إنّ من أعظم النِّعم الّتي أنعم الله بها على الأمّة الإسلامية. نعمة ولادة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، ونعمة بعثته صلّى الله عليه وسلّم برسالة الإسلام ودستورها الخالد: القرآن، قال الله تعالى ''لقَد مَنَّ اللهُ على المؤمنين إذْ بَعَث فيهم رسولاً مِن أنفُسِهم''. وقال سبحانه ''كذلِك أرسلناك في أُمَّة قد خَلَت مِن قبلها أممٌ لِتَتْلُوَ عليهم الّذي أوحينا إليك''. وفرحةُ المسلمين بمولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبعثته، وفرحتهم بهذا الدِّين العظيم تتمثل في حُبِّهم له صلّى الله عليه وسلّم وتوقيره وتعظيمه، ولَن يصدُقَ زَعمهم بحبِّه إلاّ إذا حقّقوا الطاعة والاتباع له صلّى الله عليه وسلّم، وامتثلوا أوامرَه واجتنبوا نواهيه وتأسَّوا به وسَلَّموا لأحكامه. قل الله تعالى: ''قُل إن كنتُم تُحبُّون اللهَ فاتّبِعوني يُحْبِبكم اللهُ ويغفر لكم ذنوبَكم والله غفور رحيم''. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ''هذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ مَن ادّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمّدية، فإنّه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتّى يتّبع الشّرع المحمّديّ والدِّين النّبويّ في جميع أقواله وأفعاله وأحواله''. وعلى هذا، فإنّ الاحتفال بمولد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكون في كلّ يوم وفي كلّ حين، بإحياء سُنَّته واتّباع هَدْيِه والعمل بما جاء به. أمّا ما جرت به العادة من إيقاد الشّموع والمصابيح وتفجير المفرقعات ونحوها ممّا فيه إسراف للأموال وتضييع للأوقات والواجبات، وإحداث الأضرار والإضرار بالغير، فليس مشروعاً بل هو من المنكرات المحدثة، وكذا الاستغاثة بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والإطراء والغلوّ في النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وإنّما يُحتفل به كما كان يحتفلُ هو صلّى الله عليه وسلّم، فقد سُئِل عن صوم يوم الإثنين، قال: ''ذاك يومٌ وُلِدتُ فيه ويومٌ بُعثتُ أو أُنزِل عليَّ فيه'' رواه مسلم عن أبي قتادة. فهيَّا بنا نفرَح ونبتهج بمولد خير الأنام من غير غلوٍّ ولا إطراء، ونَسْتَلْهِم العِبَر والعِظات من سيرته الشّريفة وشمائله الحميدة، ونحرص على اتّباع هديه صلّى الله عليه وسلّم والتمسُّك بسُنَّته، وتعليمها للكبير والصغير. نسأل اللهَ أن يوفِّقنا لمرضاته، واتّباع نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم والعمل بما جاء به، وأن يرزقنا الإخلاص والصِّدق في القول والعمل، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه، وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.