سيتعرف العالم، مساء اليوم، على الرئيس الفرنسي الذي سيختاره الفرنسيون للتربع على عرش الإليزيه في انتخابات رئاسية اتسمت بالحدة والحماسة، وشهدت بعض التجاوزات ''المعقولة'' بين الرئيس المترشح نيكولا ساركوزي ومنافسه الشرس فرانسوا هولاند في الجولة الأخيرة لهذه الانتخابات، التي ستكون لها انعكاسات، ليس فقط على الفرنسيين بل حتى على الجزائريين والمغاربة والعرب والأوروبيين، بالنظر إلى التباين في نظرة المرشحين حول عدة ملفات خارجية كالهجرة والأمن والإسلاموفوبيا. انطلق، أمس السبت، التصويت في ما وراء البحار الفرنسية والذين يعيشون في القارة الأمريكية بشقيها الشمالي والجنوبي، وافتتح أول مكتب اقتراع في سان بيار وميكلون قبالة كندا على الساعة 10 بتوقيت غرينتش، فيما ينتخب الفرنسيون المقيمون في الجزائر، اليوم الأحد، على غرار بقية الناخبين الفرنسيين البالغ عددهم نحو 44 مليون مسجل، واضطر المرشحان الرئاسيان وأنصارهما التزام الصمت منذ منتصف ليلة الجمعة الماضية، والأمر ذاته على وسائل الإعلام ومراكز سبر الآراء، وهددت السلطات الفرنسية المعنية بفرض غرامات كبيرة على وسائل الإعلام التي لا تلتزم بهذا القرار. ساركوزي يلعب آخر أوراقه ويعد بمفاجأة كبرى المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند وإن فاز على الرئيس المترشح بفارق بسيط (%28,63 مقابل %27,18) إلا أن ساركوزي يكافح إلى آخر نفس من أجل البقاء خمس سنوات أخرى على كرسي الرئاسة، محاولا استقطاب أنصار اليمين المتطرف (%17,9) والذين أبت زعيمتهم مارين لوبان دعمه، بالإضافة إلى محاولة تعبئة أصوات الممتنعين في الجولة الأولى (%20,53) في صفه بعد أن حقق بعض التقدم البسيط في آخر نتائج لسبر الآراء، عندما قلص الفارق بينه وبين هولاند إلى أربع نقاط بعدما كان يتجاوز ست نقاط، ومع ذلك يبقى هذا الفارق أعلى بقليل من هامش الخطأ والمقدر بثلاث نقاط زيادة أو نقصانا، خاصة وأن المناظرة بين المرشحين، يوم الأربعاء الماضي، لم تكن حاسمة وإن مالت قليلا لصالح هولاند، حسب نتائج سبر الآراء. وحاول ساركوزي التشكيك في دقة نتائج سبر الآراء لضمان تماسك أنصاره واستقطاب الناخبين المترددين، بالتأكيد أن الاقتراع لا يزال ''مفتوحا''، وبثقة كبيرة في النفس قال ساركوزي في تصريح أول أمس لإذاعة (أوروبا 1) ''ستشهدون مفاجأة كبرى'' اليوم الأحد. وركز الرئيس المرشح في حملته بشكل أساسي على ملفات الهجرة والأمن والحدود على أمل جذب أصوات مناصري مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان (%17,9)، لكنه بالمقابل استفز مجددا المهاجرين والفرنسيين من أصول مغاربية الذين سبق أن وصفهم ''بالأوباش والرعاع'' في .2005 هولاند يستعد لدحر آخر الرؤساء اليمينيين يوجد المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في أحسن موقع لدحر الرئيس المترشح نيكولا ساركوزي، خاصة بعد تفوقه عليه في الجولة الأولى، ووقوفه الند للند أمامه رغم أن ساركوزي معروف بقوته الكبيرة في الخطابة والقدرة على الإقناع والتأثير وزعزعة الخصم عبر السخرية منه والتشكيك في قدراته واستفزازه قبل أن يفقده رباطة جأشه والإطاحة به، عبر إظهاره أمام الرأي العام بالعاجز الغاضب، مثلما فعل مع المرشحة الرئاسية سيغولين روايل في 2007، إلا أن هولاند استطاع الإفلات من حيل وألاعيب ساركوزي الكلامية في مناظرة الأربعاء الفارط، ما أعطى ثقة أكبر لأنصاره في قدرته على قيادة فرنسا في ظل الأزمة الاقتصادية. كما أن إعلان أربعة مرشحين رئاسيين في الجولة السابقة دعمهم لهولاند أعطاه قوة أكبر قبل المواجهة الحاسمة اليوم، خاصة وأنه استطاع اختراق معسكر اليمين وسحب مرشح يمين الوسط فرانسوا بايرو (9 بالمئة من الأصوات) إلى صفه بعد أن اتهم ساركوزي بأنه يقترب أكثر من اليمين المتطرف، ما خلخل تكتل اليمينيين حول مرشحهم الرئاسي، وأعطى نقاطا إضافية لمرشح اليسار. ''المغاربة'' ينتظرون رد ''الدين'' لساركوزي ومن المنتظر أن تكون مشاركة الفرنسيين من أصول مغاربية في هذه الانتخابات هامة وربما حاسمة، خاصة أنهم يمثلون كتلة انتخابية تفوق 3 ملايين صوت من أصل 5 ملايين فرنسي من أصول مغاربية، حسب بعض التقديرات، التي تأخذ بعين الاعتبار خمسة أجيال من الهجرة منذ استعمار فرنسا لدول المغرب العربي وخاصة الجزائر، والثلثان يحق لهم التصويت بسبب بلوغهم سنّ الرشد، أي أكثر من 18 سنة. ويميل أغلب الفرنسيين من أصول مغاربية للتصويت لصالح المرشح الاشتراكي، فرانسوا هولاند، نكاية في ساركوزي الذي سبق أن وصفهم ''بالرعاع'' خلال الاضطرابات التي شهدتها الضواحي الفرنسية في 2005، كما أن اليسار معروف بقربه من الجزائر التي يمثل الفرنسيون المنحدرون منها أغلبية المسلمين في فرنسا، يليهم المغربيون ثم التونسيون الذين لن ينسوا دعم ساركوزي لبن علي خلال الثورة التونسية. ونظرا للتقارب الكبير بين ساركوزي وهولاند، فإن لكل صوت قيمته في هذه الانتخابات، كما اعترف ساركوزي بذلك بنفسه، ما يجعل ثلاثة ملايين صوت يملكها الفرنسيون من أصول مغاربية قوة كبيرة وحاسمة في اختيار الرئيس الفرنسي القادم، فهل يدرك المسلمون الفرنسيون أن اختيار الرئيس الفرنسي القادم أصبح بأيديهم.