع تحقيق النهضة التربوية وينجز المهام المنوطة به. 7- ما يزال الخلط قائما بين الإصلاح والتطوير مع العلم أن هدفنا هو التطوير والإصلاح مكمل له. 8- الصراع الذي استمر طويلا بين المدرسة الموروثة وعناصر المدرسة الناشئة. 9- الرفض غير المباشر وغير الصريح لترشيح اللغة العربية للقيام بدورها في التعليم العالي. 10- الإجراءات الهادفة إلى إبقاء الامتيازات التي كانت تتمتع بها اللغة الفرنسية. 11- النظرة إلى التربية الإسلامية تحركها خلفية ثقافية تعتبر الدين مادة من المواد المكملة للنشاط التعليمي وليست مادة أساسية والوعاء الزمني المخصص لها يؤكد ذلك، وكذك قرار تأجيل تدريسها إلى التعليم العالي ضمن الجامعة المتخصصة. 12- التقليل من الاهتمام بالتاريخ وفق البعدين: العربي والإسلامي وهناك خلط آخر يظهر في العناوين الفرعية. فالمعلومات التي كتبت تحت عنوان حصار الإنجليزية: تناولت أمورا أخرى ولم يأت الحديث عن الإنجليزية إلا في الأخير، وكذلك المعلومات التي وردت تحت عنوان مدرسة خيالية لم تذكر كلمة خيالية إلا عرضا في آخر الفقرة. - العنوان الوحيد الذي كان متطابقا مع المعلومات التي جاءت تحته هو: لجنة إصلاح التربية خالفت توجيهات رئيس الجمهورية، هذا عنوان صحيح متطابق لما ورد في الكتاب بخصوص اللجنة الوطنية.