الدولة لا يمكنها التصرف في احتياطي الصرف لأنه غير تابع لها قال محافظ بنك الجزائر الأسبق السيد بدر الدين نويوة، أن الاحتياطي من العملة الصعبة غير تابع للدولة ولا يمكن أن تستخدمه لتغطية نفقاتها. فالدولة مثل المتعاملين الاقتصاديين إذا احتاجت إلى العملة الصعبة لاستيراد سلع أو خدمات أو لتغطية نفقات أخرى، فهي مضطرة لشراء هذه العملة من البنك المركزي ودفع دنانير له في المقابل. أوضح بدر الدين نويوة ل''الخبر'' أن الإحتياطي يتكون من العملة الصعبة التي يشتريها البنك المركزي مقابل الدنانير التي يصدرها لهذا الغرض. ويشمل الشراء العملة الصعبة التي يحولها إلى البنك المركزي المصدّرون والأطراف الأخرى التي تقوم بنفس العملية، حيث أن 97% من إيرادات الجزائر من العملة الصعبة ناتجة عن تصدير المحروقات، فإن احتياطها يتكون أساسا من هذه الإيرادات. ولاحظ نويوة ''عندما تُصَدّرُ سوناطراك المحروقات وتستلم ثمنها بالدولارات فتبيع هذه الدولارات إلى البنك المركزي وتنال في المقابل دنانير تستخدمها لدفع الضرائب والمرتبات ولتغطية المصاريف الأخرى من شراء سلع وخدمات. ونفس العمليات تتم مع كل من يورّد العملة الصعبة إلى البلاد المصدرون الآخرون والمستثمرون الأجانب والمغتربون والسواح والسفارات الأجنبية. وهكذا فمقابل العملة الصعبة التي يشتريها البنك المركزي ويتكوّن منها الاحتياطي يُصدّر البنك المركزي دنانير تضاف إلى الكتلة النقدية''. وشدّد نويوة ''الاحتياطي من العملة الصعبة ملك للبنك المركزي وجزء من ميزانيته يحتفظ به لتغطية كل الدفعات التي تتم بالعملة الصعبة كالتي تترتب عن استيراد السلع والخدمات وتسديد الديون الخارجية ومصاريف السفارات الجزائرية في الخارج. وفي كل هذه الحالات يدفع البنك المركزي العملة الصعبة ويستلم في المقابل قيمتها بمبالغ من الدينار فينخفض الاحتياطي وتنخفض الكتلة النقدية''. ورأى المحافظ ''أنه من غير الصائب القول أن الجزائر تقوم باستغلال ثروتها من المحروقات لتكوين احتياطي من العملة الصعبة يُحْتَفَظُ به في الخارج بدون فائدة. فإن كان هناك استغلال مفرط للمحروقات، فإن ذلك يعود إلى الحاجة لمبالغ كبيرة من الموارد لتغطية نفقات الدولة المتزايدة ولاحتياجات سوناطراك والمصدّرين الآخرين. علما أن ثلثي (2/3) إيرادات ميزانية الدولة تأتي من الضرائب على المحروقات، كما أن الارتفاع في تكاليف الاستيراد التي ستفوق 45 مليار دولار في 2011 يتطلب مبالغ كبيرة من العملة الصعبة ولا زال لسوء الحظ المصدر الذي يكاد يكون الوحيد لهذه العملة هو تصدير المحروقات. واستطرد نويوة ''ليس الموضوع هو تخفيض استغلال المحروقات وإنما استخدام الموارد التي يدرّها استخداما محكما، بحيث توظّف بطريقة أفضل ويخضع الإنفاق لتحكم فعلي ولمراقبة صارمة. ومن المهم مكافحة الفساد الذي عم وتفشى في كل النشاطات والذي يتسبب في تبذير الموارد وفي انحطاط القيم الأخلاقية والعادات الحميدة وإزالة كل شيء كريم. والخطر هو أن كل هذه الظواهر المضرة تتمركز وتتعزز ويصبح من الصعب التخلص منها''. مضيفا ''الاستخدام السليم للموارد الناتجة عن استغلال المحروقات يستوجب توجيه هذه الموارد لتمويل الاحتياجات الضخمة لمختلف الاستثمارات. ففي السابق كانت موارد الدولة من المحروقات تضم ميزانية التجهيز وكانت ميزانية التسيير تموّل من الضرائب العادية فقط. فهل يمكن أن نتوقّع أن هذه القاعدة السليمة ستطبق من جديد في المستقبل تدريجيا؟''. في نفس السياق، أكد نويوة ''من الواضح إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تقتضي أن يخصص لها الجزء الأكبر من الموارد المتولدة عن تصدير المحروقات وأن يتم استخدامها استخداما محكما، لكن ليس المقصود هو تمويل كل أنواع هذه الاستثمارات من موارد الدولة وإنما جعل هذه الموارد كحافز لجلب أموال القطاع الخاص المحلي والأموال الأجنبية نحو الاستثمارات الإنتاجية. وفيما يتعلق بالخارج فالسعي يكون ليس لجلب الأموال فقط وإنما لتوفير التكنولوجية وحسن التسيير وفرص التصدير. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا إذا أُحْدثَت بيئة سليمة، خالية من سيطرة البيروقراطية والفساد الذي هو عائق لكل عمل إيجابي، الأمر الذي يستوجب وضع إطار تنظيمي شامل وواضح يحمي المصلحة العامة ويشجّع الاستثمار ويستوجب دعم المؤسسات والأجهزة المسؤولة عن تطبيق الأنظمة ومراقبتها بعناصر تتصف بالكفاءة والنزاهة''. إدارة الإحتياطي من العملة الأجنبية إن البنك المركزي كمسؤول عن جمع وإدارة الاحتياطي من العملة الصعبة، يحرص على أن يكون الإحتياطي في مأمن وسهل التسييل ومولد لأكبر عائد ممكن. ولحمايته من خطر تقلّب سعر العملات فيحرص على تنويع العملات، بحيث يشمل الاحتياطي جملة من أهم العملات. وفي نفس الوقت يراقب البنك تطور أسعارها في السوق ويتّخذ بسرعة الإجراءات اللازمة إذا تطلّبت الحاجة إلى ذلك. فهذا ما حصل في سنة 1985 حين كان الإحتياطي مكوّنا من الدولار، إذ كان سعره مرتفعا جدا. ولكن بعد اتفاق بلازا في نيويورك في سبتمبر 1985 شرع سعر الدولار ينخفض. ولتجنّب خسائر كبيرة قامت أجهزة البنك المركزي يوميا بتحويل المبالغ المتوفرة لديها من الدولار إلى العملات القومية مثل الدتش مارك والين، وهكذا انتهت سنة 1985 بأرباح تبلغ 2 مليار دينار وهو مبلغ مهم في ذلك الوقت. ولاحظ نويوة ''بخصوص توظيف مبالغ الإحتياطي من العملة الأجنبية كان البنك المركزي يرفض زمنا طويلا شراء سندات الخزينة الأمريكية تماشيا مع سياسة بلدنا. فكانت المبالغ من العملة الصعبة تستثمر لدى بنوك أجنبية من الدرجة الأولى لها مركز مالي قومي وكان وضعها موضوع متابعة مستمرة من طرف أجهزة البنك المركزي لتجنب أي مفاجئة. وكان اختيار البنوك التي تودع إليها مبالغ الإحتياطي من العملة الأجنبية يأخذ بعين الاعتبار موضوع الأمن والسيولة والعائد، الخدمات والتسهيلات التي كانت هذه البنوك مستعدة لتقديمها للبنك المركزي وللمؤسسات الأخرى في البلاد. فكانت هذه البنوك تساهم في التمويلات التي كانت تعبأ من السوق لتغطية احتياجاتنا من العملة الصعبة عندما كان بلادنا يعاني من عجز في العملة الصعبة. مضيفا ''إدارة الاحتياطي من العملة الأجنبية -رغم أن المبالغ كانت بسيطة- كانت تسعى لتحقيق أهداف تخدم المصالح المالية والاقتصادية للبلاد، بالإضافة إلى الحرص على التمسك بالقواعد السليمة المطبقة في هذا الميدان. نظرا إلى أن الإحتياطي مكون من العملات الأجنبية، فلا يمكن إيداع العملات إلا في الخارج للتمكن من استخدامها في دفع المصاريف بالعملة الصعبة ومن استثمارها. فلا يمكن إذا الاحتفاظ بالاحتياطي من العملات الأجنبية في الجزائر. وأكد المحافظ ''ارتفع الاحتياطي من العملة الصعبة، حيث فاق 176 مليار دولار. وتستثمر هذه المبالغ في شراء سندات سيادية تابعة لبلدان لها اقتصاد قوي وليست معرضة لأخطار تجعلها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها. فهي إذا في مأمن وقابلة للتسييل، حيث تختلف مدتها، حسب احتياجات البنك المركزي وحيث يوجد لها سوق ثانوي ناشط. أما استثمار جزء من الاحتياطي كما اقترحه البعض في شراء أوراق مالية (سندات وأسهم) صادرة عن شركات تابعة للقطاع الخاص، فإنه أمر يجعل هذا الاستثمار مُعرّضا للمخاطر وإن كان العائد مرتفعا، وليس هذا النوع من الاستثمار من سياسة البنك المركزي''. كما أن شراء الذهب في ظروف مضطربة بينما هو عرضة لمضاربة شديدة، أمر غير مرغوب فيه أيضا. ولكن ينبغي أن يتم شراءه في ظروف مواتية عندما يكون سعره معقولا فأول مخزون بلادنا من الذهب تم تحقيقه بفضل بعد النظر لأول محافظ للبنك المركزي السيد الصغير مسطفاي الذي أدار المؤسسة حوالي عشرين سنة بكفاءة وفاعلية وإخلاص بدون أن يعلن أو يتباهى بما كان ينجزه، فهو الذي اشترى الذهب بسعر 35 دولار أمريكي الأوقية قبل أن تتخذ الولاياتالمتحدة في 1971 القرار بتوقيف صلاحية تحويل الدولار بالذهب والحد هكذا من وجود سعر ثابت لهذا الأخير. علما بأن سعر الذهب يتراوح حاليا بين 1600 و 1700 دولار أمريكي الأوقية. مهما كان الأمر فهذا المخزون من الذهب كان مفيدا ومكّن بلادنا من أن يحافظ على ثقة الأسواق المالية عندما انخفض الاحتياطي من العملة الصعبة إلى 200 مليون دولار أمريكي جراء انخفاض سعر برميل النفط في 1986 فصار في حدود 10 دولار. وهكذا انهار دخلنا من المحروقات بينما كان من الضروري الاستمرار في مواجهة التزاماتنا الخارجية والحفاظ على سمعة بلادنا ومصالحها، خاصة وأن السلطات في ذلك الوقت رفضت تقليص برنامج الاستيراد. فاتخذ إذا البنك المركزي التدابير اللازمة لكي لا تقع البلاد في أزمة العجز عن الدفع بالعملة الصعبة. فاتفق مع البنوك التجارية الوطنية على أن يقوم البنك - بناء على برنامج مدروس- بتعبئة الموارد من العملة الصعبة التي كنا في حاجة إليها بصفة منتظمة وحذرة لكي تستمر العملية ولكي تبقى شروط الاقتراض (أي التكاليف والمدة ونوع العملة) مقبولة لدينا. وفي نفس الوقت وضع البنك المركزي توقعات شهرية لأنواع المصاريف بالعملة الصعبة. وبناء على هذه التوقعات، صار البنك المركزي يوزّع يوميا ما توفّر من العملة الصعبة لدفع المبالغ المستحقة وفقا لطابعها العاجل. فكانت تعطى الأولوية لتسديد ما يستحق من المديونية الخارجية، لأن أي تأخير في هذا المجال يتسبب في كارثة بالنسبة لبلادنا ثم لتغطية التزامات مؤسساتنا نحو الأطراف الأجنبية لحمايتها من أي مشاكل مع هؤلاء. وهكذا بفضل المخزون من الذهب وعمل البنوك التجارية الوطنية تحت إشراف البنك المركزي تمت تعبئة الموارد بالعملة الصعبة من السوق المالية التي كانت البلاد في حاجة إليها، وبفضل البنك المركزي لتنفيذ الدفعات الخارجية بصفة منتظمة، استطاع بلدنا أن يف بالتزاماته الخارجية، وأن يحتفظ بثقة السوق المالية. فالغرض من التذكير بهذه الوقائع، يقول نويوة، هو التأكيد على أن الجزائر لا زالت معرّضة للمخاطر وإلى الصعوبات التي واجهتها في الثمانينات وفي السنوات التي أتبعتها ما دام معتمدا على الموارد الناتجة عن المحروقات وعلى الاستيراد لتسيير اقتصاده. وفيما يتعلق بتوظيف مبالغ الإحتياطي من العملات الأجنبية، تساءل البعض، يقول نويوة، لماذا لا يستثمر البنك المركزي جزءا من أمواله بالعملة الصعبة في امتلاك مساهمات في رؤوس أموال شركات أجنبية تعمل في قطاعات استراتيجية، خاصة أن قيمة أسهمها انخفضت بسبب الأزمة المالية والاقتصادية الحالية. فهذه العمليات يترتب عليها تجميد مبالغ المساهمات وهذا يتنافى مع سياسة إدارة الاحتياطي، ثم هذه العمليات ليست من صلاحيات البنك، وليس من المعقول أن يقوم بلدنا باستثمار جزء من موارده بالعملة الصعبة في الخارج، بينما كل القطاعات الإنتاجية المحلية تعاني من عجز في الاستثمار. وقد تأسّف وزير الطاقة والمناجم عن عدم إنتاج معدات بترولية من طرف سوناطراك أو شركة أخرى بعد خمسين سنة من الاستقلال، وفي الواقع يمكن للوزراء الآخرين كوزير الصناعة ووزير الأشغال العمومية ووزير النقل، أن يعربوا عن نفس الملاحظة فيما يتعلق بعدم إنتاج المعدات والمواد الأخرى التي تحتاج إليها القطاعات التي يشرفون عليها. لكن ينبغي عدم الاكتفاء بالتأسف وإنما تُتخَذ الإجراءات اللازمة لتفادي هذا الخلل الكبير وغير المقبول. وشدّد نويوة ''مهما كان الأمر فالمساهمة في الشركات الأجنبية لا يمكن اللجوء إليها إلا إذا كانت ترمي إلى دفع هذه الشركات إلى التمركز والإنتاج في الجزائر''.