الإسطبلات تحوّلت إلى ''فنادق'' للباحثين عن العمل في العاصمة استفاق عمال مذبح رويسو في الجزائر العاصمة يوم الثامن من هذا الشهر، على جريمة سرقة خطط لها ونفذها مجهولون، يجري البحث عنهم من طرف الدرك الوطني في حسين داي. كل شيء انتهى على ما يرام، يوم عمل رسمي، عقارب الساعة أشارت إلى الواحدة ظهرا، حان وقت مغادرة غرفة التبريد. بالنسبة لعمالها الثلاثة يومئذ، كان اليوم عاديا، وطلبية ال23 خروفا جاهزة للتسليم لأصحابها من التجار والجزارين. لكن ما لم يكن في الحسبان حدث.. في ليلة السابع إلى الثامن من الشهر الجاري، اقتحم مجهولون غرفة التبريد عبر السقف، وكسروا مقافل الباب، واستولوا على كل ما بداخلها من محتويات. وفي صبيحة اليوم الموالي، ولما همّ العمال بدخول غرفة التبريد لتسليم البضاعة لأصحابها، تفاجأ الجميع بقفل الباب مكسورا ولا أثر لأي خروف في الثلاجة! ولأنها المرة الأولى في تاريخ هذا المذبح الذي يعتبر الأكبر في القارة الإفريقية، مثله مثل الكثير من المنشآت، فقد أثارت الحادثة قلقا كبيرا داخل إدارة وحدة رويسو التابعة للمؤسسة الجزائرية للمذابح والسماكة. التحريات الأولية بيّنت أن معالم الجريمة تعرضت للمسح من طرف إدارة الوحدة، التي قدّرت بأن الحادثة لا تستدعي تبليغ مصالح الأمن، ويكفي إغلاق الملف بهدوء وبلا ''شوشرة''. لكن في اليوم السادس بعد الحادثة، تقدم عاملو غرفة التبريد من مصالح الدرك بحسين داي وأبلغوها بما حدث، وأنهم يرفضون ''غمّ'' الحادثة وطيّ ملفها ومسح ''السكين في ظهورهم''، وهو ما لم تعلم به إدارة الوحدة إلا عندما حضرت سيارة الدرك إلى باب المذبح وطالب المحققون مقابلة رئيسها. ''إنزال'' من السقف لغرفة التبريد بابان رئيسيان، الأول يفتح والثاني يبقى مغلقا بإحكام طوال السنة.. وقد اختار السارقون الخروج منه لتفريغ غرفة التبريد من ''خرفانها''، بعدما اقتحموها من سقفها مستعملين المصعد المستعمل لنقل وتعليق البضاعة.. بالنسبة للمحققين، جميع الدلائل تشير إلى أن منفذي هذه الجريمة يعرفون جيدا منافذ الغرفة، وكانوا متأكدين من أن إدارة الوحدة ستعمل على إسكات الزبائن من الجزارين وتجار اللحوم بالجملة، أو على الأقل دفع العمال لتعويض جزء من الخسائر فيما تتكفل هي بالباقي. ولأنها لم تكن تريد التبليغ عن السرقة، فقد عاتب إدارة الوحدة عمال غرفة التبريد الذين رفضوا، حسب مصادر مؤكدة، الانخراط في عملية طمس الجريمة، وهو ما جلب عليهم غضب الإدارة واستدعي مستخدموها، وفي مقدمتهم رئيس الوحدة، للإدلاء بإفادتهم في التحقيق، برفقة ما لا يقل عن 50 شخصا آخرين من العمال وغير العمال. إسطبلات أم فنادق؟ المتجول في المذبح لا يلحظ ما يقال عنه من الخارج.. سكان رويسو القدامى يتذكرون بأنه كان منشأة لا يوجد نظيرها بعد في إفريقيا، لما يحتويه من مرافق وسلسلة إنتاج متكاملة. يوفر المذبح لزبائنه من تجار اللحوم الإقامة لماشيتهم والنظافة وخدمات الصحة البيطرية، والأهم من ذلك خدمة التبريد والحفظ. بغض النظر عن النظافة غير المتوفرة التي تشتم من على مئات الأمتار، فإن إسطبلات المذبح تحوّلت إلى فنادق يأوي إليها العمال والباحثون عن العمل في العاصمة، وبمقابل مالي بطبيعة الحال. هناك فئتان، فئة تدفع وتحصل على بطاقة إقامة في جناح من الإسطبل إلى جانب البقر والأغنام، وفئة تدفع ولا تحصل على بطاقة إقامة.. وهو ما تكشف من خلال جلسات الاستماع التي نظمها المحققون في القضية. مؤسسة قائمة بذاتها بالنسبة لعاملين في المذبح، المؤسسة مربحة جدا، بفضل المداخيل اليومية العائدة من نشاط الذبح، حيث تتحصل على هامش 13 دينارا على كل كيلوغرام من اللحم، بالإضافة إلى رسوم المواقف والدخول إلى المذبح، بواقع عشرة دنانير عن كل رأس غنم، و100 دينار لرأس بقر، يضاف إلى كل هذا رسوم التسجيل لدى المذبح، والتي يدفعها ''الذباحون'' كمقابل للسماح لهم بالعمل فيه، ناهيك عن رسوم الصحة البيطرية وخدمة التبريد. كراء التراخيص! مثل كل النشاطات التجارية والخدماتية لا تخلو مهنة الذبح والسلخ من المتطفلين أو ''الكلوندو''، الذين يستأجرون تراخيص ممارسة نشاط الذبح، وهو ما ينجر عنه دخول الكثير من المغامرين في هذا المجال الخطير للغاية، إلى السجن بسبب العجز عن تسديد الضرائب. الشجرة التي تغطي الغابة وقبل مغادرة المذبح الذي ستحتل قضيته الصدارة في الدورة الجنائية المقبلة، بعد استكمال فصول التحري والتحقيق، فإن المحققين متأكدون بأن حادثة السرقة التي أتت على 23 خروفا لا تعدو أن تكون سوى الشجرة التي تغطي الغابة، حيث اكتشف المحققون جرائم أكثر خطورة من سرقة الخرفان، والتي تصل عقوبتها إلى أضعاف عقوبة سرقة بضعة رؤوس ماشية، طالت قطع غيار المركبات والمبردات والثلاجات التي تزخر بها مواقف المذبح، والتي تقدّر بالملايير.. وهو ما سيطرح على إدارة المؤسسة الجزائرية للمذابح والسماكة العديد من التساؤلات المطلوب أجوبة لها في الأسابيع القليلة القادمة. مذبح رويسو في سطور يعتبر مذبح رويسو الأهم في شمال إفريقيا، وأقدمها. افتتح رسميا في 1 فيفري .1929 يقع في شارع المعدومين في حي رويسو، غير البعيد عن وسط العاصمة. يتربع على مساحة 24 ألف متر مربع، بطاقة استيعاب إجمالية تقدر ب480 إلى 5 آلاف رأس ماشية يوميا. ويتضمن المذبح ثلاث قاعات للذبح بمساحة 3250 متر مربع، وإسطبلات مهيأة بمساحة 3764 متر مربع، بطاقة استيعاب تتراوح بين 300 إلى 6 آلاف رأس ماشية، وغرفة للتبريد. ويتكون من طابق أرضي وآخر علوي بمساحة 1068 متر مربع، وبحجم 4127 متر مكعب، حيث يمكن تخزين ما لا يقل عن 300 طن من اللحوم. إضافة إلى 28 قاعة وفضاء لبيع الجلود. في سنة 2007 شرعت سلطات ولاية الجزائر العاصمة بهدم بعض مرافق المذبح تمهيدا لتحويله إلى بلدية أولاد فايت.