إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من أعظم واجبات الدِّين الإسلامي، وأصلٌ عظيم من أصوله، وأساس لأركانه، لا يقوم الإسلام ولا تنتظم حياة النّاس إلاّ به إلا بالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. نّ الله تعالى لم يبعث رسولاً من الرّسل إلاّ أمره بأن يُرشِد قومه ويأمرهم بالمعروف أي بالخير والصّلاح، وينهاهم عن المنكر أي عن المعاصي والفساد والظلم، وقد أوجب الله تعالى ذلك في كتابه العزيز، قال: ''وَلْتَكُن منكم أمَّة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأؤلئك هم المفلحون''. وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''لتأمُرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو لَيُسلِّطَنَّ الله عليكم شراركم فيدعو خيارُكم فلا يستجاب له'' وهذا تهديد بليغ ووعيد شديد، إذ يُبيِّن لنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه إذا انعدم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فإنّ الله تعالى يُسلِّط على الأمّة شرارَها أي أشرَّ النّاس منها، وفي ذلك من العذاب للأمّة والفساد ما لا يخفى، ثمّ إنّه تعالى لا يستجيب دعاء النّاس الصّالحين منها لأنّهم تركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد أصبحنا في وقت انعدم فيه النّهي عن المنكر حتّى صار الإنسان عاجزاً عن نهي أولاده وبناته عما يفعلونه من معاصي ومخالفات وموبقات، فعَمَّ البلاء وكبُرَت الفتنة على المجتمع، وانتشر التعفّن والفساد من هذا العجز والإهمال والتّهاون وعدم المُبالاة، وكلّ ذلك من نقَص الإيمان ومن الغفلة عن الله، وأصبح كلّ واحد لا يتّبع إلاّ جهله وغرورَه وما تُمليه عليه نفسُه الأمّارة بالسّوء، وقد لعن الله قوماً من بني إسرائيل لأنّهم كانوا لا ينهى بعضهم بعضاً عن المنكر والمعاصي والاعتداء، قال تعالى: ''لُعِن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم، ذلك بما عَصَوْا كانوا لا يتناهون عن مُنكر فعلوه لَبِئْسَ ما كانوا يفعلون''، وأخبرنا تعالى في كتابه أنّه نجَّى قوماً آخرين من الهلاك والعذاب بسبب نهْيهم عن المنكر، قال تعالى: ''فلمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا به أنْجَيْنَا الّذين ينهون عن السُّوء''. سأل أحد الصّحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: أتُهلَك القرية وفيها الصّالحون يا رسول الله، قال له الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ''نعم''، فقال له الصّحابي بماذا يا رسول الله؟ قال: ''بتهاونهم وسكوتهم على معاصي الله تعالى''، وقال صلّى الله عليه وسلّم: مُروا بالمعروف تُنصروا وانهوا عن المنكر تُخصَبوا أي تُخصَب أرضُكم وتُنصروا على عدوّكم، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''ويلٌ للعالم من الجاهل حيث لا يُعلِّمه''، وليس المراد بالعالم هم المتبحِّر في العلم أو المشتَهَر به، وإنّما يشمل كلَّ مَن علِم ولو مسألة واحدة من الدِّين ولم يُعلِّمها لمَن يجهلها، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ''ادْعُ إلى سبيل ربِّك بالحِكمة والموعظة الحسنة''. واعلموا أنّه كما يجب على الإنسان أن ينهى غيرَه عن المنكر يجب عليه قبل ذلك أن ينهى نفسَه أوّلاً ويصلِحها. قال تعالى: ''أتَأْمُرون النّاس بالبِرِّ وتَنْسَوْنَ أنفُسَكم وأنتُم تتلون الكتاب أفلا تعقلون''. *إمام مسجد الزاوية العثمانية طولفة - بسكرة