لقد بيَّن لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضل أوقات معينة، منها شهر شعبان عموماً وليلة النِّصف منه بخصوصها لأسباب صرّح بها، ومنافع دعا إلى اكتسابها. عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إنّ الله يطلع على عباده في ليلة النِّصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتّى يدعوه'' رواه أحمد وابن حبان وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي. جعل الله عزّ وجلّ لليلة النِّصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنّه سبحانه وتعالى يطّلِع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلاّ مشرك حتّى يدع شركه ويوحِّد الله تعالى، والمشاحن حتّى يدع شحنائه ويصطلح مع مَن خاصمه، روي عن أبي موسى رضي الله عنه: ''إنّ الله تعالى ليطلع في ليلة النّصف من شعبان فيغفِر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن''. فهذه فرصة لكلِّ مسلم يُريد رِضَى الله تعالى، ويريد دخول الجنّة، أن يصلح ما بينه وبين خصومه من قريب أو بعيد، سواء كان من أهله أو صديقه أو أيّ شخص آخر، وكذلك عليه أن يدع ويتوب من المعاصي والذنوب من ربا أو غيبة، أو نميمة وغيرها من المعاصي. وقد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث كثيرة منها عن أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اللّيل (ليلة النِّصف من شعبان) فصلّى فأطال السّجود حتّى ظننتُ أنه قد قبض، فلمّا رأيتُ ذلك قمتُ فحرّكتُ إبهامه فتحرّك فرجعتُ، فسمعته يقول في سجوده: ''أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك إليك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك''، فلمّا رفع رأسه من السّجود وفرغ من صلاته، قال: يا عائشة ظننتِ أنّ النّبيّ قد خاس بك؟ قلتُ: لا والله يا رسول الله، ولكنّني ظننتُ أنّك قُبِضتَ بطول سجودك، فقال: أتدرين أي هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النّصف من شعبان، فيغفر الله فيها للمستغفرين، ويرحَم المسترحمين ويؤخِّر أهل الحقد كما هم'' رواه البيهقي. وفي رواية لابن ماجه عن سيّدنا عليّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إذا كانت ليلة النِّصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإنّ الله جلّ وعلا، ينزل إلى السّماء الدُّنيا لغروب هذه الليلة فيقول: هل من مستغفر فأغفر له، هل من مسترزق فأرزقه، هل من مبتل فأعافيه، هل من كذا هل من كذا حتّى يطلع الفجر''. كما أنّ أعظم فضائل هذه اللّيلة تحويل القبلة إلى البيت الحرام، والأمر بالتوجه إلى الكعبة في الصّلاة لا ينفي أن المسجد الأقصى هو ثالث الحرمين الشريفين الّذي تشدّ الرِّحَال إليه وحمايته. ولذلك كان إحياء هذه اللّيلة بالدعاء الوارد في كتب السُّنَّة الشّريفة وإحياء هذه اللّيلة أيضاً بجميع أنواع الطاعات من قراءة قرآن أو صلاة أو صدقة سُنّة أجمع عليها أكثر أهل العلم، وخير الدعاء ما دعَت إليه الحاجة، وانبعث من القلب وحاطه الإخلاص، وخيرُه وأقربه إلى الله ما كان في وقت السّجود، يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد فأكثروا فيه الدعاء''.