من المأمول أن يكون لذلك النصر الواعد ما بعده وأن تستمرّ جذوته ومشروعه في هذا الجيل وما بعده، إنّ الخط البياني للثورات لا يتواصل في متّصل مستقيم فقد تحوّلت الثورة الفرنسية سنوات قليلة بعد إعلانها من انقلاب البرجوازية على الملكية والكنيسة وحلفائها من طبقة النبلاء إلى ملكيّة والعودة إلى »الصواب« (La restauration) بل نكست على أعقابها وأعادت شرعنة العبودية وانهزمت في كلّ حروبها مع ألمانيا من 1871 و 1914 إلى 1940 وقبلت مع حكومة فيشي أن تكون مجرّد محميّة لألمانيا الهتليرية حتى أنقذها حلفاؤها من البريطانيين والأمريكان وعشرات الآلاف من جنود المستعمرات ومنهم أغلبيّة من الجزائريين الذين كافأتهم بجزاء سنمار قبل أن تجف دماؤهم المراقة على جبهات الحرب. الحلقة الثانية و الأخيرة
كما كانت الثورة الفيتنامية نموذجا آخر للتحرير بقيادة العم »هو« ضد الحرب الامبريالية الأمريكية الذي خصص له كاتب ياسين رائعته عن الرجل بحذاء مطاطي (كاوتشوك) وهو القائد النحيل والمتواضع الذي استفاد من عمقه الصيني ومن مساعدة الاتحاد السوفياتي في ذروة الحرب الباردة، وهو الذي أنهى الوجود الفرنسي من كلّ ما سمي بالهند الصينية على يد أحد قادته العظام وهو الجنرال جياب الذي ألحق أول هزيمة عسكرية بجيش نظامي لدولة متقدمة بواسطة حرب العصابات الثورية في معركة ديان بيان فو الشهيرة، وقد نقلت صحيفة الخبر الأسبوعي (العدد 600) أن الفقيد لخضر بن طوبال قد عاتب الجنرال لأنه أطلق سراح فئران الجيش الفرنسي المهزوم من جنود وضباط ليثأروا من هزيمتهم بتقتيل الجزائريين في المدن والقرى باسم التهدئة (La pacification) أي الحرب الشاملة وتقتيل المدنيين وتعميم الرعب بهدف إخماد لهيب الثورة. لقد حقّق الشعب الفيتنامي بكفاحه المستميت وتضحياته الجسيمة توحيد وطنه ودحر القوة الأعظم في تاريخ البشرية بالاعتماد أساسا على جبهته الداخلية، وهو يخوض اليوم تجربة رائدة في التنمية ويقترب من اللّحاق بالنمور الآسيوية بلغته الوطنية وبحزبه الشيوعي ومن النادر أن توجّه إليه انتقادات تتعلّق بالديموقراطية وحقوق الانسان وخاصة في بيانات الخارجية الأمريكيّة التي تصدر كشف النقاط في كلّ سنة لتصنيف البلاد النامية وغير النامية من الأكثر استبدادا إلى الأكثر ديموقراطية وهي الولاياتالمتحدة الأستاذ الذي لا يسأل عما تفعل جيوشها فقد فرضت على العديد من دول العالم الموافقة على عدم محاكمتهم على أيّ اعتداء أو جريمة خارج ترابها وهي تنتشر على مستوى القارات الخمس في 350 قاعدة عسكرية ولوجستية. من العوربة المبكرة لقضية فلسطين إلى تفريغ مشروعها النضالي للتحرر واستعادة الوطن السليب، إلى تذويب مشروعية الكفاح والمقاومة بالتدويل والحرب العالمية ضد الإرهاب تنظر هذه الورقة في الحصيلة المأساوية لتضحيات الشعب الفلسطيني في نهاية العقد الأول من هذا القرن، في منطقة ظلمته وظلم نفسه. ماذا بقي من القضية؟ وما هي الرهانات؟ وما هو مصير إسرائيل؟ على ضوء ميزان القوة الدولي المتغيّر؟ في هذه الورقة نتجنّب الأحكام المتسرّعة وتوزيع الاٌتهامات. ونجيب على التساؤلات السابقة بمنهج الاٌرتجاع eedback-feedb) الصاعد الذي يتجه من الحاضر نحو الماضي ليعود إلى الراهن لاٌستشراف بعض مؤشرات مستقبل إسرائيل في المنطقة والعالم ثانيا: القضيّة الفلسطينيّة: عوربة التفريط والاستدراج بالتدويل على العكس تماما من التجربتين السابقتين فقد تمّت عوربة القضيّة الفلسطينيّة في زمن مبكّر، واٌنتهى تدخّل تسعة جيوش ومتطوّعين قطعوا آلاف الأميال على الأقدام إلى اٌنكشاف المستور من الفساد والتواطؤ في اللانظام العربي الذي يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، فشعارات القضيّة الفلسطينيّة المقدّسة والقضيّة الأولى وجدت ترجمتها في الواقع باٌقتسام التراب الفلسطيني بين بلدي الجوار واٌنتهت عملية القسمة بلا ضرب (للعدو الإسرائيلي) في عمقه الحساس ولا جمع (بين الضفّة وغزّة) وأنتهت بعد أقل من عقدين إلى الاستيلاء على كلّ فلسطين ما قبل 1948 بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء والجولان وهيمنة إسرائيل الكاملة على المنطقة وتحويل قسم منها إلى جدار حاجز لحمايتها من المقاومة. وينبغي أن نلاحظ أن حكم القاهرة في غزّة ما قبل 1967 لم يكن اٌحتلالا ولا ضمّا لجزء من التراب الفلسطيني إلى مصر، أمّا الضفّة الغربيّة فإنّ وضعها كان ولا يزال أكثر تعقيدا فهناك شرقها الأردني ونسبة من سكانه من أصل فلسطيني تربطه علاقات القرابة الأسريّة مع الضفة الغربية وهناك العلاقة الخاصّة بين الأسرة الهاشميّة وكلّ من بريطانيا والولايات المتّحدة. فضلا عن الأهميّة الخاصّة للقدس بالنّسبة للمملكة الأردنيّة والنسبة العالية من النّخب الفكريّة والسّياسيّة المتميّزة في عموم الضفّة الغربيّة وعلى الأخصّ التّلويح بين الحين والحين بالأردن وطنا بديلا للفلسطينيين. 1 - ممانعة ماذا وكيف؟ وموالاة من ولماذا؟ توالت فصول المأساة الفلسطينية من الصفقات الخاسرة للعوربة إلى التدويل الاستدراجي والتذويب التدريجي في أروقة البيت الأبيض والاٌتحاد الأوروبي ونادي الرباعية بما فيها ضيف الشرف المتمثل في موسكو، ومن مدريدوأوسلو إلى مبادرة السلام الشبيهة بالزواج الأبيض إذ لم تعرها تل أبيب أدنى اٌهتمام بل قابلتها بالاستهانة بأصدقاء الولاياتالمتحدة وحلفائها الأقربين، فلم يحدث في تاريخ الصراعات منذ هابيل وقابيل إلى الحربين العالميتين وحروب التحرير أن كان السلام من باب الهدايا والتبرعات الخيرية، فلم تكن إسرائيل أكثر أمنا وغطرسة ودعما وتأييدا من طرف حماتها مثل ما هي عليه بعد 1967 واٌستئصال آخر معاقل المقاومة الفلسطينية على حدودها وتعهّد جيرانها قولا وعملا بحمايتها من المقاومة وخنقها من الداخل ومنع أي تهديد باٌنتفاضة ثالثة. لم يحرّك أحد ساكنا عندما حوصر قائد النضال الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات في بيروت وتمّ ترحيله على متن باخرة ترفع العلم الفرنسي كما كان حصاره في كانتون رام اللّه أشبه بالفرجة على فيلم الإنهاء (ترمنيتور) لأرنولد شوايز نيلغر، ولم تشفع له جائزة نوبل للسلام التي تقاسمها للتمويه مع شيمون بيريز الرئيس الإسرائيلي الحالي وهو من مجرمي الحرب بكلّ المقاييس، ومن الإنصاف أن نشير إلى أنّ المرحوم عرفات اجتهد في خدمة قضيّة شعبه تحت تأثير الإيديولوجيات العربيّة المتعارضة من الإخوان المسلمين إلى الحزب الشيوعي وتيارات حزب البعث التي تقاسمت كلّها المشهد السّياسي الفلسطيني نفسه. من آخر الفصول المأساوية وليس الأخير لما كان يسمى تجاوزا الصراع العربي الإسرائيلي نقل ذلك الصراع إلى الداخل الفلسطيني وإشغال الفلسطينيين بعضهم ببعض، وللتذكير والعبرة نقول بأنّ فرنسا لم تنجح في تحقيق ذلك الالتفاف على حرب التحرير الجزائرية، ولم تكن جماعات الحركة بما فيهم العميل بن لونيس سوى طابورا خامسا تعاملت معه أغلبيّة الشعب الجزائري ليس باٌعتباره خائنا فحسب، بل حكمت عليه بأنه خارج عن الملّة عقيدة واٌنتماء وتمّ القضاء عليه وعلى فلول الحركة الوطنيّة الجزائريّة المزيّفة (MNA) في أرض الوطن وفي المهجر. العوربة بعباءات مثقوبة ليس لنا أن نحكم على دواعي الانشطار في الصف الفلسطيني فالمرافعات من الطرفين غزيرة، ولأن الانحيازات الحالية تزيد الهوّة اٌتّساعا، فكلّ طرف يتّهم الآخر باٌفتقاد الشرعيّة بعد حلّ وتجميد المؤسّسات والعودة إلى المؤقّت في الضفّة (حكومة تصريف الأعمال وفي غزّة حكومة مقالة) ومنظّمة التحرير وحركتها المهيمنة (فتح) فتقتات من ماضيها وتبحث عن مبررات لحاضرها. ولكن الإدعاء بأنّ موقف الفصائل المحاصرة في غزّة مجرّد صدى وتحريك من الخارج غير مقنع، لأنّ ذلك بالضّبط ما فعلته وتفعله أطراف عربيّة في المنطقة، لم تكن القضيّة الفلسطينيّة بالنسبة لها في أغلب الأحيان أكثر من قميص عثمان يخفي أكثر مما يظهر على حساب الحقّ الفلسطيني المشروع في وطنه السليب، وعلى أي حال ليس من حق الجوار اٌحتكار القضية الفلسطينية في عباءاتهم المليئة بالثقوب الأمريكيّة الإسرائيليّة. قد يكون في التذكير عبرة لأجيال القرن الواحد والعشرين، فقد تمكّن ماك ماهون المفوّض السامي البريطاني في القاهرة من إقناع شريف مكة بالتعاون مع الإنكليز ضدّ العثمانيين وإبقاء فلسطين تحت حكم بريطانيا مقابل مملكة عربيّة وهميّة، وأفدح من ذلك فقد وقّع اٌبنه فيصل ملك العراق في فيرساي سنة 1919 على اٌتفاق مع حاييم وايزمان الرئيس الأول لإسرائيل لتنفيذ وعد بلفور وهذا هو المقصود بالعباءات المثقوبة ولا جدوى الآن من إعادة التذكير بالقتلى الفلسطينيين بالنيران الشقيقة ومنهم ظالم وأكثرهم مظلوم. إنّ مصطلحات الممانعة والموالاة تعكس الصراع العربي العربي ومدى جاذبية القطب الأمريكي الإسرائيلي وحسابات الفائدة والخسارة البراغماطية للأنظمة البارعة في المزايدة اللّفظية، ولكن أليس من حق المقاومة الإستفادة من أي دعم وتأييد من أي جهة؟ وخاصة عند تقييم الحصيلة الهزيلة للعوربة، وبعد التنصّل من الإزعاج الفلسطيني بعد 1973 والحبوُ خفية وعلنا للتطبيع بعد عودة المطبع الأول إلى دار الإفتاء مع الشكر والإمتنان، إنّ جامعة الدّول العربيّة ليست أكثر من صورة لواقع البلدان العربيّة وهيّ تحاول تحقيق حدّ أدنى من الاٌتفاق لكي لا يهزأ الآخرون بالمنطقة حسب المقولة الشهيرة: “اٌتفق العرب على أن لا يتّفقوا” الحقيقة أنّه بدل أن تجمع قضية فلسطين العرب بكل مللهم ونحلهم، فقد تفرقوا خوفا من الثمن المطلوب للمواجهة، كما تخاصم القادة الفلسطنيون حبّا لها ومن الحبّ ما قتل. هل كان بإمكان الفلسطينيين ومنظمتهم للتحرير الاستفادة من دعم الجوار العربي قبل الدولي بدون اٌحتواء وتسخير للمنظمة وتحكم في توجهاتها السياسيّة على ضوء اٌستحالة مواجهة عسكريّة تقليديّة يعني عن طريق حرب الاستنزاف الفدائية وحرمان الإسرائيليين من الأمن ليلا ونهارا كما كان الأمر في حرب التحرير الجزائرية ضد ميليشيات المستوطنين وأكثر من مليون ونصف مليون جندي فرنسي بالإضافة إلى البوليس السري واللفيف الأجنبي أي حوالي 15 من عساكر العدو أمام كل جندي من جيش التحرير الذي تذهب بعض التقديرات إلى أنه أقل من 300.000 جندي وفدائي بالإضافة إلى المسبلين وهم أضعاف العدد السابق. ليس بالإمكان الإجابة على التساؤل السابق، فالتاريخ لا يقبل التقييم والحكم على صيرورته بأثر رجعي كما أن المقارنة السابقة مع حرب التحرير الجزائريّة غير قابلة ميدانيا للتطبيق، وخاصة بعد أوسلو وما تلاه من خيار السلام العربي وكأن اللانظام العربي كان يعدّ لخيار آخر، ولذلك لم يبق من عوربة القضية الفلسطينية سوى الفتاوي التي تُحلّل ما حرمته لفظيا قمم سابقة باللاءات الثلاثة المعروفة في دار الفتوى على ضفاف النيل أين تجرى مراسيم جنائزية في ركوع أمام الثعبان الإسرائيلي المؤيد بالغول الأمريكي. عسى أن لا تدفن قضيّة فلسطين في قبر للشهيد المجهول كما حدث للهنود الحمر في الشمال والجنوب الأمريكي على يد مغول القرن السادس عشر من الإسبان واليانكي، وما اٌنتهى إليه حال الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر، فهل يكون ذلك هو مصير فلسطين في العقود الأولى من هذا القرن؟ لا نتوقع ذلك كما سنوضح فيما سيأتي من هذه الورقة. 2 - فلسطين في مخبر الأحادية القطبية: لنترك السؤال السابق في مستوى الفرضيّة وحساب الاٌحتمالات، على الرغم من أنّ هناك من يرجّحها بناء على وضعيّة التفكّك واٌنعدام أبجديات الإستراتيجية على مستوى أغلب أقطار المنطقة العربية والإسلامية وهي تذكر بمقولة تعود إلى القرن الأول الهجري التي تصف حال العراق، في عهد الحجاج بن يوسف فقد أجاب أحدهم بأن الناس يقولون “أنج سعد فقد هلك سعيد” أي أحفظ رأسك أولا ودع الآخر وشأنه، وهذا ينطبق على الكثير من النخب والقيادات في المنطقة، وخاصة بعدما حدث للعراق يا للمفارقة أن يكون حال العراق بالأمس البعيد أقل سوءا من حاله اليوم، وحال أغلب جيرانه يراوح مكانه على أفضل تقدير. إذا أضفنا إلى عوربة التذويب التي أدّت إلى تآكل مشروع التحرير الفلسطيني منذ أمين الحسيني إلى ياسر عرفات ومحمود عباس الذي اٌنخرط في لعبة يضع العدو وأنصاره قواعدها بعد سلسلة من الخيبات واٌنعدام البدائل الأخرى في نظر فتح وعدد من رفاقها في منظمة التحرير، إذا أضفنا كل ذلك، فإن الكثير من المؤشرات تدلّ على أنّه من غير المتوقّع أن يتغيّر وضع الفلسطينيّين إلى الأفضل في المدى المنظور، وحدّه الأدنى المعلن هو دولة قابلة للحياة عاصمتها جزء من القدس وهذا البند لا وجود له في أجندة الصهيونية العالمية أما موضوع اللاجئين فإن يهوديّة الدولة الإسرائيلية هي الجدار المانع لأيّ إخلال بالديموغرافية الحالية في يهودا والسامرة، فالهويّة اليهوديّة طاردة وهي أساسا دينيّة وبيولوجيّة (المولود من أمّ يهوديّة). كما اٌستبشرت قيادات في المنطقة بالوعود الخادعة للرئيس الأسبق جورج بوش الأب لإغواء العديد من النخب والقيادات للمشاركة في تدمير العراق، واٌنساقوا في زواج متعة بلا مقابل كما فعلوا قبل ذلك لصالح الامبريالية الأنغلو فرنسية ضدّ العثمانيين، وقد أشرنا إلى النتائج الوخيمة لذلك الاستغفال والغباء السياسي، فقد تعالت أصوات التفاؤل والإعجاب بحملة العلاقات العامة للرئيس الحالي باراك أوباما التي اٌفتتح بها عهدته في البيت الأبيض متناسين أنّ سياسات القوى الكبرى لا تقاس بالخطب البلاغية ودغدغة العواطف، إنّها تقوم على استراتيجيّة الهيمنة وحماية المصالح المكتسبة والمرغوبة وهي مصالح عبر قارية ونقطة اٌرتكازها في الشرق الأدنى هي القلعة الإسرائيلية. لم تتغيّر سياسات الولايات ومعها حلفاؤها سواء أثناء مرحلة الحرب الباردة أو بعدها، وإن طرأت عليها بعض التحويرات العملياتية بعد 11-09-1991 وفق المتوالية الحسابية التالية 1-4-2-1، الرقم -1- يعني حصانة التراب الأمريكي من أيّ تهديد من الدّاخل أو الخارج والرقم -4- يعني دوام قوّة الردع الأمريكيّة في أربعة مناطق من العالم هيّ أروبا الأطلسيّة واٌمتدادها نحو شرقها والاستفراد بالشرق الأوسط ومصادر الطاقة فيه وحماية التفوق الإسرائيلي والمحافظة على الحزام الواقي في جنوب شرق آسيا والرقم -2- يعني القدرة على الانتصار في أيّ حرب متزامنة في المنطقتين السابقتين في آن واحد والرقم 1 يعني القيام بعمليات بخسائر تقترب من الصفر بهدف اٌحتلال بلدان معادية وتغيير نظامها السياسي. اٌعتمدت واشنطن المتوالية الحسابية السابقة بعد اٌعتلائها عرش الأحادية القطبية في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي ووجد مخططو الاستراتيجيات الأمريكيّة ضالتهم في عدو حقيقي أو مفترض هو الإرهاب الدولي الذي يختلف تماما عن العدو السابق وايديولوجيته الماركسية اللينينية، فهو لا يوجد في بلد معيّن، وليس له جيوش نظاميّة وقد أصبح العدو السابق الذي اٌنكمش في الفيدرالية الروسية بين عشيّة وضحاها حليفا ضد الإرهاب الدولي باٌسم مكافحة القاعدة وشبكتها العنكبوتية. إنّ روسيا نفسها تتعرّض لتطويق بقواعد تقترب شيئا فشيئا من حدوها القديمة في عهد القيصرية (تزار) كلّ الأراضي الروسية، وللتذكير فإنّ بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصريّة، ومعها إسبانيا وهولنده والبرتغال هي التي أجهزت على الإمبراطورية العثمانية واٌقتسمت أشلاءها من شمال القوقاز شرقا إلى طنجة غربا ولازالت تعتبر تلك المناطق مجال نفوذها الحيوي الاقتصادي والسياسي والثقافي واللغوي، وهناك دلائل على مزيد من التفكيك والاٌنشطار توضع لمساته الأخيرة في العراق والسودان واليمن وباكستان وفيروساته تنخر بلدانا أخرى. 3- القاعدة والإرهاب في خدمة التحالف الغربي: الخطر البديل: لقد قدّمت القاعدة خدمات لا تقدّر بثمن للقوى الكبرى سهلت اٌعتبار أية مقاومة للعدوان الآتي من الخارج والظلم من الداخل إرهابا يدينه الجميع وتتحالف ضدّه كلّ الأنظمة المسيطرة والمحمية وبعد كلّ ما حدث في أفغانستان الطالبان وجزائر التسعينيات فإن إيديولوجية القاعدة بمختلف أسمائها وتطبيقاتها ليست لا يسارا ولا يمينا ولا بديلا مقنعا لنقائص وإفلاسات الأوضاع الراهنة في معظم البلدان الإسلامية التي لم يولد فيها مشروع للتقدم والتحديث ينبع من خلاصات تجاربها الماضية ويدخل العصر من بابه الحقيقي، ومفتاحه هو إيمان بالمعرفة ومعرفة بالإيمان والإرادة، بلا تلفيقية على طريق نعم... ولكن... وإذا... من النتائج الكارثية للقاعدة إعلان الحرب العالمية على الإرهاب وأول الخاسرين في هذه الحرب المعلنة هو المقاومة الفلسطينية إسلامية أو علمانية ووجدت إسرائيل من داخل المنطقة وخارجها مساعدة وتأييدا لمحاصرتها وتجفيف مصادر إمدادها واٌستباحة دماء المنضوين تحت لوائها بالرصاص المسكوب على غزة والاغتيال في أي مكان في العالم وخنق صوتها في داخل فلسطين وخارجها. من النادر أن يسمع صوت منظمات حقوق الإنسان بينما يقبع في المحتشد العام (كل ما تبقى من فلسطين) حوالي 000 10 سجين من الناشطين المدنيين بدون محاكمات عادلة وبينهم أطفال ونساء (وهل الاٌحتلال في حد ذاته عدالة؟) في حين يطالب العالم باٌطلاق عسكري أسير (غلعاد شاليط) ويصرح الرئيس الفرنسي بأن هذا الأسير يحمل جنسية بلاده أي أنه مرتزق ينبغي إطلاق سراحه ويفقد وزير خارجيته كوشنير المشهور باٌسم “فرنتش دكتر” (French Doctor) كل سجله السابق في الدفاع عن الحقوق والحريات والحق في التدخل لحمايتها والذي اٌعتصر قلبه ألما لترحيل مئات من الروم إلى حدّ التفكير في الإستقالة. والحقيقة أنّ هناك من يتساءل عما وراء قناع مثل هذا الشخص البارع في الفرجة وجذب الأنظار لقد كان له ولتنظيمه نشاط في أفغانستان بعد غزو السوفيات، نشاط ملحوظ تبخر بعد احتلاله واحتلال العراق وتدميرهما من طرف القوات الأمريكية وحلفائها في الناتو، أين الطبيب الإنساني جدا تجاه حصار غزّة ومذبحة الرصاص المسكوب في نهاية السانة الماضية ؟! أين كان الضمير الإنساني عند الساسة الفرنسيين وجمعياتهم المدافعة عن حقوق الاٌنسان والغيورة على من يحمل الجنسية الفرنسية وقد نسوا جميعا صالح عموري الذي يحملها وهو يقضي سنته الخامسة في السجن الإسرائيلي إن إسمه يخرجه من دائرة الاهتمام. إن إسرائيل العضو غير المعلن في الاتحاد الأروبي ستجد حسب كل الدلائل ترسيخا لهيمنتها الكاملة على المنطقة بدعم فرنسي غير مشروط (كانت باريس وراء الترسانة النووية لتل أبيب في منتصف القرن الماضي)، وذلك تحت مضلة ما يسمى الاتحاد من أجل المتوسط وتعيين مصر لنيابة رئاسة هذا الاتحاد “السيناريو” قد يكون مقدمة لضمان عضوية تل أبيب واختراق ما تبقى من الدول الرافضة للتطبيع M.Benachenhou: Union pour la mediterranée et Paxa Israela Quotidien d'Oran 05-05-2009 وقد ساعد خطر القاعدة الحقيقي والوهمي على إحياء الذاكرة الصليبية في عموم العالم المسيحي بالخوف والتخويف المفتعل من الإسلام (الإسلاموفوبيا) الذي لم يمثل معتنقوه طيلة القرنين الأخيرين أي تهديد حقيقي للمسيحية ومعتنقيها، بل كان المسلمون في آخر مواقعهم الدفاعية، ثمّ تحت سيف الاحتلال والحماية حتى ستينيات القرن الماضي ولازالت الكثير من ثرواتهم تنهب وبلدانهم تحت ما يشبه الوصاية السياسية والتبعيّة المفروضة أو الطوعية مقابل مضلة من الحماية الأجنبية ضد مفاجآت من الداخل أو الخارج وما بين أنظمتهم من تناقضات وشكوك ونزاعات يزيد كثيرا على ما عليه علاقاتهم مع الغرب المسيحي فضلا عما تعانيه الجاليات المهاجرة من عنصرية واٌضطهاد دفع البعض من نسائها ورجالها لتغيير أسمائهم العربيّة والإسلامية للتخلّص من الشبهة الإرهابية والمعاملات العنصرية.