تعيش تونس، هذه الأيام، على وقع احتجاجات عنيفة، اشتعلت بعد أن خرج أنصار التيار السلفي الجهادي، في مظاهرات للاحتجاج على معرض للفن التشكيلي تضمن رسومات تجسد الذات الإلهية والرسول محمد، عليه الصلاة والسلام، قبل أن تتطور الاحتجاجات إلى مشادات مع قوات الأمن، وأعمال شغب زعزعت الأمن في هذا البلد الذي يحاول أن يقف على رجليه من جديد بعد الثورة. ويتخوف قطاع واسع من التونسيين من ظاهرة السلفية ومحاولة أنصارها فرض منطقهم على دولة عاشت منذ استقلالها في كنف العلمانية.. خروج السلفيين إلى العلن وردات فعلهم العنيفة باتت تؤرق التونسيين الذين يتخوفون من تكرار سيناريو تسعينات الجزائر في بلدهم، عندما تحوّل العنف اللفظي والجسدي إلى عنف مسلح. التونسيون يحبسون أنفاسهم البعبع السلفي يخرج من القمقم في 22 جانفي 2011، صلى الإسلاميون صلاتهم الأولى قبالة مقر وزارة الداخلية في شارع الحبيب بورقيبة، أمام هذا المقر المرعب لم يكن التونسيون قبل ذلك يمرون حتى قرب أطرافه، فقد انتهى بن علي وانقضت معه فترة الخوف، وخرج السلفيون من القمقم، وفي أول جمعة لهم بعد تنحي بن علي، خرج السلفيون من مسجد الفتح القريب من شارع الحبيب بورقيبة، رافعين شعارات تدعو إلى إقامة الشريعة ونصرة الإسلام وشعارات التوحيد، أذّن أحدهم وأعلن إقامة صلاة العصر، أمام مقر وزارة الداخلية، في تلك المسيرة كان عدد من السلفيين يرفعون صورا لأسامة بن لادن، وكثير منهم كان يستعجل نمو لحيته لإطلاقها، ولم يكن المشهد إلا رفع ستار وإعلان وجود للتيار السلفي. وفي 25 مارس الماضي، أقدم شاب سلفي على إنزال العلم من على مقر جامعة منوبة، ورفع مكانه راية التوحيد، قبل ذلك كان جدل كبير في الجامعة نفسها بين عمادة الجامعة والطلبة السلفيين حول أحقية الطالبات المنقبات في دخول الجامعة، واحتجز الطلبة السلفيون عميد الجامعة، وبدأوا في احتلال ساحات الجامعة ومحاولات فرض منطقهم على الطلبة والطالبات، من حيث منع الخلوة والاعتداء اللفظي على الطالبات غير المتحجبات، وفي المساجد بدأ السلفيون يسيطرون على بيوت الله في غياب السلطة والحكومة. في بعض المساجد أقدم السلفيون على طرد الأئمة وتنصيب أئمة بدلا عنهم، وتزامن ذلك مع قضية فيلم ''بلاد فارس''، الذي عرضته قناة ''نسمة''، والذي اعتبر مسيئا للذات الإلهية، وكانت هذه القضية هدية مسمومة لتونس، وبالنسبة للسلفية كانت القضية أشبه بحصان طروادة، وفرصة للاستكبار على التيار العلماني، ومحاولة شد المجتمع التونسي إلى أصوله ومرجعياته الإسلامية، وبالنسبة للتيار العلماني، كانت القضية فرصة لكشف عورة السلفيين، ودفعهم إلى مواجهة المجتمع المدني فيما يتعلق بالحريات المدنية والاجتماعية الفردية والجماعية، والتي بدأ التونسيون يشعرون فعلا أنها باتت مهددة. مشاهد التسعينات لكن رئيس الحكومة التونسية، حمادي الجبالي، سعى إلى طمأنة التونسيين ومعهم السياح الغربيين، وقال، قبل شهر، خلال زيارته إلى جزيرة جربة التونسية، موجها خطابه إلى السياح والى أصحاب الفنادق والمؤسسات السياحية، ''لا تخافوا من اللحى''.. تطمين سياسي لم يكن له على أرض الواقع ما يعكسه، فالواقع التونسي بدأ يطرح الصور والمشاهد نفسها التي شهدتها الجزائر في بداية التسعينات مع موجة ''الفيس المحل''، الأقمصة واللحى الكثة، ونصف الساق، والنساء المنقبات، ومجموعات الدعوة التي تدعو الناس إلى الإيمان، والكتب الصغيرة والمطويات والأشرطة الدينية التي بدأ صوتها يرتفع أكثر من أي صوت، وتباع عند مخارج المساجد وفي كل مكان. وبرأي الناشط التونسي، مكرم خمار، فإن المشهد الجزائري بدأ يستحضر نفسه في أذهان التونسيين ''وإن كان مبكرا التفكير في أن تصل إلى تونس المأساة نفسها التي بلغتها الجزائر، لكن المشاهد والتطورات باتت تدفعنا إلى ذلك''. فالسلفية في تونس لا تتوقف مطالبهم عند الجامعة والمسجد فحسب، شيئا فشيئا تطورت المطالب من السماح للمنقبات بالدخول إلى الدروس والامتحانات، ثم وصلت إلى مطلب إنشاء مصليات داخل الجامعات وإقامة الصلاة فيها، والسماح لهم بإقامة دروس وحلقات دينية في المساجد، ثم الخروح إلى ساحات المدن لمنع الاختلاط، ومطالبة السياح الأجانب بارتداء اللباس المحتشم، وتطور الوضع إلى استعمال العنف والهجوم على قاعات السينما والخمّارات والفنادق، وتحطيم لوحات الإعلانات التي تحمل صور نساء، والاعتداء على الكنيسة وتهديد الأسقف في تونس، وصولا إلى التهديد الجسدي. فقد أكد رئيس حزب العمال اليساري، حمة الهمامي، أنه تلقى ''تهديدات بالقتل من بعض المجموعات السلفية''، وسبقه في ذلك تعرض مدير قناة ''نسمة''، نبيل قروي، إلى حرق بيته، والهجوم على مراكز الشرطة وحرقها، مثلما حدث الأسبوع الماضي في جندوبة، وقبل يومين في العاصمة تونسوسوسة السياحية، هذه الأخيرة التي شهدت وقوع أول قتيل جراء العنف، ومع هذا بدأ منسوب ''العنف'' السلفي يتجاوز الحد الممكن، وانتقل الفعل السلفي من العنف اللفظي إلى العنف المادي، ترجمته المواجهات العنيفة بين المجموعات السلفية وقوات الأمن والشرطة في سوسةوجندوبة. تفسر صابرين، وهي طالبة جامعية نظمت فعالية ''الشارع يقرأ''، الصعود اللافت للتيار السلفي في تونس، بالنقيض الذي دفع إليه نظام بن علي المجتمع التونسي، لكنها ترفع يديها وتدعو الله ألا تنفلت تونس إلى أزمة أمنية، وألا تنتقل تونس من رجعية بن علي إلى رجعية السلفية. تونس: روبورتاج عثمان لحياني الناطق الرسمي لحزب ''التحرير'' المحظور في تونس، رضا بلحاج، ل''الخبر'' الأقلية تهوّل من السلفيين وتبحث عن حماية غربية يعتقد الناطق باسم حزب ''التحرير الداعي إلى إقامة الخلافة الإسلامية في تونس، والمحظور من النشاط، أن قيادات التيار السلفي في تونس غير قادرة على ضبط عناصره، لكنه يعتبر أن التيار العلماني ومن يصفهم ب''خصوم الصحوة الإسلامية'' يهوّلون الأحداث، بنية الإساءة إلى التيار الإسلامي وطلب الحماية من الغرب. في ظل هذا الجدل الكبير بين الإسلاميين واللائكيين، وبروز التيار السلفي إلى الواجهة، إلى أين تتجه تونس برأيكم؟ تشهد تونس بعد الثورة تعبيرا عن المكبوت والكامن في الصدور، ولهذا فإن الصراع بين اللائكيين والإسلاميين يبدو متوقعا، فاللائكيون يسعون إلى الحفاظ على نظام تشريعي وفكري، كانت تحرسه الديكتاتورية، بزعم الديمقراطية ووهمها، والحالة الشعبية لا تسعفهم، فهم شعبيا في عزلة كبيرة. أما الإسلاميون فمن كان منهم في السلطة فهم يسعون إلى ترضية العلمانية، لا لحجمهم ولا لقدراتهم، بل إرضاء للغرب، وهذه معضلة، إذ كيف يسعى المسلم إلى فك أمته من احتلال وقهر وتبعية دون أن يتحمّل حتى المخالفة للغرب، فما بالك بالمقاومة والمواجهة. والصحوة الإسلامية العارمة هي الفيصل في هذا الصدد، وهي التي خرجت بعشرات الآلاف إلى الشوارع أكثر من مرة نصرة للشريعة وداعية لدولة الخلافة، على الجميع أن يفهم أن في الصراع ثلاثة أطراف لا طرفان فقط. هل بات التيار السلفي بحق يشكل خطرا على الحريات السياسية والمدنية، مثلما يزعم قادة الأحزاب الديمقراطية والعلمانية؟ يقول الإخوة في التيار السلفي إنهم غير قادرين على ضبط تيارهم، لأنه متنوع ومفتوح وغير متحزب، ورغم ذلك حدثت بعض التجاوزات، ولكن خصوم الصحوة الإسلامية يهوّلون الأمر مع سابق الإصرار والترصد، ليظهروا أمام الرأي العام ضحايا وليقدموا للغرب دليلا على وجوب حمايتهم ولو باستدراج ديكتاتورية جديدة. هل لصعود التيار السلفي علاقة بسعي القوى الديمقراطية إلى الإطاحة بالحكومة؟ السعي إلى إسقاط الحكومة والدعوة الصريحة إلى ذلك، ظهرت منذ الشهر الأول لتشكلّها لصالح من يريدون ذلك.. أن تتولى الأقلية الضئيلة شؤون البلاد أو استدعاء ديكتاتورية تحمي البلد من المد الإسلامي.. الوحيد الذي له حق إزالة الحكومة هو المشروع الإسلامي الصحيح في إطار ثورة شعبية عارمة، أو في إطار عودة القائمين على السلطة إلى رشدهم لإقامة الإسلام كاملا: خلافة على منهاج النبوة، بحيث تصبح تونس أقوى وأعز في سياق توحيد بلاد الإسلام، وعدا ذلك فهو عبث وعودة إلى الظلام. كيف تقيّم آداء الحكومة التي تديرها حركة النهضة والترويكا الثلاثية؟ الحكومة مرتبكة، لأن تكوينها كان وفق توازنات خاطئة، ساهم فيها القانون الانتخابي الذي ضخم الضعاف وأعطاهم ما لا يستحقون من المواقع.. وإلا كيف تستقيم حياة سياسية تمنع فيها الأغلبية من ممارسة حق الأغلبية، علما أن النهضة حازت بالأصوات على ما يزيد عن الثلثين... في الأمر تدبير خارجي. تونس: حاوره عثمان لحياني اشتباكات مع الشرطة ليلا في أحياء تونس السلفيون يتحدّون حظر التجوّل لقي شاب تونسي حتفه، أمس، إثر إصابته برصاصة في الرأس، خلال احتجاجات عنيفة قادها سلفيون بمدينة سوسة، فيما تواصلت أعمال العنف بمناطق عدة في العاصمة تونس، ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، في تحد من قبل السلفيين المحتجين، لقرار فرض حظر التجوال الذي أعلنت عنه السلطات التونسية، إثر تصاعد أعمال العنف، وبلغ عدد المعتقلين في صفوف السلفيين والمنحرفين 146 شخص، وفق ما أعلنت عنه وزارة الداخلية. وذكرت تقارير إعلامية، نقلا عن مصادر طبية في مستشفى سوسة، أن الشاب فهمي العويني لقي حتفه بعد أن أصيب بطلقة رصاص على مستوى الرأس، وأصيب القتيل خلال مواجهات بين السلفيين وقوات الأمن شهدتها المدينة يوم الثلاثاء. ويعد فهمي أول قتيل يسقط في الاحتجاجات التي تشهدها تونس. وأوضح مدير مستشفى سوسة لوكالة الأنباء الفرنسية أنهم استقبلوا عشرة جرحى من بينهم 4 من أفراد الأمن. وذكرت تقارير إعلامية تونسية أن العويني ينحدر من مدينة طاطاوين، وكان يتابع دراسته في سوسة، ولقي حتفه خلال محاولة قوات الأمن تفريق محتجين سلفيين ومنحرفين، حاولوا حرق مقر للشرطة في المدينة، كما تم اعتقال أربعة أشخاص خلال هذه المواجهات. وتحدى السلفيون قرار حظر التجوال الذي أعلنت عنه السلطات التونسية، حيث خرجت عدة مجموعات في الليل واشتبكت مع الشرطة في عدد من أحياء العاصمة، وتحدثت تقارير إعلامية عن وقوع العديد من حالات حرق طالت مؤسسات حكومية وتجارية. وأعلن وزير الداخلية التونسي، علي لعريض، عن اعتقال 153 شخص على خلفية أحداث العنف، وتوقع لعريض ارتفاع هذا العدد وتواصل أعمال العنف والشغب في البلاد بسبب ''حالة الاحتقان السائدة حاليا''، على حد قوله. من جانبها أدانت كل من رئاسة الجمهورية والمجلس التأسيسي والحكومة في بيان مشترك، المجموعات المتطرفة ''وتهديدها للحريات''، ولكن أيضا ''كل مس بمقدسات'' الشعب والأمة. على صعيد آخر، قضت المحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس على الرئيس السابق زين العابدين بن علي بالسجن المؤبد غيابيا، بتهمة القتل العمدي في حق متظاهرين خلال الثورة. الجزائر: ر. شنوف رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي ''الظواهري كارثة على الإسلام والمسلمين'' قال راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الحاكم في تونس، أمس، إن زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، يعتبر ''كارثة على الإسلام والمسلمين''، مضيفا أن ''ليس له نفوذ في تونس''. وقال الغنوشي، خلال مؤتمر صحافي في تونس، إن ''أيمن الظواهري كارثة على الإسلام والمسلمين، وليس له نفوذ في تونس''، وذلك ردا على الدعوة التي وجهها زعيم تنظيم القاعدة في 10 جوان إلى الانقلاب على حزب النهضة. الوكالات