نشرت صحيفة وطنية محترمة خلال الأسبوع الماضي، مقالا يشبه جرس إنذار على قدوم خطر قاتل. هذا المقال يتعلق بالصحفي والشاعر عادل صياد يتهم فيه جهات معينة بتسميم حياته وتهديده بالقتل. وقد مر الزميل حفناوي غول، وهو مناضل شرس من أجل حقوق الإنسان بمعركة أكثر شراسة، تعرض فيها للاضطهاد والسجن ومحاكمات في الكثير منها غير عادلة، من أجل حقوقه الإنسانية وحقه خاصة في حرية التعبير. ولعل الذاكرة الجزائرية الحية لا تزال تتذكر معركة الدكتور كوردورلي حساين مع مدير الحماية المدنية، والذي تعرض فيها أيضا إلى تجويع أبنائه لمدة ست سنوات ومرمدته أمام المحاكم عن غير وجه حق. وتعرض كذلك الأستاذ ملوك الذي أصبح مشهورا بصاحب ملف القضاة المزيفين، إلى اضطهاد واستنطاق ومحاكمات وتهديد وتهميش تعجز الجبال عن تحملها، وتحملها هذا الرجل بمقاومة وصبر عظيمين. كذلك كان مصير الحاج قبة صاحب ملف المجاهدين المزيفين الذي فضح إحدى أكاذيب التاريخ الأكثر مهانة للثورة التحريرية العظيمة، وقد تعرض بدوره للاضطهاد والتهميش والتناسي. وماذا كان مصير لخضر بن سعيد الذي يتداول اسمه في أغلب فضائح التزييف والكذب على التاريخ، ومنها قضايا مسؤولين نافذين في حزب جبهة التحرير وملف جرائم الاستعمار وغيرها؟ كان مصيره التهميش والاضطهاد والاتهام بالجنون. وهل نسيت الذاكرة الجزائرية معركة تلك المرأة الشديدة البأس مريم مهدي التي أضربت عن الطعام إلى حد الموت من أجل استرداد كرامتها وحقوقها الإنسانية البسيطة التي لا تستدعي (من المفروض) تعريض الإنسان نفسه لخطر الموت... ستطول القائمة إلى المالانهاية لو نذكر كل أولئك الذين واللواتي يواجهون بصدورهم العارية قضايا الإجحاف والظلم والفساد والتزوير والعصابات التي أصبحت تهدد حياة المواطن الجزائري، بل تهدد حياة الدولة الجزائرية ككل. إنهم نوع من النساء والرجال الذين يعبرون عما بقي من ضمير حي في هذه الأمة. يعرضون حياتهم لمختلف أنواع المخاطر، ويمشون بأقدام حافية على الجمر من أجل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة. لكن وراء قضايا هؤلاء الرجال والنساء سنجد دائما هذا القاسم المشترك، فهم بقدر ما تعنيهم تلك القضايا التي تجشموا عناء حملها، أي أنهم معنيون بها كأفراد، بقدر ما أصبحت تتجاوزهم حالما خرجت للعلن وأصبحت قضايا تخص الشعب برمته، لأنها انتقلت من معاناة الفرد إلى معاناة المجتمع، من مواجهة مع الظلم والزيف والإهانة، إلى مطلب الدفاع عن الحقيقة والعدالة، وهما المطلبان اللذان تبنى عليهما المجتمعات القابلة للتطور. هذا النوع من مجاهدي العصر الحديث الذين يخوضون معارك، تبدو في ظاهرها فردية، لكنها في الجوهر هي معركة جميع الأحياء الذين لم تمت ضمائرهم بعد، من أجل الكرامة الإنسانية، وحق الناس في حياة سليمة وسلمية. وفي اعتقادي أن هذا النوع من الرجال والنساء هم الذين لا يزالون يحفظون توازن هذا المجتمع ويفتحون عيوننا على هذا الكم الهائل من الكذب والزيف والنفاق الذي يسمم حياتنا ويضطهد حقنا في حياة آمنة وكريمة. إنها ما يسمى في أدبيات الحياة ''معركة الرجل الأخيرة'' تلك المعركة التي تبدو أخيرة ونهائية لكنها في الحقيقة تضيء لنا موطئ الخطوة القادمة.