تحولت مدينة نيويورك، منذ إعلان مقتل أسامة بن لادن، إلى ما يشبه الثكنة العسكرية المفتوحة، بسبب الانتشار الكبير لعناصر الشرطة التي أعلنت حالة استنفار حول عدد من النقاط المعروفة بحركتها الكثيفة، مثل محطات قطارات الأنفاق ومحيط موقع مركز التجارة العالمي الذي تحول إلى مزار للصحافيين والسياح الذين يقصدون بكثرة المدينة في هذه الفترة من السنة. بدأت ملامح مشهد احتفالات الأمريكيين بالقضاء على زعيم تنظيم القاعدة، تتحول تدريجيا إلى ما يشبه حالة الترقب الممزوجة بالخوف من تداعيات القضاء على المطلوب رقم واحد لدى الولاياتالمتحدة. وبدأت تطفو إلى السطح حالة من التساؤل عن مستقبل الولاياتالمتحدة ما بعد بن لادن، خصوصا بعد التصريحات التي تداولها المسؤولون والسياسيون الأمريكيون تباعا، والتي تضمنت في معظمها أن القضاء على بن لادن لا يعني القضاء على تهديد تنظيم القاعدة. وهي الرسالة التي سرعان ما فهمها الأمريكيون، الذين كادت انطباعاتهم تتفق على أن مقتل بن لادن قد يكون جزءا من حل معضلة الإرهاب، ولكنه ليس نهاية الكابوس الذي أرق أمريكا ومن ورائها العالم منذ هجمات الحادي عشر سبتمبر. وأول المحذرين من مرحلة ما بعد بن لادن كان رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية، ليون بانيتا، الذي أشار في تصريحات صحفية إلى أن بن لادن مات إلا أن تنظيم القاعدة لم يمت، مؤكدا أنه سينتقم لمقتل زعيمه. هذه التصريحات التي تلتها تعليقات أخرى لعدد من السياسيين الأمريكيين، تركت الانطباع بأن فرحة التخلص من بن لادن تظل ممزوجة بنوع من القلق بشأن عمليات انتقامية محتملة. وفي خضم حالة النشوة التي انتابت الأمريكيين، خصوصا سكان مدينة نيويورك الذين كانت مدينتهم مسرحا لأهم أعمال بن لادن التدميرية، أعلنت عناصر الإطفاء العثور على لفافة لم يحدد حجمها بالقرب من ساحة تايمز سكوير وسط مدينة منهاتن، وهو الخبر الذي انتشر بسرعة البرق، وأحدث حالة من الفضول لدى الآلاف الذين يؤمون يوميا هذه الساحة الشهيرة، خصوصا من السياح. غير أن لحظات بعد ذلك سارعت المصالح نفسها إلى التأكيد على أن هذه اللفافة لا تشكل أي خطر. هذه الحادثة لم تعكر صفو الفضوليين الذين بدأوا يتوافدون على مدينة نيويورك تباعا، واستعانت مصالح الأمن بعناصر من قوات مكافحة الإرهاب وعناصر أخرى من الجيش الأمريكي لحماية محطات القطارات، التي شهدت طيلة نهار أمس حركة غير عادية للمسافرين، حيث عززت قوات الأمن المختلفة الإجراءات الأمنية التي دأبت على اتباعها منذ سنوات طويلة عقب أحداث الحادي عشر سبتمبر. ولم تتوقف طيلة نهار أمس حركة الطائرات العمودية فوق سماء منهاتن، في منظر يوحي باستعداد منقطع النظير لأية تهديدات محتملة.