إنّ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم علّمنا أن نستشعر مراقبته، وأننا محاسبون عن كل صغيرة وكبيرة تصدر من جوارحنا كما قال تعالى في كتابه الكريم: {ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد}، بل علّمنا المنهج القرآني أنه سبحانه وتعالى يرانا في كلّ حالاتنا قال تعالى: {الّذي يراك حين تقوم وتقلّبَك في الساجدين} وقال تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم}، لذا يقول العارف بالله سيّدي أبو القاسم الجُنيد: ''المراقبة خلوصُ السرِّ والعلانية للّه عزّ وجلّ''. كان من منهج الحبيب سيّدنا ومولانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تعليم أصحابه استحضار عظمة الله في كل الأزمنة والأمكنة، كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي من طريق معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''اتّق الله حيثما ما كُنتَ وأتبِع السيّئة الحسنة تمحُها وخالِق الناس بخُلق حسن''. فالله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية قال تعالى: {يعلَمُ خائنة الأعيُن وما تُخفي الصدور} وقال تعالى: {إنّ ربَّك لبِالمرصاد}، وقال سبحانه: {إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء}. لذا يقول علماء السلوك إنّ من آثار المراقبة مجاهدة النفس، فقد روى الترمذي قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''الكيّس مَن دان نفسه وعَمِل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأماني''، ومن هنا يقول ذو النون المصري: ''علامة مراقبة الله إيثار ما أنزَل الله وتعظيم ما عظَّم الله وتصغير ما صغَّر الله''، وقال أبو عثمان المغربي: ''أفضل ما يلزَم الإنسان في هذه الطريقة المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعِلم''. ومن آثار مراقبة الله الامتثال للأوامر والانتهاء عن النواهي، لأن الله سبحانه يغار من أن يأتي العبد محارمَه كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إنّ الله تعالى يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرَّم الله عليه''. ومن آثار مراقبة الله تعالى عدم الاشتغال بعيوب الناس، والاشتغال بعيوبنا وما أكثرها، كما يقول أحد الصالحين: ''لو كانت للذنوب رائحة لما وسعكم هذا المجلس''، بل عدم الاشتغال بالناس هو من حسن الإسلام كما جاء في الحديث الّذي رواه الترمذي وابن ماجه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه''، وكما قال الإمام الجُنَيد: ''مَن تحقَّق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربّه لا غير''، بل إنّ الاتّصاف بمراقبة الله سبحانه وتعالى في السرّ والعلن وفي الجلوة والخلوة توصل العبد السالك إلى مقام الإحسان كما جاء في الحديث الّذي يرويه البخاري، قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''الإحسان أن تعبُد الله كأنّك تراه، فإن لم تكُن تراه فإنه يراك''، ولله ذرّ الإمام أحمد الرفاعي لما قال: ''مَن لَم يَزِنْ أقواله وأفعاله في كلّ وقت بالكتاب والسُنّة ولم يتّهم خواطره لم يثبت عندنا في ديوان الرجال''. قال الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: ''إذا التبَس عليك أمرٌ فانظُر أثقلها على النّفس فاتّبعه فإنّه لا يثقُل عليها إلاّ ما كان حقًا''، لأن السالك إذا استشعر مراقبة الله عاش مع ربّه وعمل لربّه ومات من أجله، قال تعالى: {قُل إنّ صلاتي ونُسكي ومحيايَ ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك الله وبذلك أُمرتُ وأنا أوّل المسلمين}.