صلاة التهجُّد هي صلاة التّطوّع في الليل بعد النّوم، قال العلامة أبو بكر بن العربي المالكي: في معنى التّهجّد ثلاثة أقوال: الأوّل، أنّه النّوم ثمّ الصّلاة ثمّ النّوم ثمّ الصّلاة. الثّاني، أنّه الصّلاة بعد النّوم. والثّالث، أنّه بعد صلاة العشاء. ثمّ قال عن الأوّل إنّه من فَهم التّابعين الذين عوّلوا على ''أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينام ويصلّي، وينام ويصلّي''، والأرجح عند المالكيّة الرّأي الثّاني. صلاة التهجُّد سنّة في حقّ الأمّة لقوله الله سبحانه وتعالى: {وَمِن اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لكَ} أي فريضة زائدة على الفريضة بالنّسبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولمواظبته صلّى الله عليه وسلّم عليها، ولما ورد في شأنه من الأحاديث الدّالّة على سُنّيّته، ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: ''عليكم بصلاة اللّيل، فإنّه دأب الصّالحين قبلكم، وقُربة إلى ربّكم، ومُكفّرة للسّيّئات، ومنهاة عن الإثم''، وقوله عليه الصّلاة والسّلام: ''أفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل'' والمراد بها التّهجّد. والأصل في قيام اللّيل أن يطلق على الاشتغال بمطلق الطّاعة من صلاة وذِكر وقراءة القرآن ونحو ذلك، وقيام اللّيل قد يسبقه نوم بعد صلاة العشاء وقد لا يسبقه، أمّا التّهجّد فلا يكون إلاّ بعد نوم. وأفضل أوقات التّهجّد جوف اللّيل الآخر لما روى عمرو بن عبسة قال: قلتُ: يا رسول الله: أيّ اللّيل أسمع؟ قال: ''جوف اللّيل الآخر فصلّ ما شئت''. فلو جعل اللّيل نصفين أحدهما للنّوم والآخر للقيام فالأخير أفضل، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''ينزل ربّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيل الأخير فيقول: مَن يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟'' متّفق عليه. قال سادتنا المالكية: أفضله ثلثه الأخير لمَن تكون عادته الانتباه آخر اللّيل، أمّا مَن كان غالب حاله أن لا ينتبه آخره بأن كان غالب أحواله النّوم إلى الصّبح، فالأفضل أن يجعله أوّل اللّيل احتياطًا. واتّفق الفقهاء على أنّ أكثره عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة، لما روي ''أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي باللّيل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة''، وروي أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلّي فيه اثنتي عشرة ركعة ثمّ يوتر بواحدة''. وقد كانت ركعات تهجّد سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حسبما قالته أمّ المؤمنين السيّدة عائشة رضي الله عنها: ''ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهنّ وطولهنّ، ثمّ يصلّي ثلاثًا''. وفي لفظ قالت: ''كانت صلاته في شهر رمضان وغيره باللّيل ثلاث عشرة ركعة منها ركعتَا الفجر''، وفي لفظ: ''منها الوتر وركعتَا الفجر''. ويُكره لمَن اعتاد التّهجّد أن يتركه بلا عذر لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن عمرو: ''يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من اللّيل فترك قيام اللّيل'' متّفق عليه، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ''أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ''، وقول السيّدة عائشة رضي الله عنها: ''كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا صلّى صلاة داوم عليها''. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: ''اللّهمّ لك الحمد أنت قيّم السّماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق ولقاؤك حق وقولك حق والجنّة حق والنّار حق، لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكّلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلاّ أنت أو لا إله غيرك ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله'' أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.