تعيش تونس، هذه الأيام، على وقع حملة انتخابية هي الأولى من نوعها بعد ثورة الشعب التي أسقطت نظام بن علي، والتي ستسمح بانتخاب المجلس التأسيسي الذي سيؤسس للجمهورية الثالثة في تونس، لكن هذا المسلسل تواجهه العديد من التحديات الداخلية، وعلى رأسها تحقيق أهداف الثورة. وكل الأنظار حاليا متجهة نحو تونس، فمنها انطلقت الشرارة الأولى للربيع العربي، وهي أول دولة تجري انتخابات بعد الثورة. تبعات التغيير أضعفت الدولة ''العازلة'' اقتصاديا وماليا تونس ما بعد الثورة رهينة الحرب في ليبيا والاستقطاب الأمريكي الفرنسي تعاني أولى الثورات العربية التي ساهمت في إسقاط نظام قائم منذ سنوات بأجهزته ومصالحه، على شاكلة الثورة الإيرانية في 1979، غياب مرجعية للثورة وقوة منظمة قائدة لها، ما جعلها أقرب إلى العفوية من التنظيم، وغياب المرجعية الإيديولوجية والسياسية، جعلها بعد اختفاء العدو المشترك تعاني الانقسام والمواجهة أحيانا، فضلا عن ضعف الموقع التفاوضي للحكومة التي خضعت مباشرة لضغط دولي فرنسي أمريكي. فبعد محاولات الاختراق الأمريكي من خلال زيارات مساعد كاتب الدولة للخارجية، جيفري فيلتمان وويليام برنز، فضلا عن أعضاء من الكونغرس، سارعت باريس إلى تدارك أخطاء ما قبل الثورة، فعادت من بوابة الدعم الاقتصادي للتموقع مجددا في مستعمرتها السابقة التي تعتبر في عرف الاستراتيجيين الفرنسيين أحد المفاتيح في الحرب الليبية. وتسعى باريس لتدارك أخطائها التقديرية في الملف التونسي، خاصة بعد أن تبين لها أن واشنطن استبقت عملية التغيير، في وقت ظلت باريس متشبثة بقناعات تبين خطأها مع انهيار النظام السياسي التونسي وشبكة التحالفات التي أقامتها منذ سنوات. وقد عمدت بالخصوص إلى لعب الورقة الاقتصادية والمالية، مع معاناة تونس من تبعات عدم الاستقرار، حيث تأثرت أهم القطاعات الحيوية التي يرتكز عليها الاقتصاد التونسي وهي السياحة والصناعات التحويلية والنسيج والخدمات والزراعة، فضلا عن الارتفاع الكبير للمديونية الخارجية والداخلية التي فاقت 36 مليار دولار، وعمدت باريس إلى حث الدول الأوروبية الحليفة على دعم ومساعدة النظام التونسي الجديد، وإعادة إنعاش الوجهة السياحية تدريجيا، وإعادة شبكة التعاون الأمني والعسكري أيضا، خاصة وأن المؤسسة العسكرية كانت عاملا حاسما في التغيير، هذه الأخيرة ووفق مقاربة سياسة الترابط، ساهمت في دفع السلطات التونسية إلى الاعتراف بما يعرف بالمجلس الانتقالي الليبي، في وقت كانت باريس بحاجة إلى افتكاك شرعية إقليمية له. وتظل تونس في عرف الاستراتيجيين دولة عازلة صغيرة المساحة وضعيفة من حيث القوة العسكرية تتوسط قوى إقليمية تواجه وضعا غير مستقر أيضا، ولكنها هامة كإحدى نقاط الارتكاز للسياسة الفرنسية في المنطقة، ورغم الاختراق الأمريكي، فإن منطق توزيع الأدوار والوظائف يظل ساريا في منطقة المغرب العربي، وتأثير باريس يبقى قائما من خلال التحالفات التي أقامتها منذ سنوات مع النخب التونسية. وتواجه تونس عددا من التحديات إلى جانب عدم الاستقرار الداخلي، نتيجة الفراغ الذي نتج عنه الانهيار السريع للعديد من المؤسسات، منها الأمنية، بعد أن كانت قراراتها شبه مركزية وبين أيدي عدد قليل من الأشخاص، هذا الفراغ الأمني ساهم في حدوث عدد من الاختراقات، التي يمكن أن تتأجج مع الحرب في ليبيا، وصعوبة التحكم في الحدود الجنوبية، بما في ذلك استغلال الخلايا النائمة لإعادة تشكيل شبكات تهريب السلاح، ما يدفع باريس وحتى واشنطن إلى البحث عن أفضل السبل لتحقيق مرحلة انتقالية هادئة، والتخلص من رواسب النظام السابق بأقل التكاليف. فيما تسعى واشنطن إلى استبعاد هاجس تنظيم القاعدة، الذي يمكن أن يجعل من جنوبتونس حلقة وصل بين ليبيا والجزائر والساحل، ولوحظ هذا التركيز منذ زيارة الجنرال وورد لتونس في جوان 2010 ولقائه بوزير الدفاع التونسي رضا ريغا وتأكيده على دعم واشنطن للمؤسسة العسكرية التونسية. 50 حزبا نشأت على أنقاض نظام بن علي أفرزت التحولات لما بعد الثورة التونسية إعادة رسم وهندسة خارطة القوى والتوازنات السياسية في المنطقة وبروز نخبة جديدة، إلا أن هذا المشهد السياسي، الذي يحضّر لأول رهان انتخابي في 23 أكتوبر الجاري، يبقى غير واضح المعالم. التشكيلات السياسية التي تم اعتمادها منذ 14 جانفي الماضي، تتميز بالتنوع والاختلاف من الناحية الإيديولوجية لكنها تظل فتية، ويجهل لحد الآن مستوى وحجم تمثيلها، وتقدر بحوالي 50 حزبا وتشكيلة إلى جانب قوى مستقلة على شاكلة ''دستورنا''. ومن الأحزاب الحاضرة في الساحة التونسية الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أسسه أحمد نجيب الشابي، وهو ذو توجه يساري، فيما يصنف المنتدى الديمقراطي للعمل والحريات لمصطفى بن جعفر في دائرة الاجتماعي الديمقراطي، ويضاف إليهم حزب التجديد لأحمد بن إبراهيم وريث الحزب الشيوعي التونسي والحركة الديمقراطية الاشتراكية الذي يعتبر من بين أقدم الأحزاب النشطة والذي انتمى إليه أحمد المستيري ويقوده أحمد خسخوسي. كما يتضمن المشهد الحزبي التونسي الجديد أحزابا من أقصى اليسار مثل حزب العمال الشيوعي التونسي لحمة همامي، في المقابل، هنالك أيضا أحزاب قومية عملت في السرية منذ الخمسينات على شاكلة حزب البعث والحزب الوحدوي الحر الذي يجمع الناصريين والبعثيين برئاسة بشير بجاوي والحركة الوحدوية التقدمية لبشير السيد، إضافة إلى الحركة من أجل الوحدة الشعبية الذي أسسه أحمد بن صالح منذ .2001 ومن الوسط هنالك حزب الوسط الاجتماعي لعمار سليمة، وحزب الكرامة والمساواة لرياض عمري، وحزب الوطن لمحمد جغلام وأحمد فريع، فضلا عن حزب الوفاق وحزب الأحرار وحزب المجد، ومن جهة اليمين، نجد حزب الشباب الديمقراطي لشاكر سعيد، وحزب الحرية والتنمية لخالد تراوي. ومع ذلك ورغم تعدد التيارات السياسية والحزبية، يبقى التيار الإسلامي الأكثر تنظيما وهيكلة وقدرة على التجنيد، ورغم وجود الحركة الوطنية للحرية والتنمية لمراد رويسي، يظل التيار ممثلا أساسا بحزب النهضة وريث الاتجاه الإسلامي الذي تأسس في 1979 ومنع من النشاط من قبل بورفيبة ثم بن علي، واعترف بالحركة التي يترأسها راشد الغنوشي في 14 جانفي الماضي. وستكون انتخابات 23 أكتوبر هي المحك الحقيقي لوضع ما بعد الثورة. أول امتحان حقيقي للديمقراطية بعد ''ثورة الياسمين'' تخوض تونس أول امتحان ديمقراطي لها منذ خلع الرئيس زين الدين بن علي في 14 جانفي الماضي، وتخوض الديمقراطية في تونس أول امتحان لها في 23 أكتوبر المقبل، عندما يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجلس تأسيسي من بين أكثر من 10 آلاف مرشح موزعين على 787 قائمة حزبية و587 قائمة مستقلة. وسيتولى المجلس صياغة دستور جديد للبلاد، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وإعادة الشرعية إلى مؤسسات الدولة، وتأسيس الجمهورية التونسية الثالثة، بعد جمهورية بورفيبة والجمهورية الثانية التي أقامها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وفي المشهد التونسي هذه المرة يغيب الحزب التاريخي الذي حكم تونس منذ الاستقلال ''الدستوري''، وتغيب معه مشاهد القمع السياسي والفكري والإداري التي كانت تتعرض لها أحزاب المعارضة، وتحضّر في المقابل قوى سياسية كانت محظورة ومصنفة في عداد التنظيمات الإرهابية، كحركة النهضة التي تطرح مشاركتها القوية مخاوف كبيرة لدى كثير من التونسيين، من أن سيطرة الحركة على مقاعد المجلس التأسيسي، و''صياغة دستور'' بصبغة إسلاموية، قد يؤدي إلى التراجع عن جملة المكاسب المدنية والحريات التي حققها المجتمع التونسي خلال العقود الماضية، بما فيها حرية المرأة، وهو ما دفع الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة إلى سن قانون لا يتيح لأي حزب الفوز بأكثر من 30 بالمئة من مقاعد البرلمان، بما يحقق ديمقراطية متوازنة، ولطمأنة كافة القوى السياسية التونسية والدولية. ومع مد تونس خطواتها إلى مرحلة الشرعية والاستقرار والديمقراطية الحقيقية، مازالت المطالب بالحساب والعقاب عن جرائم الماضي الدامي في تونس، ومحاكمة رموز عهد بن علي، خاصة مع بروز ظاهرة ''المال السياسي''، والتخوف من إمكانية إعادة تشكل فلول النظام السابق في أطر أخرى. وفي مقابل الاستحقاق السياسي، تخوض تونس استحقاق إصلاح جهاز الشرطة، باعتباره أكثر الأجهزة المتهمة في تونس بالتورط في التعذيب وقمع المعارضة، عبر طرح مشروع لإدخال إصلاحات جوهرية على أجهزة الاستخبارات والأمن والشرطة. أمين عام حزب العمال الشيوعي التونسي ل''الخبر'' التيار الإسلامي ضُخّم والتحدي الأكبر هو القضاء على نظام بن علي يرى حمّة الهمامي، الأمين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي، أن أكبر تحد تواجهه تونس في الوقت الحالي هو كيفية التخلص من أركان النظام السابق، والتأسيس لنظام ديمقراطي مبني على شرعية الشعب بعيدا عن التقديس، مؤكدا بأن التيار الإسلامي في تونس جرى تضخيمه أكثر من اللازم، لكنه اعترف ضمنيا بقوة حضورهم. وصف حمّة الهمامي، زعيم حزب العمال اليساري، الحملة الانتخابية الجارية في تونس لانتخاب المجلس التأسيسي ب''المهمة''، وأكد أنها تستقطب الكثير من الأنظار داخليا أو خارجيا، لكنه أكد بأن العملية تجري في ظروف غير مناسبة، وحمّل حكومة الباجي القايد السبسي مسؤولية ذلك، لما اعتبره ''تقصيرا في توفير الظروف المناسبة التي طالب بها الشعب والقوى الديمقراطية من تطهير لسلط القضاء والإعلام ومافيا المال السياسي وتوفير الأمن، لكن كل ذلك لم ينجز''. لكن ورغم النقاط السلبية التي تميز هذه المرحلة، وفق منظور حمّة الهمامي، إلا أنه أكد على أهمية خوض الانتخابات في هذه الظروف ''التي تحمل بصمات مشاكل المرحلة وموازين داخلية والتصدي للقوى المعادية للثورة''. وعبّر عن أمله في أن يجري الاقتراع في ظروف مواتية مضبوطة وفق قواعد ديمقراطية تهيئ لبناء مستقبل ديمقراطي لتونس. وفي حديثه عن التيار الإسلامي وسيطرته على الخريطة السياسية التونسية في المستقبل أجاب أمين عام حزب العمال اليساري بالقول: ''هناك مبالغات حول هذا التيار. لكن هذا لا يمنع القول بأن له وزنا تاريخيا وانتخابيا، لكن اعتقد بأن حزبنا والقوى الديمقراطية لها وزن وتاريخ أيضا''. والمهم في نظر الهمامي هو: ''أن تجرى الانتخابات في مناخ مناسب، ونحن لا نتصور بأنه سيكون هناك قوى معينة سياسية ستبسط قوتها على المجلس، بالنظر إلى التنوع السياسي في الساحة، إلى جانب أن القانون يساعد على عدم استئثار قوة على المجلس''. ولم يخف الهمامي توجسه بأن حركة النهضة، أقوى الأحزاب الإسلامية، ستحصد نسبة هامة من أصوات المنتخبين، لكنه أكد بأنهم سيواصلون العمل من أجل كسب رضا الشعب، مشيرا إلى تجاوب كبير من قبل شرائح المجتمع مع برنامجهم. ولا يعتبر الهمامي بأن التيار الإسلامي يمثل خطرا على الديمقراطية أو الجمهورية في تونس، وإن أشار إلى أن هناك بعض القوى الإسلامية، لم يسمها، وليبرالية تشكل بالفعل خطرا على تونس ومستقبلها، حيث أوضح أن أكبر خطر يتهدد تونس حاليا هم أركان النظام السابق وحزب بن علي المحل، حيث أوضح أن أحزابا ليبرالية فتحت أبوابها لشخصيات من النظام السابق وحزبه المحل، والتي تحاول خلق أجواء متوترة في البلاد من خلال إثارة النعرات الجهوية والعقائدية والقبائلية، إلى جانب مافيا النظام البائد التي تريد زرع اللاأمن، لتخويف الشعب وإحباطه حتى يتخلى عن الثورة، وهو الهدف الذي قال الهمامي بشأنه ''بأنه لا يمكن أن يتحقق لأن الشعب كله مصمم على تحقيق كل أهداف الثورة''. وعن تصورهم كتيار يساري للدولة المستقبلية، فأكد الهمامي بأنهم يريدون دولة: ''ذات مرجعية مدنية مؤسساتها مستلهمة من إرادة الشعب ومرجعياتها وتشريعاتها أيضا نابعة من الشعب، وتكون قوانينها مبنية على العقل الإنساني. أعلنوا ''الحرب'' على التيار الإسلامي علمانيو تونس يحذرون من تكرار ''التجربة الجزائرية'' تعيد تونس إنتاج المشهد الجزائري في التسعينات بكثير من تفاصيله، حرب الشعارات والتسميات بين التيار العلماني والتيار الإسلامي، لم يتسع لها شارع بورفيبة، لكن التونسيين يتخوفون أن تتجه المواجهة من صندوق الانتخابات إلى صناديق الموت. في 22 جانفي الماضي، أسبوعا بعد رحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، خرج الإسلاميون، وأدوا للمرة الأولى صلاة العصر جماعة أمام مقر وزارة الداخلية الرهيب، وقبلها في نفس اليوم مباشرة بعد صلاة الجمعة، خرج إسلاميون في مسيرة رفعت فيها شعارات تدعو إلى ''الجهر بالحق والجهاد في سبيل الله''، وبعد ذلك تطوّر الأمر إلى تنظيم مسيرات من قبل تنظيم ''حزب التحرير'' - غير معتمد - ذو التوجه السلفي، مسيرة للمطالبة بغلق الحانات وقاعات السينما، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهاجموا قاعة سينما كانت تعرض فيلم ''لائكية إن شاء الله''، قبل أن يحاول 300 شخص حرق مقر قناة ''نسمة''، أمس، بعد عرضها فيلما مدبلجا قالوا إنه يسيء إلى الله والإسلام. لم تكن تلك الحركات عادية بالنسبة لكثير من أقطاب التيار العلماني، وجملة من المشاهد غير متقطعة والاستعراض السياسي للتيار الإسلامي هذه، دفعت أقطاب التيار العلماني إلى إعلان الحرب على قوى التيار الإسلامي، وعلى المشروع الإسلامي الذي تتبناه حركة النهضة، أكبر الحركات الإسلامية وأكثرها تنظيما في البلاد، وإطلاق التحذيرات باتجاه الداخل والخارج للحد من امتداد الحركة ومنعها من النشاط في المساجد واستغلالها في الدعاية السياسية، وحرص العلمانيون على إلصاق ممارسات عناصر من ''حزب التحرير'' المتطرف بحركة النهضة، وشن حرب دعائية ضدها. غير أن القوى العلمانية التي دخلت في صراع ذاتي بين أطرافها، أبانت عن عجز سياسي في حسم خياراتها وغرقت في توجيه اتهامات إلى الإسلاميين، ولم تقدم في المقابل مشروعا سياسيا بديلا، للمشروع الذي تتبناه قوى التيار الإسلامي، وبخاصة حركة النهضة التي اكترت مقرا زجاجيا وسط العاصمة تونس، ومرت إلى السرعة القصوى في هيكلة قواعدها وتنظيم صفوفها، منذ عودة زعيمها راشد الغنوشي من منفاه في لندن شهر فيفري الماضي. وسعت الحركة إلى طرح خطاب متوازن، وطمأنة الداخل والخارج بشأن خياراتها السياسية، واختارت فتيات غير متحجبات لتنشيط المؤتمرات والندوات التي تنظمها، في إشارة إلى عدم رغبتها في التراجع عن مكاسب المرأة في تونس. ولم يتجاوز الصراع بين العلمانيين والإسلاميين حدوده الأخلاقية والسياسية حتى الآن، ومازالت الفرصة قائمة للاحتكام إلى صندوق الانتخابات. مدير القناة يحذر من كون ''الديمقراطية في تونس في خطر'' إسلاميون حاولوا حرق مقر ''نسمة'' لعرضها فيلما إيرانيا حاول مئات الإسلاميين، أمس، حرق مقر قناة ''نسمة'' التونسية احتجاجا على عرضها فيلما كارتونيا إيرانيا مدبلجا يتعرض للذات الإلهية. ويأتي هذا التحرك القوي للإسلاميين في الشارع التونسي ساعات بعد عملية مشابهة قام خلالها مئات السلفيين باقتحام جامعة احتجاجا على منع منقبة من دخول كلية العلوم الإنسانية. هذه التطورات الميدانية تأتي قبل أيام فقط من تنظيم أولى انتخابات تعددية في تونس ما بعد بن علي. وفي تفاصيل الحادثتين، فقد احتج 300 إسلامي أمام مقر القناة الكائن بشارع محمد الخامس بوسط العاصمة تونس، لكن الشرطة منعت اقتحامهم القناة واعتقلت العشرات منهم. وفي تعليقه على محاولة الاقتحام، قال نبيل القروي، مدير قناة نسمة في اتصال مع ''الخبر'' إن ''عرض الفيلم الإيراني يوم الجمعة تبعه نقاش متوازن، لكن مجموعة من المتطرفين قامت بشن حملة على القناة في الفايسبوك واتفقوا على التجمهر أمام مقر القناة أمس، وبالفعل حاول هؤلاء المتطرفون الهجوم على القناة''. وواصل القروي قائلا: ''تعرضنا للشتم والتهديد بالقتل إلى غاية قيام الشرطة بتفريقهم''. وبخصوص توجه القناة، أوضح المتحدث بالقول ''نحن قناة مفتوحة وحديثة تحترم كل الأحزاب ومرجعيتها هي التفكير التعددي.. لقد خرجنا من ديكتاتورية ونرفض العودة إلى ديكتاتورية مغايرة''، وأضاف القروي ''لا نخاف وسنبقى نعمل، ونتمنى أن يحترم هؤلاء المتطرفون أنفسهم، هذا تهديد كبير للديمقراطية في تونس، وعليه نوجه نداء لكل الأحزاب لمساندتنا، فهذه المشكلة لا تخص قناة نسمة ولكن كل الشعب التونسي''. من جانبها أدانت حركة النهضة، أقوى الأحزاب الإسلامية في تونس، محاولة الهجوم على القناة، وقال عضو مكتبها السياسي، سمير دلو، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: ''لا يمكن إلا أن ندين مثل هذا النوع من الحوادث''، واعتبر أنه عمل منفرد، مطالبا بوجوب التعقل والهدوء، وشدد على أنه إذا وجدت أي انتقادات لقناة النسمة فيجب التوجه إلى وسائل الإعلام وإبداء انتقاداتهم، لا اللجوء إلى العنف. وكان الفيلم وهو إنتاج إيراني فرنسي مشترك قد فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان لعام .2007 وهو مأخوذ عن قصة الكاتبة الإيرانية المقيمة في أوروبا، مرجانة ساترابي، وتروي فيه بأسلوب ساخر نشأتها في إيران خلال وفي أعقاب الثورة الإسلامية عام .1979 أما في حادثة اقتحام كلية الآداب والعلوم الإنسانية في سوسة، فقد اقتحم نحو 200 شخص من الإسلاميين المتشددين بالقوة الكلية احتجاجا على منع طالبة منقبة من التسجيل فيها. وقالت وكالة أنباء تونس إن ''حوالي 200 شخص دخلوا، أول أمس السبت، بهو الكلية بهدف طرد العميد منصف بن عبد الجليل واستهدافه جسديا، لكنهم لم يجدوه بسبب تلقيه إعلاما من إدارة الكلية ينصحه بعدم الحضور''. ونشرت مواقع التواصل الاجتماعي صورا لهذا الهجوم على الكلية الذي تكرر أكثر من مرة خلال مطلع الأسبوع الماضي، وشوهد فيه عدد من الشبان الملتحين الذين وصفهم أصحاب الصفحات على الأنترنت ب''السلفيين''. وتعتبر هاتان الحادثتان ثاني ظهور بارز للإسلاميين بعد الاشتباك الذي حصل قبل أشهر بمناسبة عرض فيلم آخر يمس بالذات الإلهية لمخرجة متهمة بالإلحاد تسمى نادية الفاني. ووقتها قام إسلاميون بمحاولة اقتحام قاعة سينما في العاصمة التونسية لمنع عرضه. الجزائر: ر. بلعمري / ح. عبد القادر