مرّت في الليلة الماضية سنة كاملة على العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية، ولم يكن يخطر على بال من كانوا على سفينة مرمرة في تلك الساعات بأن مغامرتهم تلك، ستغيّر معطيات كثيرة بخصوص القضية الفلسطينية وعلى الساحة الدولية. حينما انتبه هؤلاء أن أسطولا بحريا عسكريا إسرائيليا، لا يُرى مثله إلا في الحروب الكبيرة بين الدول، قد أحاط بهم ، علموا أن الواقعة ستكون كبيرة، فقرروا أن لا يأخذهم الإسرائليون بسهولة كالقطعان، وأنه لا بد من مواجهة، ولو بالصدور العارية والأيادي الخالية من السلاح، فكانت المجزرة وسالت الدماء، وبعد ساعات من العراك غير المتكافئ ، تمكّن الجنود اليهود الجبناء من التحكم في السفينة الرمز، وقيّدوا ركابها وجمعوهم في مكان واحد، وجعلوا على رؤوسهم أعدادا هائلة من عساكر مدججين بالدروع والأسلحة المتطورة ، يخفون وجوههم بأقنعة لا تُرى منها إلا عيون خائفة زائغة، واقتادوهم إلى سجن بئر السبع وألبسوهم لباس السجناء. وحينما أُدخل هؤلاء المغامرون الزنازين لم يكونوا على علم بما يحدث في العالم. ظنوا أن مقامهم سيطول بين تلك الجدران السميكة، فاستعدوا لذلك وفوّضوا أمرهم لله، ولم يكن لهم من هم إلا الاتصال بأهاليهم ليطمئنوهم ويصبّروهم. وفي المساء بدأ القناصلة الأوربيون يتوافدون على السجون ليَطْمئنوا على مواطنيهم، فقال ديبلوماسي نورويجي حينما سأله أحدنا ماذا يحدث خارج السجن: ''إن العالم لا يتحدث إلا عنكم، وإن العلاقات الدولية لن تكون كما كانت عليه قبل حادثة ليلة أمس''، فعلم الجميع أن هدفهم قد تحقق أكثر بكثير مما كانوا يريدون. وجاء مع القناصلة محامون متطوعون من عرب الداخل الفلسطيني، لتدريب المقبوض عليهم على طرائق الجواب أثناء التحقيق، وما الذي يجب قوله وما الذي لا يجب قوله، فقال أحدهم: ''إن الخطوة التي خطوتموها ليست خطوة كبيرة نحو كسر الحصار على غزة فحسب، بل هي خطوة أساسية نحو تحرير فلسطين''. لعل الكثير من سجناء قضية أسطول الحرية لم يكونوا يأخذون هذا الكلام مأخذ الجد، وربما اعتبروه مجاملة للتخفيف عنهم، ولكن اليوم وفي خضم التداعيات المتتالية لصالح القضية الفلسطينية بعد سنة يتيمة من الزمن، صار واضحا بأن فلسطين والعرب والمسلمين على موعد قريب مشرق بحول الله. لأجل هذا... وقياما بالواجب لا بد أن نتذكّر، بهذه المناسبة، شهداء مرمرة الذين أحيت دماؤُهم الأمةَ كلها ، وأيقظت قطراتُها ضمائر الأحرار في العالم بأسره، ولا يجب أن ننس الجرحى الذين بقي بعضهم معطوبا تشهد تضحياتهم على علو قيمة فلسطين، ومن الوفاء أن نتذكر كل من شقّ عباب البحر للقاء غزة ولعيون المسجد الأقصى، ولا يصح أن نغفل عن تذكر كل من ساهم في تجهيز وتسهيل إنجاز تلك المهمة ولولم يركبوا البحر، ولعل أجر بعضهم أعظم من أجر بعض من واجه الصهاينة وتأذّى برؤية وجوههم، ولا بد أن نخص من بين هؤلاء كل من ساهم من الجزائريين في تمكين وفد الجزائر في أسطول الحرية من تشريف الوطن وأهله ورفع راية البلد بين مختلف الجنسيات، في أعالي البحار وفي مواجهة جنود الخزي والعار... لا بد أن نخص بالشكر كل أولئك المواطنين البسطاء، والمحسنين الأسخياء، والإعلاميين الميامين، والمسؤولين الذين لم يعيقوا إنجاز المهمة... تقبل الله من الجميع.