''جفعات شاؤول'' هو الاسم الذي أطلقه الإسرائيليون على المستعمرة التي أقاموها على أنقاض قرية دير ياسين بعد أن دمّروها وارتكبوا المجزرة الدموية الشهيرة المعروفة باسمها في العاشر من أفريل .1948 لقد ظنوا حينذاك بأن إطلاق هذا الاسم الجديد الغريب على القرية العربية الفلسطينية وهدم بيوتها الريفية البسيطة، سيكون كفيلا بإطفاء الوهج الذي انبعث من دم أبنائها في ذلك اليوم الأسود، لكن الستة والستين عاما الماضية، ظلت تشبه العام بعد الآخر، بأنه ما من قوة يمكنها أن تمحو من الذاكرة الفلسطينية سيناريو الإبادة الوحشية الشنيعة التي تعرضت لها قرية فلسطينية صغيرة تقع غرب مدينة القدس ولا زالت تدعى دير ياسين، لأن ذاكرة الشعب الفلسطيني دائمة الخضرة وتأبى النسيان. وفي الساعة الثانية من صباح 10 أفريل، أعطي الأمر بالهجوم على دير ياسين، وتحركت عصابات الأرغون والهاجانا (برئاسة مناحيم بيغن الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء إسرائيل) لاكتساح القرية من الشرق وتبعتها مجموعات من عصابة شتيرن بسيارتين مصفحتين. ويروي بيغن في حديثه عن المذبحة أن العرب الفلسطينيين دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة، فكان القتال يدور من منزل إلى منزل، وكلما احتل اليهود بيتا فجّروه على من فيه، وبعد تقدم بطيء في الظلام، بدأ احتلال القرية بكاملها وتدميرها، ووصل إرهابيو شتيرن وقالوا إن المخرج الغربي مفتوح، فقام الصهاينة باصطياد من خرج من القرية، أما الذين بقوا في بيوتهم فتم الإجهاز عليهم بالقنابل، ثم جاءت وحدة من الهاجانات فحفرت قبرا جماعيا دفنت فيه مائتين وخمسين جثة أكثرهم من النساء والشيوخ والأطفال. عن هذا القبر الجماعي وعدد الفلسطينيين الذين دفنوا فيه يقول ''جاك دي رينيه'' رئيس بعثة الصليب الأحمر الدولي الذي قام بزيارة دير ياسين، وفحص القبر الجماعي، وشاهد أكوام القتلى، ووضع تقريرا عن ذلك بالفرنسية: ''لم يرفضوا مساعدتي فحسب، وإنما رفضوا أيضا تحمّل مسؤولية ما يمكن أن يحدث لي، وكانت العصابة ترتدي ملابس ميدان، وكان جميع أفرادها شبانا ومراهقين، ذكورا وإناثا، مدججين بالسلاح، وكان القسم الأكبر منهم لا يزال ملطخا بالدماء، وخناجرهم في أيديهم، وعرضت فتاة جميلة تطفو عيناها بالجريمة يديها وهما تقطران دما، وكانت تحركها وكأنها ميدالية حرب... حاولت دخول أحد منازل، فأحاط بي أكثر من 12 جنديا مصوبين بنادقهم الرشاشة نحوي... فقلت لهؤلاء المجرمين رأيي وهددتهم ودفعتهم جانبا ودخلت المنزل. هنا تمت التصفية بواسطة الرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين... وعندما هممت بمغادرة المكان سمعت أصوات تنهدات... وبحثت عن مصدر الصوت مقلبا الجثث، فتعثرت بقدم صغيرة وحارة، وكانت فتاة في العاشرة من عمرها مزقت بقنبلة يدوية، ولكنها ما تزال على قيد الحياة، وعندما حاولت حملها حاول أحد الصهاينة منعي... أصدرت أوامري بإخلاء البيوت من الجثث، ولم يكن هناك من الأحياء غير امرأتين أحدهما عجوز اختبأت خلف كومة الحطب، وكان في القرية أكثر من 400 شخص، وقد هرب ما يقارب الأربعين فقط، وأما الباقون فقد ذبحوا دون تمييز بدم بارد''. وبذلك أصبح اسم دير ياسين رمزا للفاشية الإسرائيلية، ومؤشرا حقيقيا على طبيعة الكيان الإسرائيلي الذي أعلن عن قيامه بعد قرابة شهر على المجزرة، غير أن المعركة لم تنته بعد، وسيستمر الصراع بين دير ياسين وجفعات شاؤول، بين إسرائيل وفلسطين، وتؤكد بأن دير ياسين ورغم مرور أكثر من ستة عقود، لا زالت حية في قلب الذاكرة... في ذاكرة القلب. سفارة دولة فلسطين بالجزائر*